بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسألة الثقافية :بين الموجود.. والمنشود
نشر في الحوار نت يوم 13 - 06 - 2011


صالح نوير/
نتناول في هذا العَرض جملة من الآراء والاستيضاحات نذكر منها على سبيل المثال :
هل من فواصل أو تواصل بين مدلول الفكر ومدلول الثقافة ؟
ما هي مساحة الثقافة المضادة الشائعة حاليا وحجم حملات التّشويه و التّغريب؟
ما هي أهمية البناء الثّقافي في هذه المرحلة وأين يُمكن إدراجها في ترتيب الأوْلوِيات ؟
هل بالإمكان تقييمُ قدراتنا المرحلية ومدى سبل تطويرها ؟
هل من نظرة استشرافية على الخارطة الثقافية الجهوية منها والقُطرية وسبُل المساهمة العاجلة والآجلة في التأثير في نسيجها شكلا ومضمونا؟
1 تعريفات تتعلق بالفكر وبالثقافة:
يرى البعض أن الثقافة هي القدرة على الحركة في نطاق الواقع..
وهي التفاعل مع الظواهر الفكرية ومع كل متطلبات العقل والجسد والوجدان .
أما الفكر فهو نتاج المجهود الذهني والعقلي المتعلق بالمحيط وبالواقع بكل دقائقه وبالكون.. بفهم الماضي باستشراف المستقبل بالوعي بالوجود، الوجود الكوني والوجود الذاتي ..
وهنا تأتي مقولةُ ديكارت ويُطلق عليها الكوجيطو الشهير : أنا أفكر ( وبالتفكير نعطي معنى لأنفسنا وللوجود ) فأنا موجود..
والفكر هو وضْع الحروف على نقاط الكون المبهمة ، وهو وضع النقاط على جزئيات حياتنا المبعثرة أو المشوّشة لننظّمها سواء على مستوى فردي أو جماعي .
الفكر هو التنظير التأطير والتقييم للذات وللموضوع ..خمسة عشر قرنا من التاريخ الإسلامي أطّرها الفكر ، فكرٌ حرره الوحي من الأسطورة والميميتولوجيا والخرافات الشائعة وفعّل في المقابل العقل والوعي عن طريق السمع والبصر والكلام ..
إذًا هذا الفكر انطلق من معطى أو نواةٍ اسمها الرّسالة أو الوحي. هذه النواة أصبحت بمثابة محور يدور حوله الفعل والتفاعل في المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ..
وليست المذاهب والملل والنحل ألا أنماطا متلونة من الفكر : فالشيعة والسنة والمعتزلة والمذاهب الصوفية بأطيافها والخوارج وكل المذاهب النقلية والعقلية تمثل أنماطا متباينة من الفكر الإسلامي وربما تتوالد الواحدة عن الأخرى وتتطوّر في اتجاهات مختلفة تطورا جدليا وتتفاعل سلبا وإيجابا.
هذا الفكر الدائب النشط يصنع التاريخ، يُلوّنه ، يُشكّل دقائقه ومنعطفاتِه. وبالتحاليل الفكرية وبالاستنتاجات يتجدد نمط الحياة ويترسّخ نمط المجتمع بحلاله وحرامه وممنوعاته ومستحباته بل إن الأطُر الفكرية هي التي تُرسي قواعد المجتمع وتُضفي عليها لونَها السياسي والاجتماعي والثقافي..
كلنا نذكر الفكر التنويري الذي برز في القرن الثامن عشر والذي كان من أكبر فلاسفته : روسّو، فولتار، رامبران، مونتسكيو..
هؤلاء أسّسوا لتيار تنويري أضفى على المجتمع الأوربي عبر تاريخه المعاصر نمطا متميزا في حياته على كل مستوياتها العقائدية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية..
الفكر هو الهندسة التي تخطط وتضبط شكل العمارة ، مفاصلها قواعدها عمقها ارتفاعها أبعادها..
ثم بعد ذلك يأتي دور الثقافة التي تلوّن وتزيّن وتنمّق وتُسبغ عليها ما أمكن من الجمالية وحسن الرونق والإخراج ..هكذا يدخل في معاني الثقافة عنصر الذوق والإحساس والعاطفة..
على الرغم من أن هناك نظرية معاكسة تعتبر الثقافة أوسع من الفكر وأشمل ، بل تعتبر الفكر جزء منها لكونه وليد الثقافة السائدة في كل مجتمع ..
وهذا التداخل لا يمكن الفصل فيه بطرق علمية مضبوطة في هذا العرْض الوجيز..
لنعود إلى بعض التعريفات المتعلقة ب "الثقافة " ويعسر حصرها لكن نخص بالذكر أشهرها :
الثقافة هي الجمع بين أنماط التفكير والتدبير أي :
كيف نفكر ؟
كيف نعبر ؟
بالريشة بالقلم بالرسوم بالإشارات بالصوت بالصورة بالإيماءة بالدمعة بالابتسامة..؟
كيف ندبّر أو نصرّف أمورَنا في محيطنا بكل أبعاده..وهنا ينجلي وجه ثقافتنا من خلال ردود أفعالنا أو من خلال أشكال العلاقة التي تربطنا بهذا المحيط..كيف نأكل ، كيف نشرب كيف ننام كيف نعمل كيف نتعامل كيف نتألّم كيف نفرح كيف نرضى كيف نحتجّ كيف نتصرف إزاء المقدسات والمحرمات والممنوعات كيف نتصرف إزاء الظلم إزاء الاعتداء إزاء الحرية إزاء النفوذ ..أمّا لغتنا فهي الوعاء الذي يحتوي ثقافتنا، هي أصناف التعابير كأشكال أساسية مجسدة لكل الثقافات.
والمقصود باللغة هنا لغة الحروف الأبجدية واللغة باللوحة الزيتية واللغة بالقصيدة الشعرية وبالمقاطع الموسيقية واللغة بالصمت أو بالصراخ أو بالضحك أو بالبكاء..
لذلك نلاحظ أن المعاني المرتبطة ب" الثقافة " تأخذ شيئا فشيئا في التعقيد كلما أوغلنا في أعماقها أو تعمقنا في كشف أغوارها..
2 "الثقافة": تلويات ومصادر
للثقافة عدة مصادر بعضها مكتسب وبعضها موروث..ونخص بالذكر منها في هذا العرض :
الأسرة ثم المجتمع بما فيه المدرسة والحي وسائر التجمّعات كدُور الثقافة والملاهي والمقاهي والملاعب والمحا ضن وأماكن الترفيه والجامعات والقنوات المسموعة والمرئية ووسائل الإعلام بطميمها..
كل هذه المؤسسات الراسخة في مجتمعاتنا تحمل في حد ذاتها نمطا من أنماط الثقافة وترسي بدورها في شخصيتنا أنماطا ثقافية نتأثّر بها سلبا وإيجابا بدرجات مختلفة..
وهنا نخلص إلى أن الثقافة هي ما يقع تلقينه للإنسان كفرد أو كمجموعة وذلك منذ ولادته:
من عادات وتقاليد..
من مفاهيم وتصورات حول المحيط الضيق وحول الكون والوجود
كما نخلص إلى أن الثقافة في جلها عنصر مكتسب تقبل به طبائعُنا وتمارسه..وقد لا نختلف إذا قلنا إن هناك ثقافات متباينة طبَعت تاريخَ البشرية نخص بالذكر منها :
أ ثقافة الجاهلية:
لها مقدساتها وفهمها للكون وللوجود وللموت وللحياة :وهذا طرفة ابن العبد يؤكد أنه لا معنى لحياته لولا ثلاثة غايات:
إن كنتَ لا تستطيعُ دفْع مَنِيَتي فَدَعْني أبادرُها بما ملكتْ يدي
ولولا ثلاثٍ هنّ مِن لَذّةِ الفتَى وجدِّك لم أحفلْ متى قام عُوّدي:
فمنهُن سبكُ العاذلاتِ بشربةٍ كُمَيْتٍ، متى ما تُعَلّ بالماء تُزبَد
وتقصيرُ يومِ الدجن والدّجنُ مُعجِب ببهْكنةٍ تحت الخِباء المعمّد
وكرّي إذا نادى المِضافُ محنّبا كسِيد الغضا نبّهته المتورّدِ
وتتلخص هذه الغايات بالنسبة إليه في الخمر ثم النساء ثم إكرام الضيف.
وهذا عنترة ابن شداد يعبّر عن وجهٍ آخر من وجوه الثقافة السائدة ثقافة الكيل بمكيالين:
حكّم سيوفك رقابَ العذّل وإذا نزلت بدار ذل فارحلِ
وإذا بُليتَ بظالم، فكن ظالما وإذا لَقيتَ ذوي الجهالة.. فاجْهلِ
ب الثقافة المادية الإغريقية التجسيدية ومنها يستلهم الغرب فكره وركائز حضارته ..
ج الثقافة الاستعمارية وهي التي عمد الاستعمار إلى إرسائها لدى الناشئة : من خوف وخنوع ويأس واستكانة وطمع ووشاية وهي ثقافة مرتبطة بشبكة الاستبداد بشتى تلويناته وضروبه..
د الثقافة الإسلامية:
وما تنطوي عليه من قِيَم ومعان جديدة ومتجددة أخذت موقعها في مجتمعاتنا منذ خمسة عشر قرنا وترسخت وتأصلت في عالمنا الذي قاوم بشدة سائر الثقافات الأخرى واعتبرها دخيلة وغازية ..
ومن خصوصيات الثقافة الإسلامية أنها وحّدت المسلمين حول عدة محاور :
وحدت المثل والمقدسات.
وحدت المفاهيم والقيم.
وحدت التصورات الغيبية.
وحدت اللغة والعادات والتقاليد.
ومن أسرار القوة الكامنة في هذه الثقافة الإسلامية أنها انطلقت من نصّ رسالي سماوي هادف يُمحور الأمة حول جملة من المفاهيم منها :
مفهوم الاعتصام، مفهوم الإيثار ، الصدق الوفاء العطاء البذل الأمر بالمعروف إصلاح ذات البين التواصي التضحية الشهادة وأرفد ذلك بحوافز تدفع نحو الإنجاز وهي بمثابة آليات الدفع : الجنة، النار الخوف، الرجاء، الجزاء، العقاب والعذاب ...
هذا النمط الإسلامي عرفناه راسخا في أغوار المجتمع عبر التاريخ متجددا ومتنوعا: تفكيرا وتدبيرا وسلوكا..:
وكان الازدهار المعرفي والثقافي،
وكان الازدهار الاجتماعي والاقتصادي،
ازدهار بلغ ذروته إلى حدود القرن الرابع الهجري حيث بدأت الثقافة المضادة تفعل فعلها وتتضافر جهودها لتنال من الإسلام بهدف إضعاف المسلمين..
3 عناصر الثقافة المضادة :
قوة الإسلام الضاربة بانتشارها وغَوْصها في عمق الضمير الاجتماعي يقابلها تيارات استئصاليه مضادة منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس ، من مسيلمة الكذاب إلى الحملات الصليبية الغازية إلى هجمات التّتار إلى الغزو الاستعماري الأوروبي المقيت ..حملات تحمل في طياتها مفردات التشكيك الممنهج والقضاء على العنصر الإيماني الذي نستمد منه القوة والبطولات وأصناف الصمود..حملات من التشكيك عبر الفكر الاستشراقي من "سيلفيستر دي ساسّي" إلى "ماسينيون" إلى "بلاشير"الذي ترجم القرآن على شاكلته وتتلمذ عليه طه حسين المفكر والأديب....
هذا الفكر اللاديني أو العلماني أو الصليبي في بعض الأحيان كوّن في عالمنا العربي مدرسة فكرية لها أقطابها ورموزها وأسند لخرّيجي هذه المدرسة مواقع النفوذ والسلطة بحيث لم يعد هنالك صوت غير صوتِها ولا سلطة غير سلطتها ولا ثقافة خير ثقافتها ..فمضت تفعل فعلها منطلقة من حملات التشكيك وزرع الإرهاب العلماني بالتوجه رأسا لضرب هوية الأمة ومكوناتها ..بطرق كيدية ، بالدسّ وبالتمرير لأطروحات تشكك في الرسالة و الشريعة والوحي والتلويح بالتحلّل من الأحكام الشرعية ثم التحلل من الإسلام أصلا بحجج مزيفة اسمها استعمال العقل وحاشى للعقل أن يتنافى مع الشريعة ..
ويستمر الطعن في الثقافة الإسلامية بما في ذلك تراثها المقدس طعن يمزج عمدا بين ما هو إلهي وما هو بشري المصدر ..وفي كل ذلك مقدمة لضرب الإسلام برمته تراثا وثقافة بذريعة الماضوية الفكرية. وهكذا إذا ألقيَ بتاريخ أمة وبثقافتِها في سلة المهملات فليس ذلك إلا وأدا لهذه الأمة وتكريسا لإبادتها..
أ اللغة :
وكما هو معلوم لا وجود لثقافة بدون لغة حاملة لتك الثقافة .
واستهداف اللغة العربية يتمثل في تعميم "الدارجة" أو اللهجات المحلية كالأمازيغية والقبائلية ولهجات الجنوب التونسي وشماله وسواحله..كثيرة هي التيارات التي تتبنى هذه اللهجات وتقنّن لنحوها وتصريفها وبلاغتها وتنادي بالاعتراف بها ..وعلى سبيل المثال فإن "دافيد كوهين" وهو يهودي تونسي فرنسي الجنسية وأحد الأساتذة البارزين في جامعة السوربون عمل على تكوين مدرسة لغوية تؤِسس "للدارجة والعامية التونسية" وذلك في أطروحة مُفصّلة يدرَّس جانبٌ منها في قسم "الألسنية" التابع للدراسات الشرقية ..ولا يزال يلقَى أنصارا في بعض الأوساط النافذة..
وبتشجيع اللهجات تتأجج الحركات الانفصالية والعرقية بما يؤول إلى تفتيت الأمة وتلاشيها..
ب الأسرة :
لها وظيفتها كخلية من خلايا النسيج الاجتماعي والثقافي تُستهدَف بدورها ويقع السعي إلى تفتيتها وذلك بالنسْج على المنوال الأوروبي وتكبيل المرأة بجملة من الوظائف التي قد لا تتناسب مع قدراتها وإمكانياتها وبِنيتها الفيزيولوجية ..وظائف قد تثنيها أيضا عن مهمة التربية والتكوين والاحتضان للأجيال الناشئة بما قد ينجر عن ذلك من خلل وربما شلل في الخصوبة والنمو وفي الحركة والتطور..ولتوكل هذه المهمة إلى دور الحضانة هذه المؤسسة التي لا تخلو في هيكلتها وفي مضامينها من ضرب للترابط الأسري ومن مساس بالترابط الاجتماعي..
فضلا عن تشجيع العزوبة المستديمة وغض الطرف عن العنوسة المستشرية وإباحة التعددية السرية واللامشروعة وتقنين الدعارة وتشجيع الاختلاط الخليع والمشبوه إلى حد الإباحة وتطبيع العلاقة مع المشاهد السافرة والمثيرة في جل الفضائيات وما تتبرّزُه من إسهال في المسلسلات المحلية والعالمية بهدف تعميم نمطٍ جديد من فك الترابط الأسري وتعميق القطيعة بين الأجيال..
ج المؤسسة التعليمية :
لم تنج هي الأخرى من المسخ انطلاقا من إزالة مِؤسسة الكتاتيب عن بكرة أبيها على الرغم من ثبوت جدواها على كل المستويات، فضلا عن محافظتها على عماد الأمة المحوري : ألا وهو القرآن ..حصل ذلك بالتدرج وبخطط جهنمية عمدت إلى تهميش هذه المؤسسية ثم إبادتها بدم بارد بعد حرمانها من فُرص التطور والتجديد والرّسكلة والدعم المادي والمعنوي وهكذا تشيَّد على أنقاضها بدائلُ تعليمية على نمط غربي صرف بأشكال ومضامين هجينة بما يفضي إلى الذوبان ولا يدع مجالا لأي لون من ألوان التمايز أو الإضافة أو التلوين أو الاستقلالية..
وعلى نفس المنوال ضُربت مؤسسة الزيتونة بعد عزلها تدريجيا عن العلوم المعاصرة وبعد تجويع أساتذتها ومربّيها ومحاصرتهم اجتماعيا وماديا بطوق من التشويه والتنْفير والازدراء..هكذا يفتح المجال على مصراعيه لمؤسسات ضِرار تتنكّر للهوية الإسلامية وتنضوي سلبا تحت لواء الانتماء لثقافة غربية يلوّنها ويكتنفها مزج مشبوه أو متعمَّد يربط ربْطا عضويا بين الحداثي ولانسلاخي،ويخلط بين الترابط الحضاري الأممي من ناحية وبين الاحتواء الاستعماري بكل أصابعه الأخطبوطية من ناحية أخرى..
وها نحن نرى اليوم بعد أجيال متعاقبة ثمرةَ هذا الاختيار المُسقَط والمتسلِّط وما أفضى إليه من نتائج كارثية أسفرت عن مؤسسات متعاقبة اعتنقت جميعها وتعتنق ثقافة الفساد والاستبداد مستعينة بالمال وبالنفوذ وبالدعم السافر والمقنّع ..لا غرابة إذًا أن يحصل كل ذلك بعد ضرب "المناعة الثقافية" الموروثة والمكتسبة من ناحية، وبعد عمليات السلب والنهب الثقافي وبعد تعميم التصحر في أرض عُرفت بخصوبتها على مرّ التاريخ من ناحية أخرى، ,في تلك اللحظات التاريخية تحصل عمليات متكررة من "الإنزال" الواسع بمظلات التبعية ولإلحاق لتطوِّق مؤسساتِنا المعرفية والذهنية والمعنوية والمادية وتكبلها بدرجات متساوية.
د ما العمل؟
في هذا الواقع المرير يُطرح السؤال ما العمل ؟
هل من فعل ثقافي مؤثر في نهضة الأمة محقق لتنميتها ؟
هل يمكن إعادة بناء المشروع الثقافي على أسس الهوية ؟
هذا يستدعي جهدا يدخل في نطاق الاستراتيجيات. لكن ذلك لا يمنعنا من أن نتساءل أيضا :
في خضم هذا الحراك السائد والمتنوع والذي يستقي حيويته من حياض الثورة وجداولها سواء في تونس أو في العالم العربي..هل بالإمكان أن نستقلّ الرتل وهو يسير ونعمل على تقويم مساره، أم نسعى لإيجاد مرحلة جديدة هي مرحلة التأسيس الثقافي ؟
هل يستدعي هذا وقبل كل شيء تقييما للواقع الثقافي محلّيا وقُطْريا بما يمكّن من تحديد موقفنا بمقياس الهوية العربية الإسلامية..؟
ما هو تقييمنا لمستوى لإبداعات الفنية السائدة من موسيقى ورسم وإنشاد ومسرح وأدب...
ماذا يمكن أن نضيف أو ربما نتساءل كيف يمكننا أن نشارك؟ وهل نمتلك المضامين ؟
هل إن وجودنا على الميدان بكل أشكاله وجود مزيف إذا لم يكن لنا موقع قدم راسخة على الساحة
الثقافية ؟
هل بالإمكان أن نرفع شعارا عنوانه :
كل تواجد على غير الساحة الثقافية هو تواجد وهمي ومزيف؟
كل ذلك يستدعي إمعان النظر وتعميق الرؤى وتضافر التجربة والجهود..

* * * *
وللحقيقة فإن الحركة الإسلامية في تونس إلى حدود التسعينات كان من أهم مراكز اهتماماتها مسألتان :
القضية الفلسطينية.
المسألة الثقافية.
وتمكنت بتوفيق من الله وبفضل مواهب أبنائها من رسم الكثير من الإضافات في مختلف الاختصاصات والإبداعات.
وفي انتظار مرحلة الاستشراف يطرح السؤال دائما:
ماذا يمكن أن ننجز حاليا ؟
هل من تقييم عاجل وإحصاء دقيق لقدراتنا ؟
أليس من البديهي ولوجُ الفضاءات الثقافية بأصولها وفروعها واستيعاب خلفياتها ودوافعها ومتابعتها ومواكبة أنشطتها مع المداومة والاستمرار؟
أليس من الضروري بعث أطر ثقافية تتمتع باستقلالية عن المؤسسة السياسة مهمتها البناء التأطير والمتابعة ؟
هل من الضرورة تأسيس جمعيات ثقافية تكون الإطار المادي والمعنوي الأمثل للقيام بجملة من الأنشطة على نحو متدرج ومتطور ؟
هل تكون البداية بالبحث عن القدرات وكشف الاستعدادات وحثّ الهمم ..؟
إمكانيات وفرضيات تنتظر الانجاز والمبادرة العاجلة بعد الاتكال على الله..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.