حدثتنا جدتي قالت: كان ذلك ذات عصر، كان الجو غائما باردا ، ينذر بعاصفة هوجاء. عاد البحارة على غير عادة ، لن يخرجوا الى البحر هذه الليلة ، فلقد ضلت مراكبهم في الميناء تتقاطفها الامواج العاتية . خرج السلطان الى المدينة متنكرا حافي القدمين . سار في أزقتها المتعرجة الضيقة . داهم الضلام المدينة ، مصابيحها معطلة هذه الليلة عدا البعض منها. تجمدت قدماه من الصقيع . لن يخرج أحد الليلة فدفئ البيوت يجذب النفوس . لم يعترض السلطان أحد غير القطط و الكلاب السائبة ، كانت تتوجس منه خيفة فلا تسمع غير عوائها و هي تقفز بين الانهج و السطوح . تسرب البرد الى عظام السلطان و لكنه ظل يتقدم غير آبه بشدة الريح و برودتها ، جالت بخاطره أسئلة كثيرة و لكنه لم يجد لها جوابا . تذكر أن في القصر آرائك و أسرة وثيرة و موائد منضودة و عسل و شراب و صخب و رقص . أحس ببعض دفئ لم يعرفه البتة ، يلتفت خلفه و اذا به شيخ شارف الثمانين من عمره فيساله : ماذا تفعل في هذا الجو البارد ؟ تفضل أدخل فأنت ضيفي الليلة . لا ترفض له طلبا !! فأنت لم تعرف هذا الدفئ طيلة حياتك ، تبسم السلطان و دخل بيت العجوز لقد كان متواضعا بعض أمتعة بالية و سراجا وهاج في سقف البيت . دعا العجوز ضيفه الى العشاء، لقد كان ثريدا بالمرق وزيت زيتون لم يخفي العجوز أسفه عن العشاء الذي لايملك غيره ، ولكن السلطان تلذذ و طلب المزيد منه . تسرب الدفئ الى عظام السلطان ، تجاذب أطراف الحديث طويلا حتى ساعة متأخرة من الليل ، دعا العجوز الضيف ليبيت في فراشه المتواضع ، أطفئ السراج ، و دعا كل منهما بنوم هنيئ . لم يغمض للسلطان جفن، عيناه سافرتا الى القصر وتذكر أن في المدينة أناس يبحثون و لايملكون من الدنيا غير راحة البال و لقمة من الثريد . اعتصر قلبه على تلك الايام التي عاشها في القصر . تسلل فجرا ، و ترك العجوز يغط في نومه .سار في المدينة حثيث الخطى . العاصفة لا تزال على أشدها و لكن الى أين سيذهب ؟ اتجه صوب الميناء و ركب البحر ... لطفي بنصر تونس