هو كلام الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس,عدد أجزائه ثلاثون جزءاً, وعدد سوره 114 سورة, وعدد آياته 6236 آية, أطول سورة فيه سورة البقرة, وأقصر سورة فيه سورة الكوثر, وأطول آية فيه آية الدين ، وهي الآية 282 من سورة البقرة, وقد نزل القران أول ما نزل على رسولنا صلى الله عليه في غار حراء في ليلة مباركة سماها ربنا " ليلة القدر" وشرفها بالقرءان, وعظمها به عن سائر الأيام, فكانت أول أية يتلقاها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم آية "اقرأ " فكان أول أمر تلقاه صلى الله عليه وسلم إذن من ربه الأمر بالقراءة, وهي أداة التعلم في كل العصور والأزمان, وكانت آخر آية أنزلت عليه آية الإكمال والإتمام والرضاء بنعمة دين الإسلام قال الله تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)), وامتاز هذا القران العظيم بقدرته على التأثير في الجماد كما في الإنسان, قال تعالى في سورة الحشر: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿59/21﴾ يقول القرطبي : حثنا الله سبحانه وتعالى على تأمّل مواعظ القرآن، وبيَّن أنه لا عذر في ترك التدبُّر؛ فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعةً متصدّعةً؛ أي متشقِّقةً من خشية الله ولعل الإمام القرطبي بموقفه هذا لم يستسغ عقليا تأثير القرءان في الجبل باعتباره جمادا كتأثيره في النفس البشرية وقد أثر هذا القرءان في بداية نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم فعاد إلى زوجته خديجة يطلب منها تزميله وتدثيره فيأمره رب العزة بأن يخلع عن نفسه كل تلك الدثر ويستعد لتقبل الأمر الثقيل على النفس قال تعالى : (( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )) أمانة الرسالة تلك الأمانة التي عرضها الله سبحانه على الأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان وكان أهلا لها واستحق بها خلافة الله في أرضه لتعميرها والإصلاح فيها مؤتمرا بأمره ومنتهيا بنهيه. وقد أثر هذا القرءان في عمر بن الخطاب وقاده إلى الإسلام حينما أخذ الصحيفة من أخته وقرأ من سورة طه : طه ﴿20/1﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴿20/2﴾ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴿20/3﴾ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴿20/4﴾ وما كاد يتمها حتى انفتح قلبه للإسلام. وأثر هذا القرءان في الوليد ابن المغيرة أحد كفار قريش حين سمعه من رسول الله يتلوه فانبهر به وتفوه بالحقيقة وقال فيه قولة صحيحة : " لقد سمعتُ من محمدٍ كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن.. والله إن لَه لحلاوةً، وان عليه لَطلاوة، وإن أعلاه لمثْمِر، وان أسفلَه لَمُغْدِق، وانه يعلو ولا يُعلى عليه". وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثر كثيرا بسماع القرءان وكان يحب أن يسمعه من غيره وفي يوم من الأيام طلب من عبد الله ابن مسعود أن يقرأ عليه فيقول له عبد الله ابن مسعود أ أقرأ عليك وعليك أنزل يا رسول الله, فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أحب أن أسمعه من غيري فيقرأ عليه عبد الله ابن مسعود من سورة النساء حتى إذا وصل إلى قوله تعالى ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) أجهش صلى الله عليه وسلم بالبكاء وقال له يكفيك يا عبد الله. فهذا القران لا تنتهي عجائبه, يستنطق في كل حين فينطق بالجديد, وقد طلب منا ربنا في كثير من المواضع منه, التدبر فيه أي التأمل والتفكر على مهل في آياته لإدراك أسراره وسننه وإعجازه ومعانيه, ففي البداية أكد القران أن الهدف من نزوله هو أن يتدبر الناس فيه قال تعالى : ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)( سورة ص آية 29 وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرءان كتابا ميسرا للفهم وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى : ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر)) سورة القمر آية 17 ولأهمية هذا الأمر يكرر القرءان هذه الآية في سورة القمر أربع مرات. ويقول أيضا : ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون)) سورة الدخان آية 58 ويقول : ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)) سورة مريم آية 97 والقرءان لا يدعونا إلى التدبر فيه فقط وإنما يدعونا إلى ممارسة التدبر العميق كما نفهمه من قوله تعالى ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)) سورة النساء آية 82 ففي الآية حض في صورة استفهام على التدبر. وقد وقف الدكتور ملير وهو قس كندي أثناء محاولة منه لدراسة القرءان قصد اكتشاف أخطاء فيه أمام هذه الآية مندهشا وقال من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو"مبدأ إيجاد الأخطاء وتقصي الأخطاء" في النظريات إلى أن تثبت صحتها وهو ما يسمى ب"FALSIFICATION TEST" والعجيب أن القرءان الكريم يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه ولن يجدوا ويقول أيضا عن هذه الآية : لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء ولكن القرءان على العكس تماما يقول لك لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد. ثم يؤكد القرآن: أن هناك "أقفالا" معينة تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته، ويقول: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) سورة محمد آية 24 ولكن ما هي هذه الأقفال؟ إنها أقفال الجهل والهوى والتهرب من المسؤوليات الثقيلة. إذن فالتجرد من هوى النفس يعطى الفرصة للعقل بأن يتدبر القرءان ويصل إلى الحقائق.
وقد عمل العهد البائد على تهميش القرءان وتهميش "جمعية المحافظة على القران الكريم" عن دورها في المحافظة عليه حفظا وتلاوة وتدبرا, وحولها إلى رابطة جمعيات وبعد وفاة مؤسسها الشيخ الشاذلي النيفر نصب عليها التجمعيين فدجنوها تماما, فصارت لا تعمل إلا في حدود ما ترسمه لها وزارة الداخلية, وفي حدود ما يخدم مصلحة الحزب الحاكم آنذاك, ذلك الحزب الذي شن على الإسلام حربا استئصاليه, وعمل على إذلال حملة القرءان بكل الطرق المهينة, وأوقف كل الامتلاءات المسجدية التي كانت تساهم في تخريج حفاظ القرءان, وحل مدرسة تجويد القرءان, وعمل على الحد من بناء المساجد في كامل تراب الجمهورية.
وإذا أردنا أن نصلح ما أفسده العهد البائد فلنعمل على إعادة الاعتبار إلى القرءان الكريم وذلك بالعمل على: - أولا : تفعيل دور الرابطة القرءانية وإعادة بناء هياكلها وبرامجها على أسس علمية ورسكلة القائمين عليها حتى تستعيد دورها . - ثانيا : تأسيس جمعيات لبناء المساجد وتعهدها بالترميم والنظافة. - ثالثا : إعادة تنشيط الامتلاءات القرءانية في كل مساجد الجمهورية - رابعا : إعادة النظر في برامج التربية الإسلامية وإعطاء القرءان الكريم فيها الدور الذي يستحق - خامسا : إعادة مدرسة تجويد القرءان الكريم إلى سالف نشاطها على أسس علمية متطورة - سادسا : تشجيع البحوث العلمية المتصلة بالتدبر في القرءان الكريم