أصبح الوضع التونسي قاب قوسين أو أدنى من الانفجار سواء كان ذلك بتخطيط مسبق له أو بتدبير مدبر محنك ذو خبرة في تاريخ الثورات و الانحراف بها عن مسارها الطبيعي و ربما أيضا بفعل الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها الأحزاب السياسية مشتركة و لا نستثني أحدا هنا مهما حسنت نيته أو صدق مسعاه لأنه شريك في ما آلت اليه البلاد من تدهور و خطورة تنبئ بانفجار الموقف في أي وقت من الأوقات و ربما يرجع ذلك لضعف الأداء السياسي للساسة التونسيين و ذلك ليس استخفافا بهم أنما مرده لسنين القحط و الجفاف الفكري و السياسي الذي عاناه التونسيون على مختلف مشاربهم و ميولاتهم الأيديولوجية منذ خمسين سنة مضت حيث كانت الديكتاتورية و الولاء المطلق للزعيم التوجه العام للبلاد فضلا عن غياب التعددية الفكرية و المعارضة الوطنية الجادة الى أن أصبحت الخبرة السياسية و المرونة في التعاطي مع المواقف والأحداث و حسن الاستماع للآخر تكاد تكون غائبة ان لم نقل معدومة و أصبح التطرف الفكري و التعصب الحزبي و العقائدي سمة مشتركة بين ألوان الطيف السياسي التونسي اذ صار الكل مشترك في انهيار التعايش السلمي و انعدام التوافق و الالتقاء على نقطة واحدة يمكن أن تجتمع فيها كل الأطراف برغم اختلافاتهم المتعددة على جميع المستويات و النقطة الجامعة التي يمكن أن يلتف حولها الأحزاب هي أرض تونس الخصبة و الغنية بتاريخها و ثقافتها و تنوعها... انتهاء صلوحية المجلس التأسيسي المجلس التأسيسي هو أبو المصائب بدون منازع و هو الابن اللقيط للثورة التونسية فلا يعرف له أب و لا أم لأن الطريقة الذي جاء بها شاذة فلم يحترم فيها لا الأعراف و لا التقاليد ولا التوافق ولا المشورة و لا حتى الانتخاب الحر في اختيار أعضائه كأبسط قواعد اللعبة السياسية . انما تم تعيين أفراده بجرة قلم من طرف لصوص الثورة و غالبيتهم ينتمون لعشيرة واحدة ذات اللون الأحمر التي تحمل الفكر اليساري المتطرف الذي أصبح حتى في موطن ولادته شيئا من الماضي و غير مرغوب فيه على نطاق واسع الا أنه و من حسن حظه كان يلتقي مع النظام التونسي البائد في نقاط مشتركة كثيرة في السلوك و الفكر و الممارسة و خاصة في انسجامهما حول معاداتهما للدين الاسلامي و هوية الشعب مما جعله يحظى بموقع قدم على أرض تونس الخضراء و يتمكن من حياة أطول في ظل الفساد و برعاية العائلة المافيا و هذه الميزة المشتركة مكنته من البقاء على قيد الحياة رغم موته الاكلينيكي و نبذ الشارع له و رجمه بالحجارة حيث ما حل . خروج المجلس التأسيسي عن الدور المنوط به في تنظيم الانتخابات و الاشراف عنها الى اقتباس دور البرلمان و الناطق الرسمي باسم الثورة و تحديد السياسات العامة للجمهورية الحديثة و دس سمومه القاتلة في منابع العقيدة و الوطنية و الانتماء العربي و ذلك إثر محاولة تمرير مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني و مشروع الشذوذ الجنسي ثم أخيرا ليس آخرا الطعن في مقدسات الامة التي سيأتي الحديث عنها لاحقا و التلاعب بالوقت و المواعيد ربحا للزمن لتحقيق أجندته الخاصة و المشبوهة كل ذلك مشتركا دفع الأحزاب الجادة و القضاة و المحامين للانسحاب من المجلس بعدما تيقنوا من انحراف هذا الأخير عن المهام الموكلة إليه فأصبحت مقاعد مبنى المجلس خاوية من الحضور إلا من علي بابا و الأربعين حرامي . و عليه المجلس التأسيسي انهار و لم تصبح له قيمة وطنية و لا قانونية و لا صفة ثورية و لا وظيفة محددة .
العهد الجمهوري باطل الهيئة العليا جعلت من نفسها وصية على الشعب في حين تساءل القاصي و الداني عن صفة هذا المجلس و حقيقة تمثيله للشعب حتى عن الطريقة التي جاء بها فكيف إذا خول لنفسه أن يحدد مصير شعب بأكمله و هم أقلة قليلة لا تساوي الواحد بالمائة من مجموع سكان تونس فضلا عن انها تحمل افكارا غريبة و دخيلة عن المجتمع التونسي المسلم زد على ذلك مسألة الخوض في قضية العهد الجمهوري التي ليس من مهامها و لم يطلب منها أحد ذلك ، فكيف تجرأ و تستخف بالثورة و رجالها ، و لذلك نفهم لماذا انسحبت حركة النهضة و حزب المؤتمر و آخرون من المجلس ، أما إذا تحدثنا عن مضمون العهد فهو نسخة مكررة لسياسة النظام المخلوع و لم يأت بجديد و نتساءل هنا عن جدوى هذا العهد في نسخته المطابقة للأصل و جدوى الثورة و الشهداء الذين سقطوا و ما تزال أجسامهم الطاهرة في القبور كما هي و كأنها ماتت بالبارحة تنتظر حسن ختام مسار الثورة حتى تنام راضية مطمئنة ، ثم مسألة الفصل بين الاسلام و مشاغل الحياة و هي قاعدة مسيحية غربية لا تنطبق على المجتمعات المسلمة فتم إسقاطها على الثورة في حين عامل اضطهاد الإسلاميين و حبس الإسلام في المحراب و البيوت و القلوب هو الفاصل الأكبر في اسقاط الحكومة فتجيء الفئة اليسارية و تجدد عهدها في محاربة الاسلام دين ومعتقد العشرة مليون تونسي ليس هذا فحسب بل و بكل وقاحة تثبت الهيأة قوانين مجلة الأحوال شخصية و تعتبرها كمقدس لا يجوز التطاول عليه او تعديله في حين أنهم تجرؤوا بحقدهم على النيل من مقدسات الأمة و جرح مقام الرسول الكريم ، فسياسة المكيال بمكيالين لا تمر اليوم و رجال الحركة الإسلامية على قيد الحياة فما مجلة الأحوال الشخصية سوى جهد بشري قابل للنقاش و التعديل فضلا عن أن المجلة المذكورة تم صياغتها قبل خمسين سنة و بالتأكيد تطور المجتمع التونسي و أنجب جيلا غير الجيل الذي صاغ المجلة و بالتالي يجب أن يتطور القانون ليواكب التطور الاجتماعي و التغيير الفكري و الثقافي للتونسيين . فلكل هذه الأسباب السابقة الذكر نعتبر أن وثيقة العهد الجمهوري باطلة و غير ملزمة للشعب التونسي و لا تمثل إلا أصحابها .
حكومة الاستفزاز و إشعال نار الفتنة ما تشهده اليوم الساحة التونسية يذكرنا بعهد بورقيبة حينما سمح للإسلاميين بالنشاط العلني و تأجيج الصراع بينهم و بين اليسار و ذلك قصد ضرب التيار الشيوعي المهيمن آن ذاك على الساحة السياسية في أوساط الطلاب و النقابيين و إشعال نار الفتنة بين الحركة الإسلامية الصاعد نجمها و التيار الماركسي الخصم الشرس للنظام و ذلك يضرب بورقيبة عصفورين بحجر واحد و تفرغ له الساحة السياسية و يشعل النار بين المتحاربين و من ثم يلقي القبض على الجميع بتهمة الإخلال بالأمن العام و غيرها من التهم التي حفظناها عن ظهر قلب من عنف وإرهاب و اعتداء و التظاهر بدون ترخيص و حيازة أسلحة و القارئ الكريم يعرف بقية القائمة . نفس السيناريو يتكرر اليوم على يد نفس الرجل القديم الجديد فيسمح بتمويل فيلم سينمائي بقيمة 600 مليون دينار ليس للحديث عن الثورة و تضحيات شعبها إنما لخدش الحياء و النيل من مقدسات الأمة و يشعل نار الفتنة بين ابناء الوطن الواحد و يتدخل البوليس ليتم المهمة و يعتقل الشباب المتدين و يزج به في السجون . لا يتوقف الأمر لهذا الحد بل يتجاوز التطاول على المقدسات عبر الإعلام المرئي و المسموع و المقروء و الحكومة لا يحرك لها ساكن و يشعر الكل بتواطئها في دفع اليسار و تأجيج الصراع لإضعاف الثورة والمشهد السياسي و تصوير المعارضة على أنهم صبية لا يقدرون مصلحة الوطن و بدل العمل على تجاوز تركات المخلوع تتطاحن فيما بينها و تبحث عن موطن قدم لها في السلطة لتحقق مصالحها الحزبية وبهذا الشكل يتم تأليب المواطنين عليهم و حقد الشارع على المعارضة و السياسة و يقبل المواطن بالواقع المفروض عليه من قبل الحكومة الحالية الماكرة و يدس الشعب التونسي رأسه في التراب و يترحم على شهدائه الى الأبد .
ثورة المساجد و نصرة الإسلام
الخير في الشعب التونسي الى يوم الدين فبالرغم من سنين التغريب و ثقافة المسخ و الانحلال بقي التونسي وفيا لإسلامه و هويته و بفطرته النقية التي أسقطت اعتى ديكتاتورية بالمنطقة فخرج الشعب على بكرة أبيه من مساجد الجمهورية منددا بثقافة الالحاد و مستنكرا التهجم المنظم على مقدسات الامة من قبل فلول اليسار اللقيط الذي فاته قطار التطور و لم يستفد من التاريخ و لم يعرف كيف يتكيف مع التغيرات العالمية على غرار الحزب الشيوعي السوداني الذي فهم سياسية المرحلة و تأقلم مع ظرفه و ظرف مرحلة تدين الشعب السوداني و فهم حقيقة حجمه و الدور الذي يجب أن يلعبه في حدود و دون المساس بمقدسات الأمة ، و اليوم بالسودان كبار زعماء الحزب الشيوعي يؤدون صلاة الخمس جماعة بالمساجد و شلة منهم تابت و التحقت بصفوف الحركة الاسلامية بل أصبحت من قياداتها كالزعيم ياسين عمر الامام و ذلك إيمانا منها من ان الفكر الشيوعي لا يفي بحاجيات المجتمع المسلم و لا يصلح أن يسوس في ظل ثورات مشتعلة تنادي باسم الله و الاسلام و الوطن . السبسي الرابح الأكبر في ظل كل هذه التغيرات و المؤمرات و الدسائس استفاد رئيس وزراء الحكومة الحالية المؤقتة في إدارة و توجيه اطراف الصراع بالشكل الذي يرغب فيه و يوصله الى رجائه بعد إشعال فتيل الفتنة بين الإخوة الأعداء من الشعب التونسي و يدعم حكومته كل يوم بالشكل الذي يريده مرة بإدراج شخصيات لها علاقة وطيدة باسرائيل و مرة بتعيين مقربين من الرئيس المخلوع في حكومته المؤقتة هذا من جهة و من جهة اخرى يطير مرة إلى أوروبا يطلب قروضا مالية تحت شروط مجحفة دون أن نعرف حجمها و لا بنودها الحقيقية و مرة أخرى يطير الى الخليج يطلب هبات دون رجعة و ذلك كله لتقوية نظامه و الاستعداد لتمديد فترة حكمه لمدة أطول طبقا لأجندته الجاهزة للتنفيذ و الإخوة الأعداء من اليسار و الإسلاميين منشغلين بصراعاتهم الأيديولوجية و البوليس يتربص بهم ينتظر ساعة الصفر و القتلة و اللصوص يصولون و يجولون بشوارع تونس طليقين و الأموال المنهوبة لا نعرف لها أثر و لا نشم لها رائحة و دم الشهداء لم يجف بعد و أجسامهم الطاهرة ما تزال طرية تحت التربة .
خارطة طريق المرحلة القادمة المتابع للأحداث في تونس يدرك تمام الادراك أن التجمع الدستوري بقيادة الباجي قائد السبسي سينفرد بالكعكة و سيكون له نصيب الأسد فيها و هذا ما ذهب إليه بعض وجوه التجمع على صفحات الفاسبوك و مما زاد اعتقادي في عزم النظام السابق للعودة للساحة السياسية بقوة هو ما دار بيني و بين رئيس مركز شرطة بحي الزهروني بضواحي تونس العاصمة حيث تقطن عائلتي الكبيرة لما قصدت المركز لاستخراج وثائق رسمية للحصول على بطاقة تعريف قومية فدار سجال عنيف بيني و بين رئيس المركز فثار غضبا حينما أعلمته بأننا سنحكم البلاد و نغير قوانين الفساد فأقسم بالله أن لا نحكم ...حينها ادركت ان القرار قد آتخذ و المسألة مسألة وقت . ليس هذا فحسب فكل مجريات الأحداث اليومية توحي بما لا يدع مجالا للشك أن النظام البائد يستعد للعودة و أن ظل بن علي سيكون موجودا رغم أنف الأحزاب التائهة و أن السبسي يعرف ماذا يفعل فهو الرجل السياسي بحق في وسط كل هذا الكم الهائل من السياسيين و المفكرين التونسيين رغم كبر سنه و نفاقه السياسي و مغازلته للشعب على الطريقة البورقيبية ، و كمثال على دهائه كلما انسحبت حركة النهضة من المجلس التأسيسي ضرب لها الوزير موعدا و غازلها الى درجة العدول عن موقفها في حين أنه لا يستشير الحركة لما يمول فيلما فاحشا بقيمة 600 مليون دينار أو لما يعين وزيرا مشبوها في حكومته المؤقتة . القرار الأخير الذي اتخذته حركة النهضة من الانسحاب من المجلس التأسيسي كان قرارا سليما رغم تأخره و اذا ما عادت الحركة للمجلس و هو على شكله الحالي فاعتقد أن الحركة ستفقد هذه المرة مصداقيتها و لن يرحمها التاريخ أبدا و لا يغفر لها الشعب التونسي زلتها و تحتاج حينها الحركة الى سنين عديدة لتلميع صورتها من جديد و آمل ان لا تصل الحركة لهذا السقف من السقوط . ان مسألة اسقاط المجلس أصبحت مسالة إجرائية لا غير لأنه على الواقع اصبح منتهي نظرا للتجاوزات العديدة التي وقع فيها و لانه اصبح لا يمثل الشعب بل يعاديه و يستفزه و غيرها من الأشياء الأخرى التي تم ذكرها في أعلى المقال ... و لكن اذا كان لا بد من الحفاظ على المجلس كمؤسسة ضرورية و لمهمة وقتية يمكن حينها حله و إعادة صياغته بشكل يمثل أعضاؤه الوزن الحقيقي للشعب . الحكومة المؤقتة بشكلها الحالي تمثل خطرا على مكاسب الثورة فكل كوادرها هم انفسهم كوادر الرئيس المخلوع و رئيس وزرائها الحالي الابن البار لبورقيبة و هو يفتخر بذلك و يعمل جاهدا لإعادة إحياء و بعث الفكر البورقيبي في جسم التجمع الدستوري الذي بدأ يتشكل من جديد و عليه إسقاط الحكومة الحالية واجب وطني و مطلب ثوري و اعادة تشكيل حكومة جديدة تنبعث من رحم الشعب و معبرة عن روح الثورة . الاسراع في فتح ملفات الأموال المنهوبة و القبض على من تثبت ادانته بسرقة أموال الشعب و اعادة الاموال المنهوبة لخزينة الدولة . الحزم في كل من ثبت إدانته بقتل الشباب التونسي إبان الثورة و خاصة القناصة التي كانت مهمتهم القتل المباشر و كل تورط في عملية القتل . و أخيرا ضرب موعدا ملزما و قريبا لتنظيم انتخابات رئاسية و برلمانية و بلدية و البقاء للأصلح . أما اختيار سياسة التوافق الغائبة و عدم الأخذ بزمام المبادرة و البقاء دائما في موقف المدافع و الاعتماد على المهرجانات الشعبية و الغفلة عن مواقع القرار و مؤسسات الدولة سيجر البلاد الى ديكتاتورية الحاكم و التنكيل بالأغلبية الغائبة و ربما ستشهد تونس بحرا من الدماء و حربا أهلية لا يعرف لها نهاية أو نكسة ليس لها دواء . و اخيرا يبقى تشكيل مجلس و طني للانقاذ كبديل عن المجلس و الحكومة المؤقتة كخيار نهائي للخروج من تلاعب الانتهازيين و لصوص الثورة ثم كضمانة لحماية الثورة من الانزلاق يكون يوم الجمعة من كل أسبوع يوم البراءة من أعداء الثورة و الوفاء للشهداء . فلتشهد كل يوم جمعة إثر الصلاة مسيرات عارمة تغضب لله و للوطن و الحرية . حمادي الغربي