135 يوما بقيت لموعد تاجل مرتين بعد الزيادتين في الموعد المنقلب عليه مرتين, يبقى الحذر واجبا والترقب مطلوبا,والمفاجعات غير مستغربة, والتونسي فطن لا يلدغ من موعد ثلاث مرات... ان المطبخ الذي يطلع علينا في كل حين بتحيين جديد لموعد الانتخابات يعيش أزمة مع نفسه, هو ذاته لا يعرف لها سبيلا الى التعافي, انها ازمة لجهة عدم جهوزيته ليحافظ على مكتسبات سقطت عليه هبة من السماء, ثم هي ازمة رجال هم أنفسهم صناع الازمة, اما مع ثورة تكاد تشعل النار في أثوابهم من الاطراف حتى الوسط,- اذ في كل مناسبة يستعر فيها التجاذب في رسم السياسات او في تنفيذ الاستحقاقات, استحقاقات تامة الشروط بالتنفيذ, وأخرى انتهت صلاحية استعمالها ووجب سحبها من معارض الواجهات السياسية والاعلامية منذ زمن ليس بالقصير. كرئاسة كان يفترض بها دستوريا ان تنتهي مدتها بعد ستين يوما من بعد الاستلام والتسلم,الى رئاسة حكومة جاءت مؤقتة ولم ترض بالتوقيت فسعت الى التمديد والتوريط والتأبيد...الى غيرها من الاستحقاقات الناجزة- ثم هي أزمة تفتعل الازمات لربح الوقت حينا ولجس النبض حينا آخر, الى أي مدى يا ترى سيبقى التونسيون في حالة ترقب؟ وهل تفي الازمة بوعدها بالانفراج؟ وهل يحتاج الصامتوت الى التثوير من جديد؟ ام ان ما يعده المطبخ سوف يكون متاحا لآكليه, حالما تدق ساعة الصفر من الايام المتبقية ؟ هل تتغلب ارادة الثورة على طبيعة الفوضى؟ ما يحتاج منا الى صبر يزيد عن أربعة أشهر, اليس جديرا بأن نستجمع له ما بقي من صبر وألم حتى يولد الأمل؟ اما ان نكون في مستوى التحدي او أن تعود الدكتاتورية بعد مرحلة الحمل الاولى التي تخلق فيها جنين الثورة تعد تونس اليوم في شهرها السادس من الحمل بهذا المولود الذي يبشر بكل خير, والذي طالما انتظره الاهل والاصدقاء والاقرباء, وطالما خافه فرعون, الذي يتربص بالمواليد الذكور من كل عام, فرعون الذي خرج من القصر وترك موسى فيه يكبر, مازال يحن الى عرشه, وجبروته, كما تحن الحاشية والملأ الى أن يعيدوا سيدهم الى كرسيه, ويعودوا هم –طواعية الى العبودية- والايام المتبقية, هي عبارة عن أشهر المخاض العسيرة التي تلي الحمل والتخلق واكتساء العظام لحما... ثم تخرج علينا العروس تونس تحمل جنينها على ذراعيها, مفاخرة به بين الامم... مباهية به الاصدقاء... موارية به عن أهل السوء والسحرة والمشعوذين خشية السحر, او المس... ان لم نكن في مستوى اعداد مهد يلائم مخرجات ثورتنا, ان لم نكن اهلا لحماية وليدنا المكرم... طاف علينا طائف فرعوني جديد وما اكثرهم هذه الايام, يخرجون كما يخرج المسيح الدجال... ان الوضع الجديد, لهو بغاية الحساسية, وان مجتمع الدراويش أعني أصحاب النوايا الحسنة الذين يحسنون الظن بالناس كل الناس, ليس لهم اليوم مكان بين الثعابين والسباع... اجتماع الاعدقاء(مزج لاصدقاء مع أعداء) معارضة الامس حكومة اليوم لن نحتاج الى الاقتباس, من كليلة ودمنة, او –لا فا بل دي لا فونتان- حتى نصف الوضع اليوم بالرمز الافتراضي... ولكن يجب أن نملك الجرأة ان نعيش زماننا وندلي بما نعيش ونلحظ من تشاكس في القيم, وتنافربين الوسيلة والغاية تسقط معهما الاقنعة,أديولوجية كانت, او ميكافيلية تكون أحياناأخرى... ان انقلاب القيم, بالعود على العداوات الموجودة اصلا في ذهن صاحبها فقط, لتدعو الى الغثيان من هذه النخبة اليسارية المتجمدة التي ابتلينا بها في هذه الايام, نخبة وقفت بالا مس مع الجزار على الضحية, وتقف اليوم جزارا تبغي ذبح الضحية, لا يمكن ان تستغرب منها ان تأتي باقل بشاعة من هذه الجرائم البشعة. والمطلوب اليوم الحذر ثم الحذر ثم الحذر المغلظ من هذه التضاريس السياسية التي تمارس الا نقلاب على نفسها حينا وعلى الطيف السياسي أحيانا أخرى... ماذا نقتبس من تركيا مع ناهية هذا الاسبوع؟ تقبل تركيا الفتاة اليافعة, التي تشق طريق الحداثة بوعي واقتدار منقطع النظير, تمضي الى محطة انتخابية ناجزة واعدة في عمرها السياسي الفتي... تركيا, بديع الزمان النورسي, نجم الدين أربكان, والطيب أردوغان ستلبس بدلتها الثالثة متربعة على عرش مرصع بورود المحبة ورود التضحية ورود العطاء , غزلت نسيجها عودا عودا, خيطا خيطا أياد مسلمة مستسلمة, مختارة لتركيتها وطنا, ورحما للجميع... تركيا المليئة بالامس القريب بما لا يحصى من الالغام المزروعة أصلا في كل ناحية منها,أثبتت للعالم, أن الوطنية هو التعالي عن الذات والفناء في الوطن... تركيا الامس حرب مع الاكراد المنشقين, هي اليوم سلم مع الاكراد المنظمين لمسيرة البناء, تريكا الامس الغارقة في المديونية, هي اليوم تحتل المرتبة السابعة عشر عالميا, في سلم الدول الاكثر تقدما لا في سلم الدول النامية, تركيا الامس ذيل اسرائيل المتارجح, هي اليوم شوكة في حلقها تتبختر... ماذا نحتاج من تركيا؟ بالرغم من التشابه الذي ينحصر بيننا في الارث العلماني أتاتورك- بورقيبة, فان العمق الاسلامي أشد تشابها في التكوين المتجانس لجهة الشعوب, فكلا الشعبين مسلم جرب قصرا العلمانية واكتويا بها شر اكتواء؟ فهل نأخذ نفس الدواء الذي تعافت به تركيا؟ أم نبقى أذيالا لللائكية العسكرية الجبرية التي ابتلتنا بها الدولة المحتلة سابقا؟ هل نخلص أنفسنا من القطيعة مع هويتنا ونتصالح مع لغتنا وديننا ونغذي شعوبنا بهذا الرحيق المختوم أصلا بالاصالة والثبات والتضحية والعطاء والانكسار امام الله وحده لا امام أعتاب البنوك الدولية والدول البنكية.... ان تركيا هي الدولة الوحيدة التي ليس لها مديونية, والتي يجري بنك النقد وراءها ليقرضها وهي تستعصي وتتمنع وترفض الاقتراض أصلا, لا لعدم حاجتها لتطوير نفسها... انما لعدم بيعها نفسها والسجود أمام بنوك يقف قادته امام المحاكم الدولية بخصوص التعدي والتفحش والعهر والعربدة الجنسية... فهل تكون تونس على نفس هذه الجرأة؟ وهل تنحو تونس هذا النحو؟ وهل نستقبل انتخابات تدفع بنا الى هذا الاتجاه؟ وهل يولد المولود التونسي على الفطرة- فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ ام يولد شيوعيا, او مسيحيا, او يهوديا؟