نجح رئيس مجلس امناء هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" كريس باتن في اقناع وزارة الخارجية البريطانية بالحفاظ على "قوة بريطانيا الناعمة" عبر الاستمرار في دعم الذراع الدولي للشبكة "بي بي سي وورد نيوز" وخصوصاً الخدمة العربية الاذاعية والتلفزيونية. وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إن بريطانيا تخلت عن خطط لخفض حجم الاستثمارات في الخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" في ظل انتفاضات "الربيع العربي" في عدد من الدول. وجاء تصريح هيغ بعد أيام من وعد رئيس مجلس امناء هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" جمهورها التواق الى أعلى قيم المسؤولية في الاخبار باقناع الحكومة البريطانية عدم التخلي عن الذراع الدولي للشبكة "بي بي سي وورد نيوز". وقال كريس باتن انه سيعمل على اقناع وزارة الخارجية البريطانية باستمرار دعم الخدمة العالمية في الشبكة، والحيلولة دون تحويلها الى قناة تجارية تمول نشاطها من الاعلانات. وعد اللورد باتن الذي كان حاكماً لهونغ كونغ الخدمة العالمية ل "بي بي سي" جزءا مهما من قوة بريطانيا الناعمة حسب تعبير وزير الخارجية ويليام هيغ. وعبر عن فخره بالخدمة العالمية لهيئة الاذاعة البريطانية، مؤكداً على أهمية حمايتها من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وقال هيغ "علينا فعلا البحث في السبل التي يمكن ان نساعد بها الخدمة العربية لبي.بي.سي لمواصلة عملها القيم في المنطقة". واضاف "لذلك وافقت على أننا سنقدم تمويلا إضافيا يبلغ 2.2 مليون استرليني (3.5 مليون دولار) سنويا لتمكين الخدمة العالمية من الإبقاء على المستوى الحالي للاستثمار في الخدمة العربية لبي.بي.سي". وقالت وزارة الخارجية إنها بدأت إجراءات تأديبية ضد أحد العاملين بعد أن ظهر عنوان "تغيير بواقع 180 درجة في تمويل الخدمة العالمية لبي.بي.سي" في موقعها على الانترنت ذاكرا تفاصيل التغيير. وذكرت وزارة الخارجية في بيان "ظهر مقال على الانترنت بعنوان غير صحيح وغير ملائم على موقع وزارة الخارجية لمدة عشر دقائق هذا الصباح". واضاف البيان "هذا العنوان لا يمثل قطعا آراء وزارة الخارجية. تم تصحيح هذا الخطأ الآن وبدأت إجراءات تأديبية". وكان كريس باتن قد قال في مقابلة مع صحيفة "صنداي تلغراف" "اذا اردت ان تعرف كم هي جيدة ومهمة (بي بي سي)، اذهب الى اي مكان اخر". وقررت وزارة الخارجية البريطانية وقف تمويل الخدمة العالمية بحلول عام 2014، على ان تمول بعد ذلك من اموال رخصة التلفزيون التي يدفعها المواطنون في بريطانيا. يذكر ان هيئة الاذاعة البريطانية ممولة بالكامل من الضرائب التي تجنى من البريطانيين سنوياً، لذلك لا تسمح ببث اي اعلان تجاري احتراما الى رغبة مموليها. وتعالت اصوات حكومية في الفترة الاخيرة تدعو الى بيع قناة "بي بي سي وورد نيوز" الاخبارية التي تهتم بالشأن العالمي للمساعدة في توفير تكلفة صناعة برامج بمحتوى متميز. وتعارض نقابة الصحفيين البريطانية "ان يوجي" مبدأ البيع وتحويلها الى قناة تجارية احتراماً لذائقة الممول "الشعب البريطاني". وسبق وان وصف المدير العام لهيئة الاذاعة البريطانية مارك تومسون قواعد الحياد على شاشات التلفزيون بانها اضحت قديمة ولا مكان لها اليوم في مجتمع الفضاء الالكتروني والاعلامي المفتوح على الانترنيت. وطالب تومسون قنوات "بي بي سي" التخلص من قواعد الحياد التلفزيونية القديمة ومنافسة "فوكس نيوز" في استقطاب المشاهد في عصر الانترنت. وأكد تومسون خلال مشاركته في ندوة اعلامية في المبنى الحكومي "وايتهول" في العاصمة البريطانية لندن، على ان الانترنت يهدد بانهيار التلفزيون ان لم يتكيف مع المستقبل، وانه لم يعد من المنطقي لخدمات "بي بي سي" و"القناة الرابعة" في التلفزيون البريطاني احتكار المنافسة وسط البدائل الهائلة للمشاهد على الانترنيت. وأضاف "كان المنطق قائماً في الحياد الاخباري عند احتكار البث الفضائي من قبل عدد محدود من القنوات، لكن في المستقبل ومع توفر مجموعة واسعة من الخيارات، سيكون بامكان الجمهور تحديد ما يود رؤيته أو سماعه". لكن تومسون الذي واجه مداخلة من رئيس المحررين في "بي بي سي" نيك روبنسون الذي ترأس المناقشة وقال ان الهيئة لم تعد تدافع عن الصحفيين كما ينبغي، أكد ان جميع الخدمات الاخبارية في قنوات هيئة الاذاعة البريطانية ستبقى محايدة، مطالباً في الوقت نفسه السماح لوجهات النظر التي توصف ب"المتطرفة" بالبث ضمن قواعد الحياد القائمة حالياً. ويعد نيك روبنسون كبير محرري هيئة الاذاعة البريطانية ومراسلها المتفرغ من مبنى الحكومة في "10 داونغ ستريت" ورافق اغلب رؤساء الحكومات البريطانية في سفراتهم خلال السنوات الاخيرة. واعترف تومسون بضعف هيئة الاذاعة البريطانية على مر تاريخها في معالجة موضوع الهجرة الى اوروبا، لكنها اجبرت خلال الانتخابات الاخيرة على تناول الموضوع وتداعياته على المجتمع البريطاني خلال الانتخابات الاخيرة بأكثر مما كان متوقعاً منها. واشار الى تفوق "فوكس نيوز" على شبكة "سي ان ان" في صناعة خطابها الاعلامي بالولايات المتحدة واستقطاب الجمهور، من دون ان يطالب بتكرار تجربة التنافس نفسها في بريطانيا. ويرى ان وجود طائفة واسعة من القنوات التلفزيونية في بريطانيا سيعزز الواقع وسيدفع هيئة الاذاعة البريطانية والقناة الرابعة الى الرقي بخطابها الاعلامي النزيه للمحافظة على جمهورها. وأكد مارك تومسون في ختام محاضرته على ان قيم الاخبار في هيئة الاذاعة البريطانية ونزاهتها ستنمو وستبقى على الحياد، الا انه شكك بالبقاء على احتكار الاخبار في المستقبل مع توفر البدائل في فضاء الاعلام الالكتروني. وطالب كيلفن ماكينزي المحرر السابق في صحيفة "صن" الشعبية هيئة الاذاعة البريطانية بالسماح بنقاش أوسع حول تداعيات الهجرة الى اوروبا او انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وقال في مداخلته انه بحث مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مؤخرا فكرة اطلاق "اذاعة مجانية" تسمح لجميع المستمعين المشاركة فيها عبر ابداء آرائهم بحرية ومناقشة اوضاع البلاد، الا ان كاميرن أبدى حذره من انشاء المؤسسات ومخاطرها، معبراً في الوقت نفسه عن قيمة الفكرة المثيرة للاهتمام في الاذاعة وعدم صلاحيتها للتلفزيون. وتثير مطالب مدير أعرق مؤسسة اعلامية في العالم حول حيادية البث الاخباري، ان كرة العولمة التي تعني توحيد وجهات النظر نحو فكرة كبرى "غربية على الاغلب" لم يعد لها وجود بسبب العولمة نفسها التي لم توفر التقنية التي تسمح بذلك فحسب، ولكن سهلت من اجراء المقارنات وزرع الشك فيما يقوله الآخر الساعي للسيادة. ويجب عن الاعلام المعاصر ان ينزع فكرة الصحافة الصفراء لأن عالم الاعلام اليوم ملون جداً واللون الاصفر هو احد اطيافه "المقبولة". ويشهد العالم العربي استقطابات دينية وطائفية وعرقية عليه ان لا يخجل منها بل أن يقبلها لانها اولا جزء من حراك عالمي أصاب الدول المتقدمة مثلما يهز مرتكزات الدول النامية. ولن يكون الاستقطاب عودة الى الوراء، بقدر ما هو ملمح لتوفر الادوات التقنية والثقافية للتعبير عن الاختلاف. وتنعكس التغيرات المجتمعية اولا على الاعلام الذي ينبغي ان يتخلى عن الحيادية ليعكس واقعا حقيقياً وليس مفترضاً او مثالياً. ولم يعد لفكرة لجنة الحياد او لجنة ما ينشر او يعرض او يقال او لجنة القيم المجتمعية مكاناً لها اليوم لأن أي فرد بامكانه ان يقول، من خلال منبره الالكتروني المتواضع سواء الشخصي او عبر مواقع التواصل الاجتماعي "من انتم لتحكموا وتقرروا ما هو مقبول وما هو غير مقبول". وكان مارك تومسون قد قال إن المفاوضات التي ستجري في العام القادم بخصوص الاشتراكات السنوية التي يدفعها المشاهدون مقابل الحصول على ترخيص بالمشاهدة، ستكون "لحظة واقعية" بالنسبة للمؤسسة العملاقة. واضاف أن أي خفض للتمويل سيؤدي إلى الإضرار الدائم بقدرة بريطانيا على إنتاج برامج تليفزيونية. ولفت النظر خلال الخطاب الذي ألقاه في إدنبره مؤخرا، إلى ضرورة أن تستثمر شبكة "سكاي" التليفزيونية، مزيدا من الأموال في التليفزيون على الصعيد المحلي، لأن هذا سيكون "أمرا جيدا بالنسبة للجمهور العام". إلا أن شبكة سكاي قالت إنه يتعين على "بي بي سي" بدلا من ذلك أن تعالج المشاكل التي تتعلق ب "حجمها وتكاليفها وطريقة إدارتها". وكان جيمس مردوخ مالك شبكة سكاي قد صرح في العام الماضي بأن "بي بي سي" تمثل تهديدا. وقال مردوخ إن حجم طموح "بي بي سي" "مخيف" وحمل بشدة على اعتمادها على ما تحصل عليه من "دخل مضمون ومتزايد". ورد تومسون على هذه الانتقادات في كلمته قائلا إن شبكة سكاي كانت في طريقها إلى أن تصبح "القوة المهيمنة في معظم وسائل البث في هذا البلد". إلا أنه اضاف أن الشبكة لا تستثمر بدرجة كافية في الإنتاج التليفزيوني ذي الطابع البريطاني، ويتعين عليها أن تستثمر أكثر في هذا المجال.