تنطلقُ اليوم الاثنين أوّل مرحلة في سياق المسار الانتخابي للمجلس الوطني التأسيسي وهي المتعلّقة بالتسجيل في القائمات الانتخابية. وتُعتبر هذه المرحلة حجر الزاوية في كامل العملية الانتخابيّة إذ بنجاحها ستمهّد السبيل سالكة لبقية المراحل على النحو المثالي، وإن حدث العكس، لا قدّر الله، فستكون الخيبة لا فقط للعملية الانتخابيّة بل لكامل المسار الثوري الّذي تعيشهُ البلاد منذ 14 جانفي الفارط. ذلك أنّ القائمات الانتخابية هي قاعدة العملية الانتخابيّة برُمّتها من حيث تحديد هويات وأعداد الناخبين والتحضير لمرحلة تقديم الترشحات ولاحقا التمهيد لانجاح عملية الاقتراع نفسها حيث ستُمسك مكاتب الاقتراع بهذه القائمات كوثائق مرجعيّة لضمان شفافيّة ونزاهة الانتخاب ونتائجه. وبقدر ما أنّ الانتخاب هو حق للمواطنين ممّن توفّرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المرسوم الانتخابي، فإنّ الانتخاب في هذه المرحلة الدقيقة من عمر البلاد يجب أن يتعدّى الحق، في ظلّ ما هو متوفّر من ضمانات في عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئات الانتخابيّة الفرعية على مستوى الدوائر الانتخابيّة، يتعدّى الانتخاب الحق إلى أن يكون في درجة الواجب الوطني الّذي يجب أن يتداعى إليه كلّ التونسيين والتونسيات بروح عالية لأنّه عبر صناديق الاقتراع، وعبرها فقط، سيكون بإمكان الشعب أن يُحدّد اختياره الحر والنزيه بخصوص من سيتولى تسيير شؤون بلدهم في ما بعد المرحلة الانتقالية التي فرضتها ثورة 14 جانفي، وبما سيُتيح إمكانيات واسعة وغير محدودة للقطع مع سلبيات الماضي واستعادة الحريّة والكرامة وضمان العدالة للجميع. ولأنّ التونسيين والتونسيّات قد اختاروا بثورتهم السير للقطع مع الماضي وبناء الدولة الديمقراطيّة، فليس من حكم في هذا الاختيار سوى الناخبين، هم من سيرسمُون باختيارهم الاندماج في هذا المسار الانتخابي ملامح الحياة السياسيّة وطريقة تصريف الشأن العام ومصالح البلاد في المستقبل، وهذه أمانة موضوعة بين أياديهم لكي يؤدّونها بمنطق الحرص على مصلحة الوطن وعزّته وكرامته ووفاء لأرواح الشهداء الّذين سقطوا للإطاحة بالنظام السياسي السابق والتطلع إلى تونس الحرية والكرامة. إنّ الانتخاب هو الواجب والمُوجب الوحيد لتعميق شعارات الثورة وتطلعات الشعب والوقوف في وجه كلّ المؤامرات والدسائس الّتي أصبحت تُحاك في السرّ والعلن للإضرار بثورة الحرية والكرامة والارتداد بها إلى الأسوإ. لقد قامت الثورة، في ما قامت، على أساس انتزاع الحق في المشاركة السياسيّة ورفض منطق الهيمنة والوصاية وتأمين الطريق نحو أفق جديد في الممارسة السياسيّة عنوانه الرئيسي الانتخاب الحر لممثلي الشعب في الهيئات القياديّة والتشريعيّة وبناء الدولة الديمقراطيّة وصناعة القرارات الوطنيّة العادلة والحرّة، وليس هناك من شيء أو آلية يصنعُ بحق هذا الأفق غير المجلس الوطني التأسيسي الّذي يُعتبرُ المدخل لتصعيد خيارات الناخبين وتكريسها على أرض الواقع كما رغبوا فيها واختاروها. إنّ التسجيل في القائمات الانتخابيّة اليوم وإلى حدود يوم 22 أوت القادم هو أوّل واجب في إطار حلقة من الواجبات الوطنيّة التاريخية التي ستتعاقبُ تباعا إلى حدود يوم 23 أكتوبر المقبل موعد الاقتراع على القائمات المترشّحة للمجلس الوطني التأسيسي، واجبات تفتحُ السبيل لاكتساب المُواطنة الحقّة لا الصوريّة واستعادة الشعب لسيادته وسلطته وإرادته في الاختيار.