قرأت مقالا لأحد الدعاة يتحدث فيه عن مخاوف مفتعلة لنساء تونسيات من إمكانية أن تسمح حركة النهضة الإسلامية بتعدد الزوجات في حال فوزها في الانتخابات. وقد طرح سؤالا اعتراضيا ليدلل به على عدم مشروعية التعدد كما يفهم من سؤاله "هل يرضى أحدهم أن تدخل على أخته أو ابنته ضرّة؟؟" ثم استشهد بعدم رضاء النبي أن تدخل على فاطمة ضرّة... والسؤال الذي يطرح هل رضاء الناس من عدمه يمكن اعتماده كأصل من أصول الفقه يمكن الاعتماد عليه في التشريع كحادثة النبي هذه. هل رضاء الناس أو سخطهم كلهم أوجلهم مما يوجب حرمة الشئ أو حليّته ولن أغوص في التفاصيل الفقهية والعقدية في هذه الورقة ولكن فقط أريد أن أشير بشكل عابر إلى سبب عدم قبول النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتزوج علي على فاطمة كما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عندما قال"...وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحد. فالسبب إذا ليس المنع على علي بالمطلق ولكن منع له مبرّراته الموضوعية والظرفية. وكيف للرسول أن تكون له الخيرة من أمره"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا"صدق الله العظيم. لذا لا أظن أنه من الحكمة في شيء أن نسأل عن رضاء الناس من عدمه في أحكام شرعية لم يعتدها الناس في بيئتهم خاصة وأنها ليست من الواجبات التي ستفرض على أحد وإنّما إعطاء النّاس حقّهم في ممارسة حرّيتهم الشخصية في إطار المباح شرعا. فالدولة من واجبها أن تكفل للناس الحريات العامة والخاصة وليس من حقها مطلقا أن تتدخل في الحرية الشخصية للأفراد في نطاق المرجعية الإسلامية. ومن خلال التجارب في الدول العربية التي لا تمنع تعدد الزوجات لا نكاد نرى أثرا من خلال الإحصائيات لهذه الإباحة نظرا لعوائق طبيعية تجعل الإقدام على التعدد في غالب الأحيان هو ضرورة أكثر منه شهوة وهو صون لكرامة المرأة وليس هدرا لها كما يسوق البعض والذين يمنعون التعدد هم أكثر من يقيم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وهم أكثر من يتعامل مع المرأة على أنّها سلعة ومتاع وليس شريك في صنع الحياة. أما لو ذهبنا نسأل عما يرضي الناس وقلنا مثلا: هل يرضى أحدهم أن يترك فراشه وينهض من عزّ النوم ليؤدي حقّ ربّه في هزيع الليل المتأخر؟ لكان الجواب بالنفي فنقول لهم إذا ما دمتم لا ترضون الصّلاة لوقتها فلا جناح عليكم صلّوا متى استيقظتم والله غفور رحيم ولن نزعجكم بصوت الأذان!! ثم نسأل هل يرضى أحدهم أن يدفع عشر مما اكتسبه بعرق جبينه بتعب ونصب أو من مراث أجداده قلّ أو كثر عند حلول نصاب الزكاة حتما سنواجه ردّة كالتي واجهها أبا بكر. ولو سألنا هل يرضى أحدهم أن يترك بيته الفخم وسيارته الفارهة ووظيفته المرموقة وزوجته الجميلة وأطفاله الأشبال ثمّ يذهب إلى ميادين القتال لتحرير فلسطين مثلا وقد يعود مبتور الأطراف وقد يأسر لعقود من الزمن كما هو حال كثير من أخواننا الفلسطينيّين وغيرهم من المأسورين من أجل عقيدتهم فكّ الله أسرهم وقد لا يعود أصلا؟؟ فالجواب معلوم سلفا هو مانراه وما نحياه واقعا والقدس والأقصى محرم على أهله. فلو اتخذنا إذا هذا المنهج سبيلا للتشريع والتقنين لما بقي شيء يمكن أن يكون محل إجماع من كل أو جل الناس ولأصبح الشّرع هوى متبع. فالمطلوب منّا إذا أن نرعى شؤون الناس بما يرضي الله ولو أسخط البعض فرضاء الناس غاية لا تدرك، وأن نكون قوّامين لله بالقسط ولُنضع نصب أعيننا قوله تعالى "ياأيُّها الرَّسول بلِّْغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين" المائدة67. ومعلوم بأن سبب نزول هذه الآية هو تردد النبي في إظهار حكم الله في مسألة زواج الرجل من مطلقة ابنه بالتبني وقد كان العرب يحرمون هذا النوع من الزواج فأراد الله أن يبطل هذا العرف الجاهلي ويعيد الأمور إلى نصابها ولكن النبي صلى الله عليه وسلم شعر بالحرج الشّديد من التصريح بهذا الوحي الإلهي فحذره الله من أنّ عدم إقدامه على الزواج من زينب مطلقة زيد ابنه بالتبني وتبليغه لهذا الحكم سيكون كما لو أنّه لم يبلغ شريعة الله أصلا وكان هذا من آخر التشريعات التي نزلت. "وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ولكن هذا لا يمنعنا من أن ننزّل الأحكام الشّرعيّة في واقعنا تنزيلا رصينا حكيما سلسا لا يتصادم مع الأوضاع القائمة بشكل فضّ ومتعسف لا يعير للواقع والوقائع وزْنا وكأننا الوحيدون الفاعلون في الساحة ، خاصة وأنّنا أصبحنا نعيش في عالم مفتوح على الحضارات والثقافات وهذا من شأنه أن يؤثر في قليل أو كثير في المجتمع ويضاعف الجهود المبذولة لترشيد وتصحيح المفاهيم الإسلامية التي باتت غريبة حتى في عقول العاملين في حقل الدعوة إلى الله وهذا ما يحتم علينا أن نصتصحب في تحركنا فقه التدرج الذي تأسّست عليه أركان الدولة الإسلامية في عهد النبوة وبالله التوفيق. بقلم:حسين الجلاصي