منذ الأيام الأولى لسقوط النّظام قلت نعم للقطع مع الماضي و لا و ألف لا لتقطيع البلاد، و لا و ألف لا لتخريب المنشآت و تعطيل و تدمير المؤسّسات و المكتسبات التي هي ملك للشّعب و الله وحده يعلم كم أنففت الأجيال السابقة من عمرها و جهدها لينعم شباب اليوم بها.... كما أنّ العديد من المواطنين و المثقّفين و كذلك من يقولون أنهم يهتمّون بالشّأن العام و الشّأن السّياسي لا يفرّقون بين "النّظام و الدولة" و"الحكومة و الدولة" و"ممتلكات الدولة و ممتلكات الحزب الذي حكم" و هذا كلّه بسبب السّيطرة المطلقة التي كان يفرضها الحزب المنحل على الدولة و مقدّراتها و الإدارة و مؤسّساتها. و قد عنونت مقالي "الأحزاب و التّكالب المدمّر" و هذا فيه قصد و إضمار لأنّني لا أري عملا و اجتهادا من أجل إيجاد حلول و تقديم برامج لخدمة الصّالح العام وتحقيق التّنمية المنشودة بل ما في الحكاية إلا تكالبا مدمرا و »تكمبين« الهدف منه اعتلاء الكراسي و تحقيق المصالح الضيّقة و الشّخصية. و هذا التكالب مدمّر على كل المستويات: يدمّر الطّاقات و العزائم، يدمّر الدّولة و مؤسّساتها، يدمّر التنمية و الاقتصاد، يدمّر الأمن و السلم الاجتماعي و الاستقرار. و القاصي و الداني يعرف أنّ الشّعوب العربية قنوعة متأصّلة و طيّبة و لا تطلب المستحيل، فكل ما تطالب به هي الحرّية و الكرامة و العدل و الصدق و الوضوح و الشّفافية في الحكم و التّسيير. ولكنّ المشكلة العويصة التي يعاني منها عالمنا العربي و الإسلامي منذ الفتنة الكبرى، أي منذ ما يقارب 14 قرن، هي إشكالية التّداول على السلطة دون فتنة و عنف و إراقة دماء » التداول السلمي على السلطة « رغم أنّ هذا الأمر تمّ تجاوزه و حلّه في الغرب منذ عشرات السّنين و لكنّنا قلّدناهم في كل الأشياء إلا في هذا الجانب. و سبب هذا الاستبداد و التّسلّط وما ينجرّ عنه من كوارث و إخفاقات في عالمنا العربي و الإسلامي هي الأنانية المفرطة و العقليّة المستشرية عند رجال السّياسة « بل من الأحرى القول رجال الخباثة » الذين يعتبرون الدولة غنيمة يجب الفوز بها و هم لا يستثنون وسيلة للاستيلاء و الاستحواذ عليها و يستعملون كل الطرق من أجل ذلك و إن لزم الأساليب القذرة و الإجرامية فهم يطبّقون القاعدة المعروفة » الغاية تبرّر الوسيلة« و لا يراعون في ذلك حرمة للأرواح و الأوطان و الشّعوب. و رغم أنني لست من المختصّين في العلوم السياسية إلا أنّني أرغب في توضيح مسألة هامة و خطيرة تغيب على أغلب المهتمين بالشأن السياسي، وهي أنّ أوّل واجبات الأحزاب هي الحفاظ على الدولة و مؤسّساتها وعدم الزج بها داخل حلبة الصراع السّياسي المحتدم بينهم و بين مختلف التيارات السياسية و أن لا يكون هذا الصّراع هدفه السيطرة على الدولة و مؤسساتها بل يكون هدفه الوصول إلى السلطة في إطار ديمقراطي سلمي و أن لا يكون الحكم هو الغاية بل تنفيذ البرامج و خدمة الشعب و الاستجابة لتطلعاته و إيجاد حلول للمشاكل الطّارئة و تحقيق التنمية و الازدهار. و أخيرا، بيان للصّامتين قبل 14 جانفي و المتكالبين بعد الثورة المتهافتين على وزارة الداخلية من أجل تأسيس أحزاب، أقول لهم المعطيات تغيرت و انتهى عهد المسرحيات السياسية، فعهد التمثيل و التدجيل ولى بدون رجعة فهذا زمن الاجتهاد و الوضوح و الصدق مع الشعوب، فلا مجال مستقبلا لإغداق أموال الشعب على سياسيين فاسدين و انتهازيين، فمن له برامج و حلول نابعة من أرضنا و واقعنا تستجيب لتطلّعات شعوبنا فستكلّل جهودهم بالنّجاح و ينال القبول و الرضا من الشعب. أما »الببّاغوات« السّياسية التي تستورد حلولا معلّبة جرّبت و أثبتت فشلها في أوطانها و عند صانعيها و تريد إسقاطها و فرضها علينا، أقول لهم لن يكتب النّجاح لسعيكم و سيكون الفشل من نصيبكم وكل أطروحاتكم و برامجكم ستسقط في الماء و سيقال لكم « Dégage » و لو بعد حين، ولن يبقى من الأحزاب » عفوا أردت القول الفقاقيع الحزبيّة« إلا التي تقترب من المواطن و تستجيب لتطلعاته وتنسجم مع ثقافتنا و هويتنا و ثوابتنا الوطنية. توفيق بن رمضان (ناشط سياسي)