لا اسمع منذ ثمانية أشهر إلا شعارات براقة ،وعناوين سياسية محل اتفاق وتوافق في الظاهر: الديمقراطية ،سيادة الشعب ،الانتخاب ،الشرعية ... وان كنت انزعج أيما انزعاج حينما تلوكها السنة وقنوات أصابها فترة من الزمن داء النفاق فأشفق على الشعب المسكين أو لأقل على قطاعات منه جهلها الإعلام زمنا طويلا وهو اليوم يغيّب عنها حقائق الماضي القريب فضلا عن البعيد ،فحينما لا تعرف مقام الحديث بتمامه يتيه المعنى الحقيقي بين العنوان البراق والدلالة الحرفية وضبابية المقام ...لا زالت أغلب الصور واهم الأحاديث يعلوها غبار عاتم ،مصطنع والمواطن السالب، المسلوب الوعي ذلك الذي يأخذ الدلالة الحرفية لأحاديث السياسة وبيانات الصحافة.أشفق بصدق على المواطن المشغول بلقمة عيش عياله يعود منهكا فيجلس إلى التلفاز ساعة أو ساعتين فإذا وجوه شاهتها ممارسات الماضي البعيد أو مواقف الأشهر القريبة تصرح باسم الشعب وباسم الخوف على المواطن من الغموض وباسم كل عنوان براق أنها ترى ما لا يرى من خطر داهم عليه وعلى الحداثة والديمقراطية و...مسكينة المرأة التي لا تعرف من بعض القنوات إلا أنها قناة للإعلام والإخبار بكل براءة أما مقام الحديث فلا تعرف منه شيئا ،يحدثونها اليوم عن الاستفتاء وسيادة الشعب ووضوح الرؤية...قبل أن نفهم الرسالة دعونا نعرف المرسل والمرسل إليه وسياق الرسالة ... وبين يدي الدعوة إلى الاستفتاء اليوم نفكك طلاسم المقام ،هل تكفي دلالة العنوان لتحديد مقصده وغاياته؟وهل يمكن أن يقصد متكلم ما قول شيء آخر غير ما تدل عليه الدعوة حرفيا؟ هل يمكن أن يقال كل ما يقصد؟ لماذا اشتدت الدعوة إلى الاستفتاء هذه الأيام من قبل شخصيات وجمعيات وأحزاب بل وجندت لها قنوات إعلامية وطنية جانبت الحياد وأموال حام حولها الارتياب ؟ صبرك أيها الشعب ، صبرك أيها المواطن الطيب الذي يريد ساسة طيبين ،مشفقين على وقته ومقدراته ومستقبله ولكن البعض أراد لك الإرباك والتشكيك وعدم الثقة فيك؟ ألا يستحق هذا الشعب ثقة في قراره ورقابته ؟ألا يستحق أن نمنحه فرصة استكمال ثورته الهادئة؟ جميل عنوان الاستفتاء على المجلس التأسيسي أو هكذا يبدو ولكنه لم يكن حديث القصبة 2 ولا مطلبا من مطالبها ولا عنوانا من عناوين الجدل الدائر في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ولا موضوعا من مواضيع الصحافة الساخنة بضعة أشهر ومن قبل كان العهد الجمهوري موضوعا مختلقا للتشويش على الثورة وأهدافها المأمولة والمعلقة على انتخاب المجلس التأسيسي ؟ أسئلة مخيفة تنتابني هذه الأيام: هل يكفي الثورة أية ثورة صياغة دستور جديد لتحقق غاياتها؟ ما الذي أسسنا له قبل صياغة الدستور؟ هروب الدكتاتور! وهل يعد ذلك دحرا للدكتاتورية؟ ليختار الشعب من يستكمل ثورته ويصوغ دستوره ويطهر إداراته ويستكمل ثورته التشريعية والقانونية ؟ الم يكن في الدستور السابق من البنود ما يتناقض مع الممارسات بل والقوانين التي عانى منها الشعب سنينا ؟ أريد أن أتساءل أيضا لماذا أجد اليوم من التجمعيين ورموزه الكبار دعاة على باب الاستفتاء ؟ ألهذا الحد يلتقي البعض معهم ولا يفكر فيما يعنيه هذا الالتقاء من معان ودلالات للاستفتاء ؟ ماذا يمكن أن يحدث بعد ستة أشهر أو اقل كما عند رغبة البعض :دستور جديد، حكومة السبسي ورجاله في الحكم،المبزع ما يزال رئيسا مؤقتا، الإدارة على حالها ،القضاء على حاله ،الأمن بنفس العقلية ، نفس البنية التشريعية والقانونية الظالمة جباية وصحافة وإعلاما وقضاء ...بعد ستة أشهر يعود الممنوعون من الترشح للمجلس التأسيسي من أزلام النظام السابق من المجرمين والمختلسين فماذا يجدون ؟ إعفاء من المنع ،دستور ديمقراطي ،أموال وممتلكات ومواقع لا زالت تحت أيديهم ،إدارات لهم في كل واحدة منها متوّهون وملفات قد أصابها التلف والضياع فهل وقعت الثورة لأجلهم؟! ...