فالمناخ العام لا يزال مشوبا بالإحتقان و الفوضى و الشعب الغارق في المشاغل الإقتصادية و المسكون بهواجس غلاء المعيشة و إنعدام الأمن لا يعير الكثير من الأهمية للإنتخابات في حين تتكاثر الأحزاب كل يوم كأن كل تونسي يعتبر نفسه زعيما محتملا و قادرا على تجميع الناس حوله، و تنخرط في صراعات ديكة و هي عاجزة على الإهتمام بما يدور حولها و على الوعي بالمخاطر المحدقة بالموعد الإنتخابي القادم. خطر تزوير الإنتخابات: يخطئ من يعتقد أن الإنتخابات سوف تكون مثالا في الشفافية و النزاهة فحتى البلدان الأكثر عراقة في الديمقراطية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية و فرنسا شهدت عمليات تزوير مشهورة فما بالك ببلد يشهد أول انتخابات ديمقراطية و ما يضاعف المخاوف في هذا الشأن: الحديث عن أسماء أموات في قائمات الناخبين فمن قام بذلك و ما هدفه؟ و ربما ما خفي كان أعظم خاصة و أن عزوف أغلب التونسيين عن التسجيل في التاريخ المحدد ثم إقبالهم خلال فترة التمديد لترتفع النسبة من 33% إلى 55% يثير الدهشة. تم الإعلان بعد الثورة عن اللجوء لمراقبين أجانب للإنتخابات ثم تم التراجع عن ذلك للإكتفاء ببعض الملاحظين الأجانب !!! من المعلوم أن ما يسمى باللجنة المستقلة هي هيئة ذات لون سياسي واحد (لون أصدقاء الغرب: فرانكو لائكيين و يساريين و من المتسامحين مع التطبيع) و قد طالب البعض بتوسيع اللجنة و تفتحها على توجهات أخرى و لكن رئيس اللجنة كمال الجندوبي رفض ذلك بشدة لتبقى لجنته محافظة على صفاء لونها عصية على كل متطفل. أعلن الجندوبي في تصريح مثير للدهشة إمكانية التصويت ببطاقة التعريف لمن هو غير مسجل، و هي طبعا أفضل طريقة للتزوير و التدليس فأغلب من لم يقوموا بالتسجيل رافضون للمشاركة و فتح هذا الباب سوف يؤدي إلى ملء الصناديق في غفلة أو غياب المراقبين .والمطلوب رفض هذا المقترح جملة و تفصيلا، إذ من سوف يستفيد منه ياترى للتصويت مكان من لايرغب في ذلك؟ خطر الإنفلات الأمني شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا غريبا للإنفلات الأمني و عمليات تخريب و سطو وترويع في عدة مدن و مناطق . فقطع الطرق متواصل في ظل غياب الدولة القادرة على فرض القانون والأمن و الصراعات الدامية بين بعض الأحياء و العروش لم تخمد نارها و يخشى أن تزداد تأججا بمناسبة العودة المدرسية خاصة في مناخ يتميز بإحتجاجات الأساتذة ضد تعيينات بعض المديرين رغم أن وزارة التربية تواصل الخضوع الكامل لخيارات و تصورات النقابات. و ربما تغتنم عصابات التخريب فرصة تعبئة الجيش و قوات الأمن للحرص على حسن سير الإنتخابات لإرتكاب جرائم. و يمكن أن يمنع ناخبون من التوجه لمكاتب الإقتراع. و لا ننسى أن هناك أحزاب تتوفر لديها أموال طائلة مخصصة للإنتخابات و بإمكانها إستعمال أساليب ترغيب و ترهيب لبلوغ أهدافها. قد لا تكفي قوات الجيش و الأمن لتوفير الأمن و تأمين الإقتراع و ربما يكون من المفيد التفكير في إجراء الإنتخابات في يومين مختلفين حتى يتم نقل القوات من مكان إلى آخر. خطر عودة الأحزاب التجمعية من النافذة : عندما قررت هيئة الجندوبي تأجيل موعد الإنتخابات كان الهدف غير المعلن هو تقوية صفوف التيار الذي تمثله بتكوين القطب الحداثي و افتعال قضايا تسيء للإسلاميين و تثير مخاوف الناس منهم و لكنها فشلت في تكوين القطب اليساري الضخم ولم تنجح الا نسبيا في الإساءة للاسلاميينو كان التأجيل في صالح التكتل الذي توجهت له نوايا تصويت كانت مناصرة لحزب نجيب الشابي، و حزب العمل التونسي. كما استفادت الأحزاب التجمعية التي تناسلت مستغلة تواطئ الإدارة و استرخاء التونسيين حتى أن بعضها يؤكد أن لديه 80 ألف منخرط و هو ما لا يتوفر لغير حزب النهضة. و لو تم جمع منخرطي أحزاب محمد جغام و كمال مرجان و عبد المجيد شاكر و الصحبي البصلي و محمد بن سعد و الأحزاب التجمعية الصغيرة (أكثر من 20 حزبا) و أحزاب الموالاة الخمسة فمن الممكن أن تحصل هذه الأحزاب على المرتبة الأولى أو الثانية في الإنتخابات. إلا اذا كانت لها استراتيجية مستقبلية تقوم على التضحية بالتأسيسي من أجل ما بعده أو أثر عليها حرمان رموزها من الترشح . و مهما يكن من أمر فقد أصبح للأحزاب التجمعية وزن لا يستهان به. و لا نستغرب أن تسعى أحزاب معادية للإسلاميين مثل حزب نجيب الشابي الذي يريد بكل الطرق للوصول إلى السلطة ، و حزب التكتل لمصطفى بن جعفر الذي تخلى عن التمسك بالهوية العربية الإسلامية مقابل تعزيز صفوفه بوجوه من اليسار و النساء الديمقراطيات ، و حزب العمل الذي يرفض أي تحاور مع الإسلاميين، للتحالف مع التجمعيين ، بعد الإنتخابات، للحصول على الأغلبية في المجلس التأسيسي و تكون بذلك الفرصة سانحة للتجمعيين لإملاء شروطهم و العودة للحكم من النافذة بعد الخروج من الباب. خطر حملة انتخابية بلا ضوابط و لا أخلاقيات:
رغم أن الحملة الانتخابية لم تنطلق رسميا بعد، فإنها انطلقت فعليا منذ أشهر حيث استغلت بعض الأحزاب ما توفر لديها من أموال (مصدرها غير واضح) لتشرع في حملات سميت حملات للتعريف بالأحزاب. فأطلق نجيب الشابي حملة يقال أنها بلغت 3 مليارات من المليمات لنشر صورته و صورة مساعدته في كل الصحف و الأماكن العمومية، ثم تلاه مصطفى بن جعفر بحملة أقل حجما شملت الإذاعات و الأماكن العمومية.و انخرط البصيري بوعبدلي في الحملة بلقطة تلفزية حول حزبه الليبيرالي المغاربي و اختارت النهضة القيام بأعمال خيرية. و فجأة ظهر حزب جديد ، هو الاتحاد الوطني الحر، ليغزو الساحة و يسكب فيها أموالا طائلة و بدون حساب و رغم عدم معرفة الناس به بعث 120 مكتبا في كامل تراب الجمهورية و وزع الأموال على الناس و حتى على المؤسسات التي تمر بصعوبات مما غذى الإشاعات و الريبة في الفايس بوك ، حول صاحبه، سليم الرياحي، الشاب الذي يزن، حسب تصريحه 4 آلاف مليار من المليمات، بين من يدعي أنه صديق لسيف الاسلام القذافي و من يعتبره عميلا لبريطانيا التي يحمل جنسيتها و من يعتبره عميلا مزدوجا لليبيا و بريطانيا. و رغم أن الهيئة العليا و ربيبتها اللجنة المستقلة بعثتا لترتيب العملية الانتخابية فإنهما فضلتا الإستئثار بالحكم و الافتاء في كل المواضيع و إصدار المراسيم و عدم الاهتمام بما يحدث و الذي وصل إلى الضرب تحت الحزام. و قد أصدر الجندوبي مؤخرا قرارا بمنع الاشهار السياسي بداية من 12 سبتمبر أي بعد فوات الأوان ، و هو ما اعتبره حما الهمامي مهزلة. و لم نسمع عن ضوابط و لا عن أخلاقيات في الحملة التي شهدنا تجاوزاتها قبل أن تنطلق فماذا ينتظرنا في قادم الأيام؟ أحزاب تركز على التهجم على غيرها عوض التعريف ببرامجها و توجهاتها ( لا موضوع لحملة نجيب الشابي غير الحرب على حركة النهضة مثلا و هو ما انخرط فيه أيضا سليم الرياحي)، صحف تنشر الأكاذيب و الترهات (نشرت جريدة خبرا عن اعتداء ملتحين على فتاة بحمام الأنف للتخويف من الإسلاميين و هو ما كذبه الجيش و الشرطة ) قنوات تلفزية تخدم أحزابا دون غيرها و تبث التفرقة و الانشقاق بين التونسيين، ريبة و شك و سوء نية من كل مبادرة : اتفق الشيخ عبدالفتاح مورو مع قناة تلفزية على تقديم أحاديث رمضانية فثارث ثائرة هيئة بن عاشور و لجنة كمال العبيدي و نقابة الصحفيين و رأوا في ذلك إشهارا سياسيا للنهضة و أصدروا بلاغات التنديد التي غابت عقب حملات الشابي و بن جعفر و الرياحي التي تدر أموالا كبيرة على وسائل الإعلام، وتجاهلت حضور زعيمة حزب آفاق تونس في مختلف القنوات و برنامج عبد الستار عمامو الانتقائي. و تم استدعاء مورو لإلقاء درس في مسجد الشابة فاقتحم يساريون المسجد و دنسوه لمنع الدرس. و حين قام أئمة من باجة بحفل ختان أبناء الفقراء شك عضو (سابق أو حالي بالحزب التقدمي ؟) في انتمائهم للنهضة فحاول إفساد التظاهرة. إنها ظواهر قد تتفاقم في ظل تكالب على السلطة و سعي محموم للفوز بمقاعد التأسيسي.
و هذه المخاطر، بالإضافة إلى إمكانية رفض بعض الأطراف و الفئات لنتائج الإنتخابات وإن كانت نزيهة، لعدم فوز مرشحيهم، و هو سلوك أصبح عاديا لدى التونسيين ، قد تفتح الأبواب على المجهول و تتطلب من التونسيين المتمسكين بثورتهم أن يكونوا يقظين و أن لا يتركوا المجال لمن يتآمر عليها