يسميه البعض بالسلطة الرابعة ويصفه البعض الآخر بمهنة المتاعب ويذهب آخرون إلى اعتباره ضمير الشعب الذي لا ينبغي له أن يغفل أو ينام بل مطلوب منه اليقظة الدائمة كما يعتبره البعض قطاعا خطيرا وهاما في تركيبة المجتمعات والدول..إنه الإعلام بمختلف أنواعه المسموع والمرئي والمكتوب الذي ومن خلال التوصيفات المذكورة خصصت له بعض الدول حقيبة وزارية كاملة تضاهي في قيمتها وأهميتها وزارات السيادة كما يعتبر أيضا أنجع وأقوى سلاح حازت عليه واستعملته المعارضات المدنية في مجابهة الطواغيت والدكتاتوريات وما الدور الذي كلن للإعلام الفايسبوكي في تأطير وتوجيه ثورتي تونس ومصر إلا دليل واضح على ذلك. لقد تركز الإعلام الإلكتروني وتحديدا منه الفايسبوكي على نشر كل وقائع وأحداث الثورة في كل الجهات أول بأول على مدار الليل والنهار وربما لولاه لما تمكنت بعض القنوات الإخبارية من تغطية الأحداث خاصة بعد منع أغلبها من التواجد الميداني ، هذا الإعلام الإلكتروني والفايسبوكي لم يأت من فراغ بل تجند له رجال بمعنى الرجولة ولا بمعنى الذكورة من مواطنين ومواطنات شرفاء ومناضلين ومناضلات المجتمع المدني وبعض المدونين والعديد من شباب الثورة الذي كان يتظاهر ويحتج ويقاوم قنابل الغاز والرصاص ببدنه وبين يديه حاسوبه وآلة التصوير يسجل بها بشاعة القمع المسلط على الجماهير العزل ويرسل بها عبر حاسوبه إلى العالم الخارجي مكسرا جدار التعتيم الذي مارسته سلطة ما قبل الثورة كل ذلك في غياب كلي لوسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والخاصة التي كان الصمت يعتبر أقصى درجات النضال عندها ولكنها لم تفعله بل اصطفت إلى جانب السلطة في قلب الحقائق وتضليل الرأي العام وتشويه صورة الثورة. لقد مثل إعلام الثورة النموذج الحقيقي للإعلام الوطني الحر والهادف وبرزت أسماء كثيرة لمراسلين وناشطين جعلوا من النضال ولا من التقنية الإعلامية حرفة تجاوز صدى فعلهم الحدود ليلتقطه العالم الخارجي بكل جدية دفعت ببعض الهيئات الإعلامية المستقلة في أوروبا إلى تنظيم حلقات نقاش في كل من تونس ومصر والمغرب مع ثلة من إعلاميي ولا أقول صحفيي الثورة في محاولة لفهم هذه الظاهرة الجديدة والوقوف على الآليات التي تحكمها. وبما أن لكل زمان أصحابه ولا أقول رجاله حتى لا أبخس البعض حقه وأصف الآخر بما هو دونه فأن الذي حصل بعد 14 جانفي هذا اليوم المشهود الذي مهد له إعلام الثورة وحبرت أحرفه بدماء الشهداء الأبرار- حصل أن انتقلنا إلى طوفان إعلامي اتخذ من مساحة الحرية التي تحققت بفعل الثورة مسرحا يستعرض فيه هؤلاء الذين لم نسمع لهم كلمة حق قبل وأثناء الثورة بطولات وصولات لأقلامهم وعدساتهم و"بلاتوهاتهم" وتطبيقا للمثل القائل "الأرنب في الوسع جراية" انطلق التسابق والتلاحق في الحصص التلفزية وكذلك الإذاعية المباشر والمسجل وتزينت الصفحات الأولى للصحف بالشعارات الرنانة والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان فصرت ترى الخبر في هذه الصحيفة ونقيضه أو نفيه في الصحيفة الأخرى وتسمع في هذه الإذاعة كلاما باسم حرية التعبير يستهدف ضمير الأمة ومقدساتها مستهترا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية التي ورثناها من مكارم أجدادنا وباسم حرية الرأي ثارت وسائل إعلامنا الرسمية وما شابهها بعد تاريخ 14 جانفي لتجود علينا عبر شاشاتها بمحللين وخبراء سياسيين وشخصيات وطنية أغلبها لم يكن لها أثر طيلة الحقبة الدكتاتورية يصمون آذان المواطن بكثير من الكلام وقليل من النتيجة والفعل، لقد مهد إعلام الثورة الطريق لثورة الإعلام ولكن كيف لإعلام أن يثور ومصير المشتغلين فيه مرهون بأيادي أباطرة السوق الإعلامية الذين استثمروا أموالهم في هذا القطاع على قاعدة الربح والكسب المادي والمعنوي لا غير؟ كيف لإعلام أن يثور ونفس الوجوه المشرفة عليه في العهد السابق تواصل تسييره اليوم؟ وكيف يمكن لأعلام أن يثور وهو لا زال رهين مدرسة العناوين التجارية المثيرة والمضامين الجوفاء والهزيلة؟ وكيف يمكن لإعلام أن يثور والعديد من طاقمه لم يتخلصوا من نزعاتهم الإقصائية؟ وكيف يمكن لإعلام أن يثور وهو لا زال يعتمد الإنتقائية في دعوة الضيوف وتحديد المتدخلين عبر الهاتف سلفا قبل انطلاق البرنامج؟ وكيف يمكن لإعلام أن يثور وجزء كبير منه مازا مصرا على القيام بدور المحقق والقاضي وتوجيه التهم بسرعة البرق لجهة ما أو شخص ما متغلبا في ذلك على كل أجهزة الداخلية والقضاء فقط من أجل ترجيح جهة على أخرى أو تأليب الرأي العام على فريق خدمة لفريق آخر؟ إذا أراد إعلامنا أن يثور فليبدأ بالثورة على نفسه أولا وعلى أساليبه البالية في التعاطي مع الأحداث ومع مكونات المجتمع الجديد الذي ولد مع الثورة، صحيح أن الصحف تعددت عناوينها والإذاعات كثرت محطاتها والقنوات التلفزية تكثفت البرامج الحوارية والموائد المستديرة فيها كل هذا مهم لنحدث ثورة في الإعلام ولكن الأهم منه هو ثورة تستهدف عقول المقدمين والعاملين في قطاع الإعلام توقظ فيهم الضمير وتنمي وتحيي فيهم المسؤولية الوطنية وتقطع مع الانتهازية وتحررهم من هيمنة رأس المال الإعلامي ليتحرر الخبر والتعليق والتحليل، إذا أراد الإعلام أن يثور فلتكن مرجعيته إعلام الثورة هذه الثورة التي ضحى من أجلها العديد من أبناء هذا الوطن والتي في حقيقة الأمر بقدر ما هي بحاجة لإعلام حر مستقل مسئول ونزيه هي في حاجة أيضا إلى ترشيد وتنظيم و تأطير إعلام الثورة من أجل مزيد من الحرفية والمسؤولية حتى يبقى هو صمام الأمان تحتمي به الثورة ضد كل محاولات الركوب عليها أو النيل منها أو تحريفها. الحبيب ستهم