أخذت حكومة السبسي المؤقتة و قرينته الهيئة العليا اللقيطة بما فيه الكفاية من الوقت و الحيل و الوعود الكاذبة في ترويض التونسيين و إخماد نار ثورتهم ليسهل عليهم فيما بعد تمرير سياستهم القديمة الجديدة و تثبيت منهجهم الخبيث في علمنة الدولة و تهميش الأمة و توجيهها نحو متاع الدنيا الزائل و شهوات النفس الضعيفة و إتباع الهوى عبر الثقافة المائعة و الاهتمامات السخيفة و الأهداف التافهة التي لا ترتقي بها إلى المثل العليا إنما تهبط بها إلى وحل الطين و سراب الأحلام حتى يصبح لا هم للتونسي سوى بطنه و ما بين فخذيه كي يتساوى في رغباته مثل الحيوان و من ثم يصبح طريا سهلا مطاعا كالصلصال يعجنوه بأيديهم على الشكل الذي يريدون . و لكن غاب عن السبسي و حاشيته أن هذا الصلصال الطري كان في البدء يشبه الطين الأرضي يدوسه برجله من هب و دب منذ خمسين سنة مضت ، و لكن... بعد 14 جانفي نفخ الله فيه روحا فأصبح عصيا كالصخرة الجارحة تتقطع على أطرافها الأيادي الملوثة و الأصابع الخبيثة و تتهشم على سطحها رؤوس الكفر و رقاب الفاسدين . الشعب التونسي عزم أمره و شد حزامه و ضرب موعدا مع إعادة الإعتبار لثورته التي سرقت منه من طرف لصوص متربصين لا شأن لهم سوى اصطياد جهد الآخرين و اقتطاف ثمرة سنين زرع و حصاد المقاومين البواسل . اختار شباب الثورة الكرام يوم الجمعة كيوم الحسم وهو من أحب أيام الأسبوع لله و هو خير يوم طلعت فيه الشمس وهو بالتأكيد سيكون خير يوم تسقط فيه حكومة السبسي و هيئة بن عاشور ، و في الجمعة ساعة استجابة ، لذلك اختار شباب تونس المسلم ذلك اليوم إيمانا منه أن الله سيستجيب لسؤاله و سيعطيه مسألته و ليس للشباب المؤمن مطالب ذاتية ضيقة غير غيرته على دينه و غضبه لله و خروجه لنصرة فقراء البلد و طرد الفساد و أهله و تأمين حياة كريمة للعباد و محاسبة كل معتد و مرتد و خائن للأمانة و لا تتم كل هذه الأماني إلا بسقوط حكومة السبسي و الهيئة العليا و من حام حولهم . تشهد هذه الجمعة المباركة زحف مساجد العاصمة على بكرة أبيها بشيبها و شبابها ، بنسائها و رجالها في طوابير غاضبة لتصحيح مسار الثورة و إعادة الأمور الى مجراها الطبيعي لتلتقي في ميدان القصبة ...ميدان الرفض و العصيان و عدم الاستسلام لتصرخ بالفم الملآن و على صوت رجل واحد : " جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " و أيضا : لا عاش في تونس من خانها و لا عاش من ليس من جندها . ثمة إجماع وطني لا غبار عليه و واضح كوضوح الشمس عند الظهيرة ، مفاده ان مسألة إسقاط حكومة السبسي المتلكئة و ربيبتها هيئة بن عاشور أصبحت أمرا واقعا و مفروغا منه و لا رجعة فيه أبدا و أنه أصبح من المسلم به أن هذه الحكومة المخادعة تراهن على الزمن عبر حيل المراوغة و التلاعب كحيلة كسب الوقت لترميم أركان حكومتها المتصدعة و اختلاق الأعذار الوهمية لتطيل في عمرها حتى تصبح أمرا واقعا مفروضا على الشعب المنهك الذي أتعبه مخاض الثورة و ألام ولادتها من دون جني ثمارها و الفرحة بالنصر إلا أن السبسي و بن عاشور ما زالا أسرى العقلية الشمولية البائدة و أنهما لم يتطورا و لم يستفيدا من فارق الزمن و نهضة الجماهير العربية و كأني بهما يعيشان في غير زماننا و أن بينهما و بين الشعب التونسي فجوة كبيرة لا يقدر على سد فراغها سوى تواضعهما و إعادة قراءة مشاهد المرحلة الجديدة و العودة للفصول الأولى من مدرسة الحياة السياسية و يجتهدا في طلب العلم و التحصيل الدراسي بعدها لكل حادثة حديث و ننظر مدى استيعابهما للمواد التي يفترض تلقيها ، أما اليوم ما عليهما سوى حزم أمتعتهما و الرحيل و يحفظا ما بقي لهما من ماء الوجه قبل أن تدوسهما أرجل الغاضبين . اليوم ..استوفت كل الشروط لتشكيل حكومة إنقاذ وطني بديلة عن حكومة السبسي التي خذلت التونسيين و الشعوب العربية بعد تلاعبها بمكاسب الثورة و دم الشهداء فما كان جزاؤها سوى الرحيل و السماح لمن يستحق تولي إدارة البلاد لجيل يقدر قيمة الثورة و يحس بإحساس الناس و يألم لألام عائلات الشهداء و المفقودين و العاطلين و الجائعين و يجب أن يكون هذا الجيل مما ذاق ويلات سجون العهد البائد و ممن ذاق التشريد و الحرمان وممن أشعل نار الثورة و ممن كان له الفضل بعد الله في إسقاط حكومة المخلوع و أيضا ممن رفض مجاراة لصوص الثورة و رفضوا أن يكونوا شهود زور كالأحزاب السياسية التي انسحبت أخيرا من مستنقع الهيئة اللقيطة ، و بإذن الله بمثل هذا الفريق وليد الثورة يمكن أن نطمئن على مستقبل تونس و بمثل هذه الأيادي الأمينة التي لا تخلف وعدا و لا تخون مؤتمنا ستزدهر تونس و ترى نور الحرية و العدالة و الإيمان و كرامة الإنسان . فإذن القصبة موعدنا .