بادىء ذي بدء يجب التأكيد على أن الشعب الجزائري وقف ويقف منذ اليوم الأول إلى جانب ثورات الربيع العربي، في المغرب و المشرق على حد سواء. كيف لا وهو الشعب الذي قاد ثورة عظيمة -ضد فرنسا ومن ورائها قوات الأطلسي- ما زالت مضرب الأمثال للشعوب التواقة للحرية و الكرامة الإنسانية، هذا الشعب لم ينس أبدا أنه سوند يوما ما في ثورته تلك، و إذا لا غرابة من مواقف الأحرار عندما يقابلون الإحسان بالإحسان. و لسوء حظ الجزائريين في هذه الأيام العجاف من عمرالدولة الجزائرية الحديثة أن أبتليوا بحكومة ضربت الأرقام القياسية في الفشل و الإنتكاسات على المستوى المحلي و الإقليمي و الدولي،وهنا أترك تفاصيل الشأن المحلي للصحف الجزائرية التي هي أكثر إطلاعا و أقرب من التفاصيل، و أركز على تعاطي الجزائر الرسمية مع مجريات الأحداث الإقليمية و الدولية. لقد كان من أبجديات الدبلوماسية الجزائرية قبل إنتكاستها، أن مواقف الدول المحترمة لا يجب أن تكون ردود أفعال أو مزايدات، ولهذا فقد إكتسبت تلك السياسة إحترام وتقدير المجتمع الدولي في فترة السبعينيات والثمانينيات من الألفية الثانية، إلى أن خفت ذلك الصوت المجلجل في المحافل الدولية خلف مواقف مترددة و بيانات متبانية.هذا في الشأن العام، فما بالك بأمر إستراتيجي كموضوع ليبيا التي تعتبرعمق الجزائر الأمني. لقد وقفت الجزائرالرسمية منذ اليوم الأول للأزمة الليبية -التي لم تكن أبدا نزاعا على سلطة حنّطت الليبين مدة تجاوزت الأربعة عقود- موقف المتفرج التائه! هذاا الموقف- من الجار الكبير تاريخا وعتادا- لم تغيره صرخات شعب أعزل أراد التغيير السلمي، فجابهه قائده أولا بالسب و الشتائم ثم بالتحريض و التخوين وأخيرا بالصواريخ و الدبابات و شجع كتائب القذافي و مرتزقته على فعل ما لم تفعله عصابات الهاجانا بالشعب الفلسطيني! هذا الشعب رفع آهاته للمجتمع الدولي بعدما صمت آذان الأشقاء قبل الأصدقاء! أن ثورة اللبيين بدأت سلمية كما بدأت أخواتها التونسية و المصرية و لكن المحرقة التى شرع في تنفيذها الأخ القائد غيرت كل شيء،فتنادت أصوات من الداخل و الخارج لإيقاف مجازر لم يسلم منها حتى الأطفال و النساء. إن ثورة اللبيين طالبت بحماية للمدنيين أحجم عنها الجيران و الأشقاء و لم يطلبوا تدخلا عسكريا كما حصل في العراق أو الصومال. الجيران و الأشقاء كان بإستطاعتهم أن ينقذوا شعب ليبيا قبل أن يمد يده لقوات لا تخفي أطماعها و مصالحها في نفط ليبيا. الجيران والأشقاء لم يمارسوا الضغط المطلوب لإيجاد حل لمجزرة تقوم بها سلطة مدججة بكل أنواع الأسلحة ضد شعب أعزل إلا من أيمانه بعدالة ثورة جمعت حولها جميع مكونات الشعب الليبي. لقد قرأ صانع القرار الجزائري القراءة الخاطئة لأحاث ليبيا، ولهذا فقد إتسمت مواقف الجزائر من الأزمة بالغموض و الإرتجال أحيانا، زاد في حدته سيل من الشائعات و التقاريرغير المؤكدة التي تشيرإلى دعم مادي و معنوي لسلطة شكلت إلى وقت قريب تهديدا لوحدة الجزائر الترابية بدعوتها سنة 2004 لأقامة دولة الطوارق الكبرى. لقد قزمت تلك المواقف الهزيلة دورا رياديا كان بقدور الجزائر أن تلعبه في نجاح ثورة أبناء السنوسي و المختار وتجنيب المنطقة المغاربية من أن تكون مصرحا مفتوحا لتحقيق أهداف إستعمارية و تصفية حسابات سياسية عسكرية من دول لم تخف أطماعا معلنة في نفط المنطقة،و أخرى مستترة تستهدف الأنسان قبل البنيان. كانت و مازالت تلك المواقف التي إختلف في تفسيرها المحللون و المراقبون مثار جدل داخل الجزائر و خارجها، ومن الأصدقاء و الأعداء، حتى خرج علينا بيان من وزارة الخارجية يوم 29 من الشهر الجاري يؤكد خبر تواجد ولدان من عائلة القذافي إلى جانب زوجته و إبنته و أحفاده على الأراضي الجزائرية.هذا البيان جاء ليؤكد خبر نفته نفس الوزارة يوم 28 من نفس الشهر عندما نقلت بعض التقارير الصحفية من أن موكبا من السيارات المصفحة قد عبرالحدود الليبية الجزائرية ينقل مسؤولين كبارا في النظام المنهار في طرابلس. وإذا حاول مندوب الجزائر في الأممالمتحدة السيد مراد بن مهيدي تبير موقف الجزائر الأخير من الأزمة عندما أشار إلى "قدسية قانون الضيافة" الذي يسود منطقة العبور،فإن هذ التعاطي كان يمكن أن يكون مقنعا إذا ما كان قد حدث في بداية الثورة و قبل هلاك الحرث و النسل وقبل تدمير البلاد و العباد، أما بعد ما حصل من خراب و دمارفي كل أنحاء ليبيا، فإنه يصبح من الصعب رد الإتهامات التي كانت تشير إلى تورط الجزائر في المستنع الليبي لتعلن عنه فيما بعد رسميا وزارة خارجيتها. عبد الحميد فطوش