كم أنت رائعة يا تونس؟... كم أنت رائعة يا تونس؟... نعم كم أنت رائع و جميل يا وطني العزيز؟... كم؟ و كم؟ و كم؟... نعم يا أبناء وطني إنّ لنا وطن رائع و جميل و معطاء، كم هو حنون و سخي، ليس مع أبنائه فحسب بل و أشقّائه و ضيوفه، و لكنّ المشكلة و الكارثة عندنا في رجال السّياسة الجاثمين على صدورنا منذ عقود و الذي أفضّل أن أنعتهم « برجال الغدر و الخباثة » لأنّني لا أرى سياسة في أدائهم بل غدر و نفاق و « خباثة » و ممارسات إجرامية في حقّ الوطن و الشّعب، كما أنّه لا علاقة لأدائهم بالسياسة التي هي في اللهجة التونسية تعني اللّطف و الرّحمة و حسن المعاملة. إن بلادنا تونس رائعة و تعتبر جنّة على وجه الأرض فلها إنتاج وفير من كل الأصناف، تين و زيتون و نخل و رمّان و حبوب، و بها جبال خضراء بديعة المنظر و صحارى تنتج أجود أنواع التّمور و شواطئ رائعة و طبيعة ساحرة و مناطق أثرية تحكي تاريخنا الثري و الغزير. تصوروا لو كانت هذه الثورة في بلد آخر لسقط الآلاف من الأرواح و الضحايا، و لكن تونس حافظت على أبنائها و كذلك شعبها حافظ عليها في أحلك و أخطر أيّام الثورة، و كل الشّهداء الذين سقطوا إبّان الثورة لم يكن سببه الاقتتال بين أفراد الشعب التونسي بل قتلهم النظام الظالم و الإجرامي البغيض، و لمّا عجزت الحكومة عن القيام بدورها في قيادة وحماية البلاد طلب الوزير الأول الغنّوشي من التّونسيين أن يحموا وطنهم و يدافعوا عن أنفسهم « و هذه تحسب له » و في حينه انبرى الكل كهولا و شيوخا و صبية من أجل الذود و الدفاع على الوطن العزيز و حماية الشعب من المخطّطات الخبيثة و الإجرامية التي أعدّت لنشر الفوضى و البلبلة في كل أنحاء البلاد و إذكاء نار الفتنة بين أفراد الشعب المتأصّل و الطيّب، و مباشرة بعد ذاك النداء تكوّنت التشكيلات الشّعبية التي دافعت على تونس بالعصي و الهراوات و هذه تعتبر فضيحة كبرى من فضائح النظام الذي حكمنا أكثر من خمسة عقود تحسب عليه و يدان عليها، فعوضا من أن يوكل هذا الدور للأجهزة الأمنية المدرّبة و المدجّجة بأحدث الأجهزة و التقنيّات، خرج المواطنون من كل الأعمار، أطفالا و شيوخا ليحرسوا الوطن بهراوات و عصي « و كما قال أحدهم بالدبابيس » و كأنّنا شعب بدائي ليست له دولة حديثة و ليست له مؤسسات، واختفى رجال الأمن مع التجمّعيين لأنّهم كانوا يمثّلون العصا الغليظة و الأدوات التي حكم بها الطاغية فلم تكن علاقتهم بالمواطنين طيّبة و لم يكن الشعب راض عنهم و كان يستهدفهم. و لقد احتضنت تونس في أوج ثورتها الأشقّاء من القطر اللّيبي رغم الظروف الصعبة التي مررنا بها من فوضى و عدم استقرار كما احتضنتهم قبل قرن إبان الغزو الإيطالي، و بالطبع تونس و شعبها اليوم لا يتوانون عن تقديم الدعم و المساعدة لهم و تموينهم بمختلف المواد الغذائية و إلى غيره من المواد الأساسية، كما اجتهد الشعب التونسي في توفير الإغاثة و الإحاطة الصحية لكل اللاجئين من مختلف الجنسيّات، و يجدر التذكير بأنّه لحدّ اليوم توجد بتونس عائلات من أصول ليبيّة لجأت منذ قرن و استوطنت و استقرّت بالبلاد من شمالها إلى جنوبها و لا يشاهد أي نوع من التمييز ضدّهم، كما أنّ الشعب التونسي كان من أكبر الداعمين و المساندين للإخوة الجزائريين طيلة حرب التحرير من المحتلّ الفرنسي رغم أنّنا كنّا حديثي عهد بالاستقلال و لم يكن لنا الكثير من الإمكانيات بل كنّا في أشدّ الحاجة للمساعدة آنذاك... و من المعلوم أنّ أغلب القادة و النّخب الجزائرية تكوّنت و درست بجامع الزيتونة الذي كان معمورا فأغلقه بورقيبة سامحه الله بسبب الخلافات السياسية المقيتة التي نشبت بعد الاستقلال مباشرة بين رفقاء النضال و الكفاح من اليوسفيين، و بالأمس القريب استقبلت تونس و شعبها الأشقّاء الفلسطينيين بعد طردهم من لبنان و امتناع الكل عن دعمهم و استضافتهم. حقا لا يمكن القول إلا أن لنا وطن رائع « كم أنت رائعة يا تونس؟...» فمنذ انهيار النّظام و هروب الطاغية بقيت كلّ مؤسّسات الدولة تشتغل و كل المواد متوفّرة رغم الفوضى و الحرق و النهب الذي حرّض عليه أزلام النظام، ففي أوج الثورة لم تفقد المواد الأساسية بل الكماليات متوفّرة للشعب التونسي و لم يقطع الماء و الكهرباء ، و زيادة عن ذلك تصدّر كل المواد للقطر الليبي الشقيق، و تصوّروا التفّاح أبو ستّة دنانير قبل الثورة و الموز كذلك انخفضت أسعارهما للنصف بعدها وهذه من المفارقات الغريبة و العجيبة "و للسائل أن يقول هل يعقل أن تنفق أموال طائلة من العملة الصعبة في توريد الموز و التفّاح و نحن نعيش ثورة...؟ و من وراء هذا التوريد...؟"،. إنّها تونس الرائعة و الجميلة و لكنّ مشكلتنا مجددا مع النخب السياسية التي لم تكن مخلصة و صادقة مع الوطن و الشعب منذ الاستقلال و تأسيس الجمهورية، و بعد الثورة هم يتمادون على نفس النمط في ممارسة الخبث و المراوغة و المخاتلة مع الشعب و الوطن العزيز من أجل تحقيق مآرب شخصية و تنفيذ أجندات و حسابات ضيّقة كما أنّهم لم يعتبروا من غيرهم مثل صدّام و القذّافي و زعيمهم بن على و أصهاره و أقاربه كما أنّ التاريخ حافل بالعبر و الأمثلة من هذا النوع و لكنّهم لا يعتبرون و لا يتّعظون و يستهينون بإرادة الشعب التونسي لأنه كان متسامح معهم ولم تصدر منه ردود أفعال انتقامية تجاههم و لم يمثّل بهم بعد سقوط نظامهم الذي كان يحميهم. و كم أنت رائعة يا تونس؟... فقد تمّ الإبقاء على الحدود مفتوحة مع كل الدول المجاورة و تمّ استقبال اللاجئين من كل الأجناس و الجنسيّات على التراب التونسي و تفاعل الشعب و قام بواجب الضّيافة تجاههم رغم أنّه يعيش ظروف استثنائية من فوضى و انعدام الأمن بعد الثورة و رغم أن الشعب التونسي ليست له من الإمكانيات و الثروات الشيء الكثير. بعد كل هذا ألا يحقّ لنا أن نقول: كم أنت رائعة يا تونس؟...نعم كم أنت رائع يا وطني العزيز؟... توفيق بن رمضان (ناشط سياسي) .