بسم الله الرحمن الرحيم لقد مرت أكثر من سبعة أشهر على سقوط الدكتاتور وهروبه، وتمكنت بقايا الدكتاتورية من الاستحواذ على ساحة الفعل تماما، خصوصا بعد أن تمكنت من تأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى أجل لا يبدو انه ثابت لا يقبل التأخير. ثم أغرقت الساحة وألهت الشعب بقضايا مفتعلة كان آخرها مسرحيات تعيسة بائسة تقوم على استفزاز الشعب بانتهاك مقدساته استدراجا لردود فعل عنيفة لم تحصل كما خطط لها، فتم افتعالها هي الأخرى بأساليب بدائية ومكشوفة إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى الاحتقار الذي تكنه هذه القوى لذكاء الشعب التونسي... وقد نجحت الخطط المتتالية تباعا نجاحا باهرا إلى حد الآن في جر المنتظم السياسي إلى مربع ردود الأفعال، بعيدا عن التصدي للمهمة التي فرضها الثوار في اعتصامي القصبة الأول والثاني فرضا على قوى الردة، والمتمثلة في اقتراح دستور جديد يقطع نهائيا مع الاستبداد ويكون ترجمة للآمال التي أطلقتها الثورة، وهدية وفاء لدماء الشهداء. فنحن لم نر إلى حد الآن أحدا من المنتظم السياسي تقدم بمقترحات لدستور أو على الأقل لبنود أساسية في الدستور المأمول، تكون منطلقا لنقاش وحوار واسع، بعيدا عن المتاهات التي تجرنا إليها قوى الردة كل حين... ولأن إشعال شمعة خير ألف مرة من لعن الظلام، فإني أتقدم لشعبي بهذا المقترح لبنود أساسية في الدستور الجديد، يكون الشعب فيه هو السلطة العليا فعليا بإرساء نظام ديمقراطي برلماني، خاضع للرقابة الشعبية المستمرة، وبالنص على حق الشعب في ممارسة السلطة التشريعية المباشرة. فهذا الشعب الذي أصبح معلما للبشرية بثورته، لا يمكنه بعد الآن رهن مصيره بأي طرف سياسي كان، دون إخضاعه للرقابة المباشرة والمستمرة. 1. الديباجة: يقع تضمين هذين المبدأين الأساسيين لديباجة الدستور: إن الشعب التونسي هو المصدر الأعلى للسلطات جميعا في الدولة التونسية، لا تعلو عليه أية سلطة داخلية ولا خارجية. ويمارس الشعب سلطته من خلال مؤسساته المنتخبة، ومن خلال ممارسة سلطته الرقابية والتشريعية المباشرة. 2. شكل النظام المأمول: لماذا النظام البرلماني؟ لقد اكتوت شعوبنا بنار الحكم الفردي لعهود متطاولة، جراء تركيز السلطات في يد فرد واحد، غير خاضع لأي نوع من الرقابة، مما أعاد إنتاج أسوأ ما في تراث الدولة السلطانية، متدثرا بغلالة شفافة من الحداثة المزورة، فوقعنا في براثن استبداد تغول حتى كاد يقضي على كل مقومات مجتمعاتنا، لولا أن تداركتنا هذه الثورات الهادرة التي نريد لها أن تحقق أهم هدف لها، وهو القطع النهائي مع الدكتاتورية والحكم الفردي. * يقوم النظام السياسي للجمهورية التونسية على الديمقراطية البرلمانية، بحيث تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الحكومة المسئول أمام البرلمان الذي يخضع بدوره للرقابة الشعبية المباشرة. * ينتخب البرلمان رئيسا للجمهورية التونسية ذا صلاحيات رمزية. *لا يمكن بحال تجاوز دورتين متواليتين لرئاسة الحكومة و لرئاسة الدولة. * تعود الوزارات السيادية وجوبا لنواب منتخبين من الشعب ليكونوا خاضعين للرقابة الشعبية المباشرة. 3.لماذا الرقابة الشعبية المستمرة؟ لقد ابتلي شعبنا بنخب لم ترتق أغلبها إلى مستوى وعيه وظلت على الدوام تعامله باحتقار شديد، تتعالى عليه وتستكبر عن الخضوع لإرادته. وقد بلغت هذه النخب حدا من الإهتراء بحيث فاجأتها ثورة الشعب التونسي كما فاجأت الدكتاتور، وقد نصب الكثير منها أثناء الثورة سوق المناقصات على المطالب الشعبية الحاسمة في القطع مع الاستبداد. وحتى ذلك الجزء من النخبة الذي انحاز مبكرا إلى ثورة شعبه لا يزال في مجمله يعاني من انعدام الثقة في وعي الشعب وقدرته على المسك بزمام مصيره بنفسه، وهذا من مخلفات الداء البورقيبي الذي كان يحتقر الشعب ويعتبره "ذرات أفراد" ..... إن النخبة التونسية ظلت على الدوام تعامل الشعب معاملة القاصر والسفيه الذي يحتاج باستمرار إلى وصي على جميع تصرفاته. وحيث أن هذه الثورة قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك تقدم وعي الشعب علي وعي نخبه، وحيث أن الكثير من هذه النخب لم يبد أي قدر من التواضع للشعب الذي حررها بثورته، بل ازداد تكبرا وتعاليا واحترازا من الإردة الشعبية، بل ورفضا للخضوع لها وسعيا للالتفاف عليها بجميع الوسائل، لكل هذه الأسباب، ولغيرها مما لا يتسع له المجال، فإني أقترح وضع النظام السياسي برمته تحت الوصاية المباشرة للشعب، وذلك عبر الآليات الآتية: * يمكن إخضاع أي مسئول منتخب مباشرة من الشعب إلى الرقابة المباشرة المستمرة أثناء أداءه لمهامه بين دورتين انتخابيتين، وصرفه عن تلك المهام إن تعلقت إرادة الشعب بذلك. * يتم تفعيل الرقابة الشعبية إذا طالب بها ربع الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات متعلقة بالمهمة المعنية بالرقابة. * حال حصول نصاب الربع تتولى الإدارة وجوبا تنظيم استفتاء محدود بحدود المهمة، ويتم صرف المسئول المنتخب عن مهامه إن وافق الناخبون على ذلك بالأغلبية النسبية أي خمسون بالمائة زائد صوتا واحدا. * تفعل الرقابة الشعبية في إطار الدوائر الانتخابية بالنسبة للمسئولين المحليين، وكذلك بالنسبة لنواب البرلمان غير الشاغلين لحقائب وزارية سيادية. * بالنسبة لرئيس الحكومة ووزراء الحقائب السيادية تفعل الرقابة الشعبية بحصول نصاب الربع من جملة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات تشريعية. * لا يمكن تفعيل الرقابة المستمرة أثناء السنتين الأولى والأخيرة من العهدة الانتخابية. 4.السلطة التشريعية المباشرة : تتمثل السلطة التشريعية المباشرة في حق الشعب في تبني تشريعات لا ترغب المجالس المحلية أو الأغلبية النيابية في إقرارها، أو في رفض تشريعات تم إقرارها. على المستوى المحلي: يمكن لربع الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات محلية أن يقترحوا مشاريع قوانين و تنظيمات شرط أن تكون من اختصاص السلط المحلية المنتخبة. على المستوى الوطني: يمكن لربع الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات تشريعية أن يقترحوا مشاريع قوانين و تنظيمات عامة. في حال حصول المقترح على خمسين بالمائة زائد صوتا واحدا يتحول إلى قانون واجب النفاذ. هذه مقترحات أضعها بين يدي شعبي على أمل أن تثير نقاشا وحوارا يعيد البوصلة إلى الاتجاه السليم، إذ لا يعقل أن يغيب النقاش حول الدستور عن انتخابات غرضها الوحيد بناء دستور لدولة الحرية والكرامة والتأسيس لهيبة الشعب ولسيادته الكاملة.