غدا السبت.. الامين السعيدي يوقع "احبها بلا ذاكرة" بالمعرض الدولي للكتاب    لحظة اصطدام سيارة الوزير الصهيوني المتطرف بن غفير وانقلابها (فيديو)    أبطال إفريقيا: موعد مواجهتي الترجي الرياضي والأهلي المصري في النهائي القاري    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    حالة الطقس لهذه الليلة..    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طبيبة تونسية تفوز بجائزة أفضل بحث علمي في مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    ''تيك توك'' يتعهد بالطعن أمام القضاء في قانون أميركي يهدد بحظره    القضاء التركي يصدر حكمه في حق منفّذة تفجير اسطنبول عام 2022    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس ونهضتها الإسلامية إلى أين؟:إسعاد مقداد
نشر في الحوار نت يوم 17 - 02 - 2011


بسم الله الرحمان الرحيم
إسعاد مقداد صاحب ومؤسس دار الزيتونة للإعلام والنشر بباتنة الجزائر وكذلك فرنسا وذلك منذ 30 سنة.
حاصل على أستاذية(Maîtrise) في الاقتصاد والتسيير من جامعة باريس وأخرى في الفلسفة إضافة إلى عدة شهادات ماجستير
وينهي هذه السنة بحثا لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بعنوان "تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية" بجامعة ليون الثالثة الفرنسية حيث هو عضو في مجلسها العلمي.
الأستاذ مقداد مغاربي بامتياز أو بالتدقيق تونسي جزائري بامتياز وذلك ليس فقط لأنه يحمل الجنسيتين بل لعوامل عديدة أخرى ذات رمزية عالية فهو من مواليد قلعة سنان الواقعة تحت سفح مرتفع مائدة يوغرطة الشهيرة ملاذ كثير من الأحرار في التاريخ, ثم إن قلعة سنان هذه بوصفها منطقة حدودية تراوحت تبعيتها بين الجزائر وتونس إذا أنها كانت جزائرية حتى سنة 1807 حين تحولت إلى سيادة تونس تحت الباي حمودة باشا
أما بالنسبة لأصوله فهو بالتساوي من أصل مزدوج وشارك بعض من عائلته في الثورة التحريرية الجزائرية; منهم من استشهد ومنهم من هو على قيد الحياة تابعا لجيش التحرير.
الأستاذ مقداد اسعاد مناضل هادئ ونشيط في حركة النهضة الإسلامية التونسية, إلتحق بها منذ نعومة أظفاره وكلفه ذلك سنوات عديدة من المنفى قضاها متنقلا بين الجزائر وفرنسا، وهو يؤكد أن حبه للجزائر يفوق كل حب وقد بقي فيها على اختيار منه ولا يخفى فخره بجزأرة أبنائه الثلاثة .
عاد الأستاذ إلى تونس وهي تتحرر من دكتاتورها وأمتعنا بهذا الحديث الشيق وهذه التحاليل العميقة.
س: ابتداء هل لك أن تعطينا صورة وجيزة عن الخارطة السياسية لتونس؟
إ م : القوى السياسية في تونس يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف:
أحزاب معتمدة وأحزاب ممنوعة ومجتمع مدني. هذا إذا استثنينا الحزب الحاكم الذي يعد أو جعل منه النظام أداة للحكم ومزجه مع مؤسسات الدولة.
حقيقة الحياة السياسية في تونس أن نظام بن علي لم يقض عليها إلى حد الموت ، إذا بقي هامش ضئيل فيها أعطاها خاصيتها ، نعم ذلك الهامش الضيق هو خاصية الحياة السياسية في تونس. لم يعد المهتمون يقيسون أوزان الفاعلين ضمن سلم المائة بالمائة بل اكتفوا بذلك الهامش القليل المتمثل في ما فوق التسعين الذي زهد فيه بن علي وتركه للباقين بكل أطيافهم . نشطت الأحزاب والمجتمع المدني ضمن ذلك الهامش أبقوا من خلاله على رمق من الحياة للمجال السياسي.
خلال زيارتي الأخيرة اتصلت وتعرفت وتحاورت مع معظم النشطاء وأعجبني ذلك المستوى العالي للوعي وعمق الفهم والتحليل وكذا جاهزية أجهزتهم في التفاعل بسرعة مع الواقع.
س: هل من شبه أو مقارنة بين الأحزاب في تونس والجزائر.
إ م : يبدو لي أن الكبت الكبير ثم المستوى التعليمي العالي في تونس جعلا النشطاء يبدعون أكثر, مما جعل الخطاب وكذا الأطروحات للأحزاب في تونس أكثر عمقا, ولا أظن أن التغيير الناجح الذي أصبح الظاهرة الكبرى هذه الأيام عالميا قد جاء من فراغ. وهو أيضا ليس بمنأى عن جهد الأحزاب والمنظمات الحقوقية التي حتى لو قلص النظام البائد نشاطها لكنها بقيت رافضة له مناضلة ضده. أما نضالها فقد تمثل في الإبقاء على تلك الجذوة المشتعلة بالاستماتة في دفع ذلك السقف الذي حدده النظام لها حتى نجحت أخيرا في تكسيره. وتأكدت القاعدة الطبيعية " لا يضيع حق وراءه طالب "
أما في الجزائر, فرغم أن هامش الحرية أكبر منه في تونس إلا أن النظام استطاع وبوسائل عديدة أن يجعل كل الفاعلين- موالين له ومعارضين- يحترمون تلك الخطوط الحمراء التي وضعها. فالصحفي مثلا تراه يرغي ويزبد ويكثر من الثرثرة لكنه يلتزم حدوده فلا تخول له نفسه التجرؤ على المساس بما اعتبره النظام محضورا. وكذا رجل السياسة طويل اللسان لكنه طيع كالخروف . وهناك نوع آخر مشاكس كثير النقد قليل التأثير يتركه النظام يقول ما يشاء لعلمه أن لا أثر لنقده على الساحة الشعبية.
النظام في الجزائر دجن الجميع, المؤتلف كما المعارض. وكل ما حصل عليه السياسيون أو الإعلاميون هو من فضله. وحذار من تجاوز الخط الأحمر فمن ورائه الموت والمتابعات. أما بالنسبة للصحافة فإن الإستظهار بفاتورة المطبعة وقطع الإعلانات كاف لتكميم أفواه الثرثارين.
في تونس تفاعل السياسيون وكذا الإعلاميون والحقوقيون مع شظف المحيط وأبدعوا في استغلال عقلاني لتلك الإمكانيات الضئيلة حتى توج صمودهم ببروز تلك الكوكبة من الشجعان الكرماء من أمثال محمد بوعزيزي فألهبوا مشاعر الشعب وهممه بحرق أجسادهم ولم يبق لهم غيرها يدافعون به عن كرامتهم . صنعوا الحدث فالتقطه "الفايس بوك" والجزيرة وأتموا المشوار. نعم أقول الفايس بوك والجزيرة : الفاعلان الكبيران اللذان يعود لهما التغيير في تونس, وذلك بعد الفاعل الأول والأساسي ألا وهو الشعب.
اسمحوا لي هنا أن أذكر ببعض الحقائق الأكاديمية عن الإعلام وقد رأيناها تتجسد في التجربة التونسية. الإعلام لا يصنع قناعة لدى المتابع له خلافا لما هو سائد عند العامة. القناعة عند الإنسان يصنعها أساتذة الرأي ,leaders d'opinion مثل المفكرين والفلاسفة والأئمة والقائمين على الأحزاب ثم يأتي الإعلام ليزيد في تلك القناعة أو ينقص منها بمقدار قليل لا يتجاوز تأثيره العشرة في المائة. أما الأحداث فيصنعها أصحابها ويأتي الإعلام لتقديمها. بدون حدث يموت الإعلام . والحدث في تونس صنعه الشعب التونسي وليست الجزيرة. هذه الأخيرة تفاعلت مع الحدث وقامت بدورها كوسيلة إعلامية بمهنية عالية وأبقت على الجذوة- التي لم تشعلها هي- حية فكان ما كان.
جمعني في الأيام الأخيرة لقاء مع مسئولين في الجزيرة وبعض من نشطاء التغيير في تونس وقد أعجبني قول أحدهم : إننا لا نطلب من الجزيرة غير القيام بعملها بالمهنية التي عهدناها منها. نريدها أن تفتت المغلق فيطلع الناس على ما في داخله وتقتحم أبواب تلك المنظومات المغلقة وخاصة الأمنية منها لتحرجها وتسلط عليها الأضواء فتمنعها من التحرك والإساءة للشعب. ليس أنجع لضرب فاسد من إعطائه "الميكرو" وإخراجه من دائرة الظلام التي يحبذها.
س: لكن الأحزاب التي تذكرها لا تحكم تونس اليوم والشعب رافض للحكومة المعينة فمن يحكم تونس الآن إذا؟
م إ : الحقيقة لست أدري بالأحرى لا أستطيع الإجابة بالتدقيق. خلال اتصالاتي المختلفة والمكثفة سمعت كلاما عن أمريكا وأن أجهزة تابعة لها توجه الجيش وتلفت انتباهه لتحركات أجهزة وشخصيات النظام السابق الفارين إلى ليبيا والجزائر أو غير المطارات.
س: كيف هل أ صبحت أمريكا تدافع عن الشعب التونسي ؟
م إ: لا طبعا، لكن لأمريكا أجندة في تونس, وما حدث فاجأ الجميع ولا شك حتى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الغربية ولله الحمد وإلا كانوا أجهضوا الثورة قبل انطلاقها . وأزن كلامي انطلاقتها ولا أقول نجاحها فهي لم تصل بعد إلى مرحلة اللارجعة في تحقيق أهدافها وأمامها صعوبات وتحديات جمة.
س: من أي جهة تأتي هذه التحديات ؟
م إ : من الغرب وخاصة من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل . سمعت أن الكيان الصهيوني استباح الأجواء التونسية مغتنما جو الفوضى- والذي قد يكون ممن يذكون ناره مع أجهزة النظام البائد- وحطت طائرة إسرائيلية في جربة وهربت بعضا من عملائها " التونسيين"
س: لكن فرنسا رفضت استقبال الرئيس المخلوع وعائلته، أليس ذلك دليل على حسن نواياها تجاه التغيير في تونس؟
م إ: لا، أبدا. فرنسا اليوم ولله الحمد ليست فرنسا ديغول ولا فرنسا الاستعمارية . فرنسا اليوم يعيش على أرضها ويحمل جنسيتها حوالي ستة ملايين مغاربي كلهم مناصر ومهتم بما يحدث في تونس من تغيير. الرئيس الفرنسي الذي دافع كثيرا عن دكتاتور تونس وقف عاجزا على استقباله وتركه هائما على وجهه لا ارض تقبله ولا سماء تحتمله. تعامل ساركوزي ولأول مرة بواقعية في هذه القضية وقرأ حساب ردة الفعل عنده. هذا كما فعلت سويسرا بتجميدها لودائع العائلة المالكة التونسية لدى بنوكها.
هذا لعمري من المؤشرات الجيدة والعلامات الخضراء لنجاح الثورة في تونس فهؤلاء الكبار يستعدون للتفاعل مع نظام قوي وعزيز يأخذ شرعيته من الشعب
س: وماذا عن باقي دول الجوار؟
م إ : دول الجوار معادية للتغيير في تونس وبلا استثناء. أعجب كل العجب لهذا الصمت المشبوه للمسئولين وللإعلام الرسمي في الجزائر. ألا يهنئون جارهم القريب والعزيز على هذا الانتصار الباهر ؟ أليسوا من سلالة ثورة التحرير المباركة ؟ هل توقفت الجزائر على أن تكون ملاذ حركات التحرر في العالم ؟
لكم سعدت وأنا الجزائري التونسي أسمع عن مساعدات غذائية من الطرف الجزائري الشعبي والرسمي على الحدود وأنا عابر إلى تونس لكن هذا لا يكفي. إن الجزائر المجاهدة بكل قواها لا يملكها إلا أن تقف مع الشعب التونسي في محنته هذه وتشاركه انتصاراته. وفضل تونس على الجزائر كبير جدا إذا يكفيها أن النخبة الفكرية والثورية التي كان لها فضل تحرير الجزائر تكونت في جامع الزيتونة المباركة, فمنها تخرج ابن باديس وفيها درس بومدين . وكانت الثورة التحريرية التونسية منذ 52 هي التي مهدت لثورة التحرير في الجزائر سنتين بعد ذلك ، كما كان نضال النقابيين وعلى رأسهم النقابي الكبير فرحات حشاد قدوة لمناضلي الجزائر . ألا يذكر الجزائريون مسئولون وإعلاميون تلك النضالات المشتركة في إطار نجم شمال إفريقيا وتلك الدماء الممزوجة في ساقية سيدي يوسف وغيرها ؟ أم لعله هناك شيئا عفنا في مملكة الجزائر عفوا الدنمارك بحسب مقولة شكسبير.
س: وماذا عن باقي دول الجوار ؟
م إ : بدأت بالجزائر حتى أحترم مقولة "نظف أمام بيتك " والجزائر بيتي أما الآخرون فيبدو أن الهلع أصابهم لعمق التغيير عند جارتهم تونس الصغيرة بمساحتها والكبيرة بنضالها. والخوض في تفصيل ذلك يطول فلنكتفي بالقول أن الأنظمة المجاورة متضررة مباشرة من الثورة التونسية. وأنا ليس لدي شك في أن الفاسدين سيخسرون وأن أموال الأمة ستعود إليها ولن يجد المختلسون أي مكان يؤويهم ويحمي تلك الممتلكات والأموال الحرام التي منعت عن الأمة لتصلح بها حالها في استثمارات توفر مناصب عمل وتضمن كرامة الشباب.
لكني لا أستطيع هنا أن لا أعرض لموقف المملكة السعودية المرفوض أخلاقيا ومصلحيا . إن ابن علي مجرم حرب وليس فقط دكتاتورا عاديا لقد اعتدى على أعراض شعب كريم وعبث بمقوماته وحارب دينه وجفف فيه منابع الهوية العربية الإسلامية, وسيكون قريبا مطلوبا من الأنتربول فكيف يجازف وزير الداخلية السيد نايف باستقباله والترحاب به وحمايته وهو محمل بخمسة مليارات من الدولارات, افتكها لمحمد البوعزيزي وأمثاله ؟ هل يظن الأمير الوزير في السعودية أن الشعب التونسي عاجز عن استرداد حقه ؟ لا شك أن السعودية بهذا التصرف ستخسر الكثير وستأتيها متاعب جمة جراء هذا التصرف والأفضل لها أن تتخلص من هذا اللاجئ الثقيل. فهو ليس مثل عيدي أمين أو غيره من الفاسدين البسطاء كما إن شعب تونس أكثر وعيا من شعوب أخرى, فله الطاقات المادية والحقوقية والقانونية لاسترجاع دكتانوره صاغرا ومعه أموال الأمة . أيها الفاسدون في العالم, الشعب التونسي يقول لكم بالفم المليان " أين المفر" ؟ وأذكر أن نايف هذا أمر يوما بمنع الشيخ راشد الغنوشي من أداء فريضة الحج وأعاده إلى الطائرة بثوب الإحرام خدمة لصديقه بن علي.
س: هل نفهم من كلامك أن تونس ستدخل في علاقات متوترة مع دول الجيران؟
م إ: لا أبدا ، تونس باقية في مكانها بين جيرانها ، وإلى حد الآن فإن الواقعية هي الغالبة على تصرف كل الأطراف سواء أكانوا من القائمين على حكم البلاد أو نشطاء التغيير فيها, أما بالنسبة للإسلاميين فإن علاقتهم بدولتي الجوار ليبيا والجزائر جيدة.
وما تصريحات الزعيم الليبي إلا كلاما ظرفيا وهو الذي لا يفوت فرصة يمتدح فيها زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي وكذلك الشأن بالنسبة لأبنه سيف الإسلام. أما الجزائر فإن اعتزاز التونسيين بها كبير شعبا وأحزابا وخاصة الإسلاميين منهم الذين وجدوا فيها السند المادي والمعنوي، وللشيخ راشد علاقات جد قوية مع كل الأطراف حتى أنه يقف تقريبا على مسافة متساوية من الجميع. ويعتبر المفكر الكبير مالك بنبي أحد الزعماء الفكريين والروحيين لنهضة تونس، أما ثورة التحرير ورموزها فحدث ولا حرج.
س: هل من تفصيل في الأجندة الغربية في تونس اليوم ؟
م إ: الغرب وقد أفلت منه التغيير في تونس يلاحقه حتى يقلل من تأثيره على العالم العربي خاصة وإسرائيله المدللة. لقد أدار حلفاء بن علي له ظهورهم إذ لم تبق منه فائدة وأصبح عبء ثقيلا وجب الابتعاد عنه, لكن الغرب لا يريد للثورة في تونس أن تبلغ مداها وتحدث نقلة نوعية في تحرير الإنسان في المنطقة وتونس ذات موقع استراتيجي هام . لذلك هم الآن يحاولون أن يأتوا بديمقراطية على مقاسهم ويرفعون إلى مستوى المسؤوليات العليا في البلاد طيعين يخافون من الغرب وبطشه. ولا شك أن تونس اليوم هي محل نزاع شديد بين قوى وطنية شريفة تحاول أن تضيف لبنة لبناء الأمة الإسلامية نحو الحرية والسيادة, وقوى أخرى تدفعها إلى أسفل بتواطؤ كما هو معلوم من الأنظمة العربية التي أخشى ما تخشاه أن يحول الخوف موقعه فيدب في أجهزتها الأمنية عوضا عن الشعب فيشلها وتعجز عن حماية الحكام الفاسدين. وكيف لا تخيفهم تلك القبلات والمصافحات بين العساكر التونسية وأفراد الشعب؟
هذا وتبقى إسرائيل الخاسر الأكبر من هبة الشعب التونسي, فهي اليوم في تراجع مستمر وليست في حاجة إلى ثورة أخرى تزيد في هزائمها. لقد خسرت سنوات عدة من عمرها البائس بهزيمتها الساحقة عام 2006 أمام حزب الله ثم بعد ذلك عند فشلها في القضاء على حماس في غزة الصامدة. أما السفينة المباركة القائدة لحملة كسر الحصار عن غزة فقد كشفت عورتها، وها هي الثورة التونسية المباركة تدق مسامير كثيرة في نعشها الذي أصبح جاهزا لاستقبالها نحو النهاية.
لقد خسرت اسرائيل الكثير بنهاية الدكتلتور بن علي, إذ كان لها الحليف الطيع العميل. أما الخسارة المعنوية والمتمثلة في رفع معنويات الأمة فحدث ولا حرج
س: هل بلغت الثورة مرحلة اللاعودة ؟
م إ: نتمنى ذلك. لكن تحديات كثيرة ما زالت تنتظرها . يتداول بعض القريبين من القرار أن الرئيس المخلوع قال وهو يغادر البلاد: "تو تشوفوا خمسطاش انيوم ويجو يبوسولي رجلي باش نرجع"
ولا شك أنه يعول على تلك الأجهزة القوية المدربة والمدججة بالسلاح: تسعة آلاف من الحرس الجمهوري واثني عشر ألف من جهاز أمن الدولة. ماذا عساه يفعل الجيش النظامي الذي لا يتجاوز تعداده السبعة وثلاثين ألف أمام مسلحين يضربون في الظلام يحرقون ويقتلون نعم ما زالت أمام تونس تحديات كثيرة . لعل الاغتيالات الممنهجة والمركزة تكون إحدى الوسائل لا سمح الله.
الوقت ليس لصالح تلك القوى التي تضرب في الظلام فكل يوم يمر بسلام هو لصالح الثورة. أما وعي الشعب التونسي وقواه الحية فهو مضرب الأمثال والضمان الحقيقي للإنتصار.

س: لو عدنا إلى الخارطة السياسية لنحاول استقراء المستقبل .
م إ: الأحزاب التونسية في تونس عرفت نموا من خلال منابع أومن منطلقات ثلاث, لعبت فيها الأوضاع الداخلية وكذا العالمية دورا في نشأتها وتطورها. فبعد الاستقلال استأثر الحزب الحر الدستوري التونسي بالصدارة وضل النظام البورقيبي يضيق الخناق مم اضطر تيارات وشخصيات للخروج عليه وتأسست:
أحزاب مستقلة عنه وهي ذات طابع ليبرالي رغم حفاظها على الصفة أو التسمية الاشتراكية
التيار الشيوعي الذي تنوع وتفتت إلى أحزاب ومنظمات تناحرت على الصفة الشيوعية أو التقدمية
التيار الإسلامي الذي اكتسح الجامعة في السبعينات ونافس الجميع، ومما ساعد على ظهوره هو انهيار ذاك الجدار المتمثل في الإتحاد العام التونسي للشغل برئاسة بن عاشور على إثر الإضراب العام سنة 78
هذه التيارات الثلاث إضافة إلى الإتحاد العام التونسي للشغل هي التي تسيطر اليوم على الساحة السياسية في مقابل الحزب الدستوري الذي اتخذ له اسم "التجمع الدستوري الديمقراطي" بعد وصول بن على إلى السلطة, دون أن ننسى منظمات المجتمع المدني و على رأسها الرابطة لتونسية للدفاع على حقوق الإنسان.
س: ماذا عن الإسلاميين وهل فيهم تنوع مثلما هم عليه في الجزائر؟
م إ: في الجزائر ليس هناك تنوع في الأحزاب الإسلامية وإنما هناك تأشيرات عديدة.
في الجزائر هناك خطان فكريان للأحزاب التي تسمى إسلامية: خط داخل اللعبة السياسية بقواعد النظام وثان خارجها. أما في تونس فإن حركة النهضة تبقى تقريبا ممثلة لكل الاتجاه الإسلامي رغم وجود تيارات أخرى أقل هيكلة أو شخصيات إختارت الاستقلالية عن التنظيم
س: مثل الشيخ عبد الفتاح مورو ؟
م إ: نعم ، السيد عبد الفتاح مورو اختار الخروج من الحركة في بداية المحنة رغم أنه أحد مؤسسيها، وبقي في عمله كمحام في تونس، لقد حاول التقرب من نظام بن علي بامتداحه ولكنه لم يفلح.
س: وهل تتوقع رجوعه إلى الحركة ؟
م إ: لست أدري، للحركة قوانينها الداخلية وهي لئن انفتحت على شعب تونس إلا أن من خرجوا عليها أو امتدحوا النظام البائد فإن عودتهم تخضع لقواعد أخرى. ثم إن العودة لأي حزب يضع العائد ضمن الداخلين الجدد، ولا أضن أن السيد عبد الفتاح مورو سيجد في الحركة المكانة التي كانت له قبل مغادرتها.
س: ما هي الصعوبات التي تقف أمام حركة النهضة
م إ: هي تحديات كثيرة. هناك ثنائية من الآفات ترصدت الإسلاميين عموما وهي الإقصاء والتزوير، وهما الوسيلتان اللتان استعملتهما الأنظمة العربية لسد الطريق أمام المعارضين عامة والإسلاميين خاصة. الإقصاء ثم التزوير بهذا الترتيب تمنع الأنظمة العربية معارضيها من الوصول إلى الحكم والتمكين للتغيير. ولنترك التزوير لحينه ، أما الإقصاء فقد بدأت ملامحه تطل عبر بعض التصريحات من هنا وهناك .
دعني أذكر ببعض المفاهيم الأساسية في مجال السياسة حتى نضع ما يحصل اليوم في تونس في إطاره الفكري: في تونس اليوم شعب يرفض سلطة. وهذا لعمري موضوع بحث بامتياز في العلوم السياسية.
لما تعم الفوضى يتوقف العمل بذاك العقد الاجتماعي الذي دعا له كثير من فلاسفة السياسة وعلى رأسهم الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس الذي عاش في القرن السادس عشر. العقد الاجتماعي (le contrat social)يمكن مجموعة بشرية من الخروج من وضع الطبيعة Etat de nature إلى وضع المجتمع état de société وذلك باتفاق غير مكتوب بين أفراد المجتمع يتنازل بموجبه كل فرد عن طواعية منه عن استعمال القوة لصالح شخص آخر طبيعي أو معنوي كالملك أو الدولة le leviathan فيحتكر استعمال القوة دون الأفراد. ذلك أن"الإنسان ذئب للإنسان" كما يقول هوبس . وأن البشر ليسو كالحيوانات يغلب فيهم قويهم ضعيفهم، بل لبني البشر خاصية أخرى تتمثل في قدرة الضعيف فيهم على الإساءة وحتى قتل القوي منهم . وحتى تتواصل الحياة البشرية وجب هذا الاتفاق بين الجميع على احتكار الدولة للعنف والقوة.
لكن مع التطور في حياة البشر وزيادة تعقيدها ابتكر الإنسان آليات جديدة لتنظيم المجتمع كالبرلمانات والانتخابات والأحزاب . وأخذت الديمقراطية تنتشر عبر المجتمعات حتى أصبحت الانتخابات هي الوسيلة السائدة في اختيار المسؤولين وتكوين مؤسسات الدولة، أي ذلك الشخص المعنوي الذي يحتكر استعمال القوة بتوافق الجميع.
هكذا وضع في مقابل ذاك الاحتكار لاستعمال القوة من طرف الدولة احتكار آخر لفائدة الشعب والمتمثل في احتكاره لاختيار ممثليه: تلك هي الديمقراطية.
أثناء نقاشاتي الكثيرة في تونس سمعت كلاما عن حق الشعب المطلق في اختيار ممثليه. يقولون إن الشعب أرسل رسالة وهي ألا إقصاء لأحد. وإني لأعتبر هذه المقولة ناقصة وغير دقيقة . إن الشعب في تونس يطالب بحقه المطلق في الإقصاء. ليس من حق وزارة الداخلية أو الدولة عامة إقصاء أي من القوى السياسية. الشعب وحده من له حق وزن الأحزاب والقوى السياسية بميزانه عبر انتخابات حرة ونزيهة. أما من يشارك في تلك المسابقات الانتخابية فإن الباب يجب أن يكون مفتوحا للجميع دون اشتثناء.
الأنظمة غير الديمقراطية ومنها المغاربية تضع أمام المتقدمين لعرض أنفسهم على الشعب متاريس وحواجز كثيرة . وكثيرا ما تستغل العدالة الغير حرة والإدارة كأدوات لمنع القوى الحية من الترشح. فبعد أن تقوم بعملية غربلة مجحفة تمنع النزهاء والمعارضين ولا تبقي على غير الطيعين والضعفاء وتفرغ العملية الانتخابية من كل صدقية فيها, تلجأ إلى التزوير تقصي به حتى حلفاءها والطيعين ممن سمحت لهم بالتواجد معها في تلك الحملات الانتخابية المهزلة.
اليوم، في الألفية الثالثة لم يعد العقد الاجتماعي الذي يعطي للدولة الحق المطلق في احتكار القوة كاف لحياة مطمئنة وكريمة للمجتمعات البشرية وأصبح هذا الشرط غير ذي معنى دون ذاك الاحتكار المقابل له ألا وهم احتكار الشعب للإقصاء. للشعب الحق المطلق في إعطاء الأوزان الحقيقية للقوى السياسية الفاعلة, يرفع منها من أراد ليقوم على مؤسسات الدولة التي هي بدورها تحتكر استعمال العنف وتسير ذلك الشعب بقوة منه قوة القانون. ذلك هو وضع المجتمعات المتحضرة الحاكمة للعالم اليوم . والثورة التونسية القائمة اليوم هي تحول بالمجتمع التونسي خاصة والعربي عامة إلى الالتحاق بركب الحضارة والخروج من دائرة التخلف. وهي بهذا تكون أكبر من ثورة خبز أو طلب للشغل.
س: هل معنى هذا أن الإقصاء ذهب عن تونس؟
م إ: الإقصاء ليس من ممارسات النظام الحاكم وحده بل هو أيضا من فعل القوى السياسية فيما بينها. أما النوع الأول فإن بوادر كثيرة وآخرها تصريح رئيس أركان الجيش التونسي أن الجيش هو من سيحمي ثورة الشعب أي أن يترك له حرية اختيار ممثليه دون إقصاء لأحد ، هذا لكن المشكل سيأتي من القوى السياسية ذاتها. هذه القوى والأحزاب يعتبر كل منها أن له شرعية تعطيه حقا وأسبقية على غيره. لقد بدأت بعض الأصوات تنتقد مثلا من اختاروا البقاء خارج الوطن طيلة حكم بن علي بينما بقي بعضهم يكابد ظلم النظام من داخل الوطن ومنهم من بقي متخفيا لسنوات عديدة. بعضهم بدأ يستغل التضحيات الكبيرة من حرمان وتعذيب وسجن تعرض لها أتباعهم... وسلسلة المزايدات لا تنتهي.
س: إذن فالجبهة السياسية المعارضة ليست متفقة ؟
م إ: هي تتحسس طريقها وترسم معالمه في جو مناقض لما كان عليه قبل التغيير .ويبدو لي أنه رغم التجاوزات اللفظية من هنا وهناك فإن هناك إجماعا على الخضوع لقرار الشعب في انتخابات حرة ونزيهة. في إحدى اللقاءات بين الأحزاب لخصت السيدة مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي المشارك في الحكومة الانتقالية بشخص مؤسسه نجيب الشابي. قالت: نحن كأحزاب ليس لنا من شرعية إلا ما نسبناه لأنفسنا. لم ينصبنا الشعب ولم يعط رأيه فينا بعد. إنها فترة انتقالية نحن فيها متساوون، وقائمة الأحزاب تبقى مفتوحة لمن يريد. هذا كلام جيد تلتقي عليه معظم الأحزاب إن لم نقل كلها وهو وضع صحي.
س: ما موقف الأحزاب من الإسلاميين وبالتحديد حركة النهضة ؟
م إ: برأي إن حركة النهضة هي مربط الفرس وهي في قلب الحدث وذلك لما لها من خصوصيات على المستوى المحلي وكذلك ما للإسلام السياسي من أهمية على المستوى الإقليمي والعالمي. السؤال المطروح هو هل حركة النهضة حزب كباقي الأحزاب له ما لها وعليه ما عليها ؟ والحقيقة أن الإجابة ليست سهلة ، لذلك بدأت بعض الأصوات تسمع هنا وهناك منادية باستثناء الإسلاميين من العملية السياسية حرصا على الطابع الجمهوري للدولة واللائكي بمعنى المدني لحياة المجتمع
س: ما موقع الحركة في مؤسسات المرحلة الانتقالية؟
م إ: الحركة وقبل الإجراءات الأخيرة التي صرحت بها الحكومة من عفو تشريعي عام وفتح للمجال السياسي أعلنت عن استحداث منصب أمين عام في داخل البلاد وعين السيد حمادي الجبالي بهذه الصفة, وبها التقى السيد محمد الغنوشي الوزير الأول للحكومة المؤقتة. لكنها لم تشارك في الحكومة بل هي تدعو كباقي القوى السياسية لإقالتها.
س: تتناقل وسائل الإعلام أخبار تحركات لمنظمات طلابية ونسائية وغيرها تخوف الناس من أن الإسلاميين هم في طريقهم إلى حكم تونس ، ما تعليقك ؟
م إ: أظن أنه دون مبالغة هذا هو السؤال الإشكالية لما يحدث في تونس من تحول. لقد شهد العالم العربي تجربتين انتخابيتين دون إقصاء ولا تزوير فاز في كلتيهما الإسلاميون وانقلب على كلتيهما النظامين المحليين والدولي وهما انتخابات الجزائر لسنتي 90-91 ثم انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في جانفي2006.
ففي الجزائر أوقف الجيش المسار الانتخابي بين دورتيه، أما في فلسطين فقد وقع المجتمع الدولي تحت تأثير الصهيونية العالمية وقاطع في صلف فاضح الحكومة والمجلس التشريعي الفلسطينيين. هل يتكرر هذا التصرف مع الحكومة التونسية المنتخبة وخاصة إذا كان فيها الإسلاميون؟ الجواب: نعم ولا
نعم، لأن ذلك حصل مع أعضاء حكومة شرعية ومنتخبة ، وأقوياء العالم لا يستحيون من الكيل بمكيالين ويرفضون الاعتراف بممثلي الشعوب الأحرار.
ولا ، لأن تونس تعيش ظرفا استثنائيا والعالم يمر بمرحلة حرجة والأزمات الاجتماعية والمالية تؤزه أزا.
هذا لكن إسلاميي تونس هم من سيحدد سياسات القوى الغربية إزاءهم وكذا القوى الداخلية. أمام إسلاميي تونس، وحركة النهضة تحديدا، فرصة تاريخية ليس مسموح لها أن تضيعها وفيما يلي بعض تلك الخصوصيات التي تخدم في اتجاه التمكين لحركة النهضة وهي بمستويات ثلاث; عالمي, داخلي وذاتي:
الهزائم المتكررة للقوى الإمبريالية في العراق وأفغانستان.
الأزمة المالية العالمية.
انخفاض مستوى النمو في البلدان الغنية بأطرافها الثلاث أوروبا، أمريكا الشمالية واليابان.
ارتفاع مستوى البطالة فيها وعجزها عن تقديم حلول لمشاكلها الاجتماعية
صعود تأثير الجاليات الإسلامية وزيادة وعيها ومطالبها حتى أصبحت ثقلا اقتصاديا وانتخابيا يحسب له كل حساب.
بقاء منظمات تابعة للقاعدة بل حتى توسع نطاق تحركاتها وفشل الغرب وحلفائه من حكام العالم الإسلامي في القضاء عليها.
تعنت الكيان الصهيوني وضعف حجية المفاوضات معه والحلول السلمية
ظهور تركيا بقوة على الساحة ونجاح المشروع الإسلامي على المستويين السياسي والاقتصادي.
هذا عن العوامل الخارجية أما على الجبهة التونسية فإن هناك ظروفا مناسبة جدا لعمل حركة إسلامية كالنهضة:
الانتصار الشعبي : حركة النهضة قريبة من الشعب تحيا به وله . تضعف كلما غيب وضعف وتقوى كلما ازدادت قوته ونشاطه وحريته.
الضعف الأكيد للنظام بعد فرار دكتاتوره . فعلى رأس الدولة رجل هرم سئم السياسة كما سئمته لا يرغب في غير الأمان تنتهي في جوه حياته ، وكذلك الوزير الأول الذي عينه وكل أفراد حكومته. إذا كان للمؤقت معنى فهو ماثل في صورة وأذهان حكام تونس اليوم
ضعف الجيش التونسي الذي لا يصل تعداده إلى الأربعين ألف ، مهمش منذ نشأته ، لا توكل له حتى المهمة الأساسية التي تعرفه ألا وهي حماية الحدود. فحدود تونس تحميها منذ عهد بورقيبة القوى العظمى وعلى رأسها فرنسا ثم الحلف الأطلسي وأمريكا. وبسبب ضعفه هذا دافع بعض السياسيين على بقاء الحكومة المؤقتة التي إن هي حلت فسحت المجال لانقلاب عسكري في ظاهره تونسي وحقيقته خارجي. فالجيش التونسي غير قادر وحده على حكم البلاد.
الوعي الكبير لدى النخبة السياسية التي لم تنفك على الأقل في العلن تدعو إلى الديمقراطية الحقيقية التي لا تقصي أي طرف شرط قبوله بالدولة المدنية.
الوعي الظاهر للشعب التونسي بكل أطيافه والذي برهن على نضجه بنبذ العنف بل وبيقضته وقدرته على تفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر من بقايا النظام البائد. لقد أعجبت أيما إعجاب بتلك الجموع المتظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة أمام مبنى وزارة الداخلية ، يمر "الترامواي" فيفسح الجمع له المجال ليعبر بهدوء فلا يرميه أحد بحجر أو قارورة كما يفعل كثير من الشباب في بلدان أخرى. سألت أحد المتظاهرين لم تفسحون له الطريق فأجاب ببساطة: لأنه يحمل أناسا آخرين إلى بعض شأنهم ولا أريدهم أن يتأخروا كما لا أسمح لهم أن يمنعوني من التظاهر.
أما مشاركة المرأة في التظاهر فهي ظاهرة أخرى تنم على مستوى التحضر الذي بلغه الشعب التونسي. لا يؤذيها أحد وهي وسط الجموع . تصورت تلك النسوة في جمع من السعوديين مثلا، ماذا كان يفعل بهن ؟؟
هناك عوامل أخرى تضاف إلى قائمة ما هو لصالح انتصار الإسلاميين في تونس وتزيد من عظم مسؤوليتهم في إنجاح التجربة ألا وهو الكم الهائل من التجارب الإسلامية التي فشلت في معظمها. وللحركة عناصر قوة كثيرة خاصة بها أذكر منها ما يلي:
رصيدها النضالي الطويل المدى
تميزها بالوعي السياسي ومن علاماته طلبها لتأشيرة العمل السياسي العلني في إطار حزب وذلك منذ سنة 81 بينما ظل إسلاميون آخرون يرفضون هذا الشكل من العمل ويحلمون بتغيير المجتمع بوسائل أخرى من مثل إعداد قاعدة صلبة وتنظيم يفوق تعداده ال12 ألف, مستندين لحديث الرسول الكريم ص " لن يغلب إثنى عشر ألفا من قلة" ويضعونه هكذا في غير محله.
وحدة صفها إذا لم يقع فيها أي شرخ تنظيمي ينافسها في الساحة الإسلامية
استفادتها من جو الحرية في منفاها الأوروبي خاصة حيث التكوين ورفع المستوى وتحرير الذهنيات وكذا التجارب النضالية الغنية ، ورب ضارة نافعة.
الخبرة التي حصل عليها أتباعها في المجال السياسي والنضال الحقوقي والعلاقات القوية التي ربطوها مع القوى النشيطة في هذين المجالين.
لعل أهم تلك العناصر كلها هي إبقاء الحركة على الطابع السلمي لنضالها ومطالبها رغم المحاولات اللا متناهية للنظام لدفعها للتطرف بكل الوسائل.
هكذا ، بكل هذه العوامل التي تحسب لصالح حركة النهضة فإن تصدرها للعمل التغييري في تونس مضمون لها إلا إن أبت.
س: وكيف تأبى؟
م إ: تأبى إن هي لم تحسن استغلال كل هذه العوامل التي لم تجتمع حسب ما أعلم لأي قوة سياسية في عالمنا المعاصر كما اجتمعت لها.
س: هل من تفصيل ؟
م إ: على حركة النهضة أن تعتمد خطابا واضحا وتتجنب تصرفات قتلت أو أضرت بتجارب إسلامية أخرى. والغبي الغبي من لا يتعض بغيره. وهاهي تجارب مقدمة لها على طبق بلا عناء تستطيع أن تبني عليها ما تشاء.
1 عليها أن تستفيد من الثورة الإيرانية فلا تعادي جيرانها ولا تسعى لتصدير ثورتها بتلك الطريفة الفجة المفزعة. أنتم تذكرون ذاك الرعب الذي أحدثته الثورة الخمينية في سنواتها الأولى باختطاف الصحافيين الأجانب حيث وصلت إليهم أيدي منظمات تمولها إيران. أما صدام حسين فلم تشفع له تهنئته للإمام الخميني بانتصار ثورته ورغبته في حسن الجوار معه وكانت النتيجة كما تعلمون حربا بين الأشقاء أفسدت الكثير. لعل الثورة الإيرانية كانت آنئذ في حاجة إلى حرب وإلى عدو مفتعل تبرر به إقصاءها لمعارضيها وهذا حديث آخر.
2 أن تستفيد من تجربة الجزائر الجارة و بالتحديد تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أخذت فرصتها في عرض نفسها على الشعب وفازت برضاه لكنها لم تحكمه. وفشلها في ذلك لا يعود إلى عوامل خارجية بحته متمثلة في الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش ضدها بل إنها تتحمل جزء كبيرا مما وقع في الجزائر.
س: وكيف ذلك ؟
نسيت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن ذلك التأييد الشعبي لها والانتصار في الانتخابات ليس من صنيعها وحدها بل هو نتيجة لخيار حدده آخرون خارجها وعلى رأسهم الرئيسين الشاذلي بن جديد و الفرنسي فرونسوا ميتيران. أما أحداث 5 أكتوبر فحولها كثير من التحاليل والحقائق الخفية. أن تنتصر الجبهة الإسلامية في عملية سياسية ليس هي من يتحكم في بداياتها ونهاياتها لا يعد انتصارا حتى لو صوت لها الشعب كله.
لم تكن الجبهة الإسلامية وقتها تملك وسائل سياستها الراديكالية تلك، فهي حصلت على أغلبية لأن آخرين فسحوا ذاك المجال. فهاهم لما منعوها حتى من الترشح أو العمل الحر لم تحصل على أي شيء لأن ترشحها أصلا منحة ممن قرروا ذلك. صحيح أنها دافعت عن حقها وصبرت وصحيح أيضا أن الشعب واصل دعمه لها ولم يخذلها قط. وصحيح أنه عزف عن الصناديق لما غابت عنها لكن النظام تأقلم مع تلك النسبة الضئيلة للمشاركة وحكم البلاد على هواه.
حركة النهضة التونسية وكل المؤشرات تدل على أنها ستأخذ فرصتها في عرض نفسها على شعبها في انتخابات حرة ونزيهة يجب أن تأخذ الدرس كاملا من إخوة لها أخطأوا التقدير وكان ما كان. إن فرصة كهذه لم تأت بها حركة النهضة وحدها بل توفرت عوامل كثيرة وضحى من أجلها أفراد وجماعات من كل التيارات.
هناك درس آخر غاية في الأهمية نستخلصه من تجربة الإسلاميين في الجزائر وعلى حركة النهضة أن تعيه كاملا ألا وهو الإقصاء. إقصاء الضعفاء والذين لم ينالوا من أصوات الشعب إلا القليل.
يذكر الجميع تلك الصورة métaphore التي كان يحلو للشيخ عباسي مدني تكرارها على مسامع الصحفيين والمتمثلة في مقارنة الفيل بالنملة الفيل الذي يرمز إلى الجبهة والنملة التي ترمز إلى الآخرين مرة إلى الإسلاميين وأخرى إلى باقي التيارات الفكرية والإيديولوجية.
لقد اعتدت الجبهة الإسلامية بنفسها بدافع التشجيع الشعبي ولم تدرك أن الديمقراطية هي الحل. وهي الضمان وصمام الأمان لكل الشعوب. والديمقراطية ببساطة هي حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية أي لا بد من تعايشهما وتواجدهما معا على الساحة السياسية.
الحزب الواعي والناجح هو ذاك الذي يحافظ على الإطار التعددي الذي لولاه لما حصل على الأغلبية. إن الديمقراطية هي تسليم الأقلية للأغلبية بحكم البلاد شريطة تسليم الأغلبية للأقلية بالحق في الحياة والتواجد وحرية العمل لعلها تصبح يوما أغلبية.
الجبهة الإسلامية لم تحترم هذا المبدأ ولم تكن بذلك ديمقراطية ولذلك استطاع أعداءها النيل منها وحلها, لقد كثرت الجبهة الإسلامية أعداءها بغير وعي ، إذا خاف منها الشرطي والدركي والمرأة والفنان وحتى غير الملتحي فكيف يا ترى يمكنها النجاح!?
3 أن تستفيد من تجربة الإخوان المسلمين عامة وفي مصر خاصة الذين ولعله بسبب شدة النظام المصري عليهم بدأ باغتيال الشهيد المؤسس إلى اليوم. وبحكم الوزن الكبير لمصر وتأثيرها على النظام الدولي ومدللته إسرائيل في حال حدوث تغيير فيها, كل تلك العوامل جعلت الإخوان المسلمين ينشطون في إطار غير سليم جعلهم يظهرون كأنهم "يبدون عكس ما يخفون", مما يجعل إسقاط خطابهم على القواعد السياسية المعهودة لا يتناسب فترى السياسيين وخاصة الأكاديميين منهم غير مرتاحين لذلك الخطاب والتموضع الفكري ele paradigm.
كيف يمكن لسياسي يعيش في مصر يفكر ضمن قواعد وأسس ومبادئ علمية أن يفهم تلك المقولة لشيخ الإخوان رحمه الله:" أيها الإخوان أنتم لستم حزبا سياسيا ولا جمعية خيرية .. ولا .. ولا .. ولكنكم روح هذه الأمة ". فلا غرابة أن تكون هذه الأمة بدون روح وقد غيب عنها الإخوان المسلمون.
س: ذكرت كثيرا مما يجب أن تتجنبه حركة النهضة فما هي الأشياء التي يجب أن تقوم بها؟
م إ: لا أريد أن أطيل فما يجب على الحركة كثير حتى لا تفوت هذه الفرصة التاريخية على الأمة واكتفي هنا بالخطوط العريضة للخطاب الذي يجب أن تعتمده.
الخطاب
حركة النهضة ستنجح في أخذ الصدارة في الساحة السياسية بتونس بقدر وضوحها ودقة خطابها, وعدوها الأول هو الضبابية إذ كيف ستعرف بنفسها إذا كانت هي ذاتها متعلقة بين الأرض والسماء لا تدري إن كانت ضمن بني البشر تجتهد اجتهادهم وتألم كما يألمون أم أنها يأتيها الخبر من السماء .
الخطاب يكون كما يلي:
يا شعبنا التونسي نحن حزب أي جمعية ذات طابع سياسي, شأننا شأن باقي الأحزاب, نأخذ جميعنا اعتمادنا من وزارة الداخلية للدولة التونسية الموقرة. نحن بشر نصيب ونخطئ, نحن نؤمن أن كل مجموعة بشرية حرة في اختيار نظام حياتها, وأنه لا إكراه لأحد إلا بقدر ما تعهد بنفسه على احترامه في تنازل منه لصالح المجموعة التي يعيش ضمنها.
أما في المرحلة الحالية -أي الانتقالية- فإن كل الأحزاب متساوية ليس فقط في طبيعتها كجمعيات سياسية تريد الوصول إلى حكم البلاد بحسب التعريف الأكاديمي, نعم متساوية لأنها لا تمتلك من شرعية إلا بإعلانها عن رغبتها في أن تتأسس كذلك, فلا يزايد أحد على أحد حتى يمر الجميع على ميزان الشعب في انتخابات حرة ونزيهة لا يقصي فيها أحد أحدا لأن الإقصاء كما سلف وأن ذكرناه احتكار الشعب والشعب وحده.
حركة النهضة تقبل حكم الشعب فيها وتدعو الجميع إلى قبوله في اجتماع شامل (consensus) بينها على أن يقبل كل حزب الوزن الذي أعطاه الشعب إن كثير فكثير وإن قليل فقليل وإن لا شيء فلا شيء.
في هذه الحالة الأخيرة يجدر بالحزب الذي لم يعطه الشعب شيئا أن يحترم نفسه وينسحب من الساحة السياسية إلى مجال آخر يعمل فيه كما يشاء حتى يقنع جزء من الشعب بفكرته.
أما صفة الإسلامية فإن بعض الدساتير التي تنص على ألا تتسمى بها الأحزاب فهي محقة في ذلك, والإسلام ملك للجميع وليس لحركة النهضة أن تستأثر بهذه الصفة التي تربح بها خطوات أمام منافسيها من باقي الأحزاب في مجتمع يدين بالإسلام وهو به معتز.
حركة النهضة تتنازل طواعية عن استخدام هذه الصفة فتنطلق بالتساوي مع باقي الأحزاب في سباق سليم ومسالم . وحتى صفة المشيخة التي كثيرا ما تلحق برجالاتها فحري بها أن تبتعد عنها وتناديهم بالسيد فلان والسيدة فلانة وكذلك تترك المساجد للجميع وتنأى بها عن الاستغلال السياسي.
س: فما علامة إسلاميتها إذا ؟
م إ: برنامجها, نعم حركة النهضة تقدم للشعب برنامجا واضحا تؤكد فيه على أنها في حال قبول الشعب لها فإنها ستجعل المجتمع يستفيد من محاسن الشريعة وذلك بالقدر الذي يريده الشعب وليس بما جاء في الشرع.
س: كيف ذلك ؟ هل ترفض حركة إسلامية كالنهضة تطبيق الشريعة ؟
م إ: المجتمع التونسي وكل مجتمع حر في تقرير أي نوع من القانون يحكم به. القرآن نفسه يقول" لا إكراه في الدين " ويؤكد للرسول الكريم "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين? "
تطبيق الشريعة الإسلامية مرهون باستعداد الشعب لقبول ذلك.
س : ما الفرق إذا بين حركة إسلامية وحركة لائكية أو علمانية ؟
م إ: الفرق بينهما هو أن الحركة الإسلامية تنوي تطبيق الشريعة الإسلامية متى سنحت الفرصة وتوفرت الظروف وقبل الشعب فهي وإن تعاملت بواقعية مع المحيط الذي تعمل فيه تبقى لها رسالة وهدف يتراءى لها مع الأفق وهو أن يحكم الشعب بشرع الله ولكن بطلب منه ودون إكراه . أما الحزب الغير إسلامي فهو لا يفكر في ذلك ولن يحكم بحسب الشريعة ولو بعد حين بل إلى الأبد.
والحقيقة أن الحزب الإسلامي ليس وحده من يحدد للأمة شكلا من الحكم في الأفق فكل الأحزاب لها نماذج تصبو إليها إما يمينا أو شمالا ومهما كانت واقعية الأحزاب وحتى في الدول العريقة في الديمقراطية إلا أن شيئا من الرسالية, من المبدئية يلازم كل حزب . ألم تر إلى هذا الرئيس أو ذاك يطبق إصلاحات إدارية أو اقتصادية مرفوضة شعبيا لكنه يستميت في وضعها حيز التنفيذ مستغلا شرعيته الانتخابية وما يخوله له القانون والدستور وذلك لقناعة عنده أن ما يفعله هو لصالح المجتمع الذي يتظاهر جزء منه ضده.
لكن الشعب يبقى السيد والحكم وينتظره في الموعد الانتخابي القادم فيصدر فيه حكمه بكل سيادة.
حركة النهضة هكذا تفعل مستميتة في الحفاظ للشعب على حق مطلق في مراقبة حكامه وفي التمديد لهم في الحكم أو رفضهم. لحركة النهضة مشروع تقنع به الأمة; مشروع تحرير للإنسان من سيطرة شهواته وغرائزه التي تجعل منه عبدا تتحكم فيه اللوبيات المالية والإعلامية.
ألا ترى أن البشر اليوم يحكمون بغير ما يشتهون حتى في المجتمعات التي تحسب على الديمقراطية. لما نسيت البشرية أن الإنسان كالطائر لا يطير بجناح المادة وحدها بل لابد من له غذاء من للروح أيضا لأن الإنسان لا يقوم وحده وبذاته وإنما هو بحاجة إلى العودة إلى الله للطابع المحدود لمداركه وقواه. إن الشريعة الإسلامية كلها خير للبشرية لكن القرآن منع الداعين لها من فرضها بالقوة وإنما يقدمونها بالحسنى " وجادلهم بالتي هي أحسن " و"وقولا له قولا لينا".
حركة النهضة لها رسالة تبلغها لمجتمعها وللبشرية جمعاء " أن ما عند الله خير" وبطريقة " لا إكراه في الدين "
تعيش البشرية اليوم في عالم أفضت فيه التجارب الإنسانية إلى تعميم الديمقراطية سياسيا وسيطرة السوق الحر اقتصاديا حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار أن العالم بلغ نهايته لأن هذا الوضع هو نهاية مطافه ولم تبق له ابتكارات أخرى يضيفها.
س: كيف تنظر إلى مستقبل تونس ؟
م إ: أراه جميلا جدا ، سيتحسن اقتصاد تونس كثيرا وستكون التنمية فيها عالية ومستدامة أيضا. لقد اكتشف التونسيون أن اقتصاد بلادهم ليس بذاك المستوى الجيد الذي كان النظام السابق يروج له دعاية كاذبة. الحقيقة أنه أكثر هشاشة مما كان يبدو وذلك لغياب الشفافية وسيطرة العصابات المختلفة على مفاصله. السياحة مثلا كانت هدامة ولم تكن مستدامة والاستثمارات غير رشيدة. والمستفيد الوحيد منها هو تلك القوى الخارجية التي تتعامل بالرشوة وتستفيد من حماية ودعم النظام لها, أما المستهلك المواطن فقد وقع تحت غلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية وكذا الدعاية والتسهيلات للاستهلاك بالقروض. كل ذلك رهن مستقبله وكبله وعمم التعاسة وعدم الاطمئنان والخوف من المستقبل المجهول .
تونس المستقبل ستنهج طريق تنمية مستدامة محورها الإنسان. أتوقع للسياحة أن تنتعش. ولئن قدم إلى تونس السنة الماضية مليون وسبع مائة ليبي ومليون وأربع مائة ألماني ومليون ومائتي جزائري فإني على يقين أن هذه الأعداد ستتضاعف لذهاب ذاك الكابوس المتمثل في الفساد والاستبداد. أيضا ستنتعش الاستثمارات الآتية من الدول العربية ومن أوروبا وأمريكا أيضا ولم لا من آسيا.
تونس اليوم على أحسن استعداد لاستقبال السياح والاستثمارات . وهي على أحسن استعداد لتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية ..إنها تمر بفترة استثنائية.
أما حركة النهضة فهي لا شك مدعوة لتلعب دورا كبيرا في تونس المستقبل ولا يمكن بحال تجاوزها أو تجاهلها وسيقبل بها الغرب ويتعامل معها . ستكون تونس تركيا العالم العربي يحكمها الإسلاميين والنظام الدولي قابل بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.