تونس في موعد مع التاريخ ...تونس تسطّر ملحمة لا نظير لها ...أكتب هذه الأسطر وأشاهد الطوابير منذ الصباح الباكر أمام المكاتب لأداء واجب طالما حلم به التونسيون ... اليوم عرس انتخابي بامتياز يسّر له الشباب الثائر السبيل بثورتهم على الدكتاتور فأطاحوا به فهرب ،يوم مهّد له الشهداء بدمائهم الزكية ليمارس الشعب حريته في اختيار ممثليهم بعد عشرين يوما ويوما واحدا من الحملة الإنتخابية سادها التنافس النزيه ولم تشبها شائبة تذكر .. الشعب التونسي متحضّر جدّا جدّا ..برز هذا من خلال الحضور المكثّف في الإحتفالات الإنتخابية للقوائم المتنافسة بدون استثناء وتفاعل حضاريا مع كل الخطابات الإنتخابية ولم يشوش ولم يكسّر ،مما يفنّد نظرية البعض من أن الشعب التونسي غير ناضج وهو في حاجة لمن ينقله إلى مصاف الشعوب المتحضّرة . اليوم سيختار الناخب من يمثلّه بكل حريّة بدون إكراه وذلك لتعدد القائمات تفوق المائة مما يجعل العملية صعبة نوعا ما غير أن هناك إجماعا على بعض الأحزاب الكبيرة والواضحة برنامجا ورؤى ،أحزاب كان لها إرث نضالي سابق وقدمت تضحيات جسام على اختلاف مشاربها وخلفياتها الفكرية ،لكنها تلتقي على قاعدة العمل لصالح تونس والدعوة إلى مجلس وطني تأسيسي تتحق من خلاله حرية الشعب في رسم دستور تتحدد فيه الملامح الرئيسية لطبيعة الدولة وعلاقتها بالموسسات المتفرعة عنها . إننا في مرحلة فارقة وقفزة نوعية تتم بموجبها الصورة الجديدةلتونس الحرّة والديمقراطية المتصالحة مع هويتها وأصالتها والمحافظة على ثوابتها ومستفيدة مما أنتجه العقل البشري من وسائل وآليات تجعل من شعبنا من أن يكون مثالا في الديمقراطية كما كان له السبق في الإطاحة بأشرس دكتاتور في المنطقة وهو قمين بأن يكون كذلك. إنه البناء والتأسيس لجمهورية قوامها العدل والحرية والمساواة والتنمية الشاملة والتي تسهم في اقتلاع ما تبقى من المنظومة الدكتاتورية... وإن الطريق طويل طويل لتحقيق ذلك. عبدالله النوري- تونس