ما اكثرها الخطب والتصريحات التي تمجد الشعب التونسي وما انجزه يومي 14 جانفي و 23 اكتوبر من سنة 2011، وما أصدقها فعلا مشاعر الفخر والاعتزاز التي ترتسم على وجوه التونسيين وهم يصطفون صابرين متحدين كل الصعاب والعراقيل لفرض اختيارهم في بناء تونس الغد وما أروعها صورة تونس وهي تنحت في الصحافة العالمية وفي ذاكرة الشعوب كاول بلد من بلدان الثورات عربية تقتحم على العالم المتقدم أسواره لتتصدر الاخبار والمشهد الاعلامي والسياسي ..فلا يكاد اجتماع او تصريح لاحد السياسيين يخلو من تهنئة تونس والإشادة بشعبها..ولا تكاد تخلو صحيفة او موقع اخباري إلا ويمجد تونس الثورة وتونس الديمقراطية ولكن في المقابل بدات اقنعة كثيرة تسقط منذ البارحة وتتكشف وجوه جديدة تنذر بالكثير من المحاذير مستقبلا والصعوبات التي ستواجه المنتخبين في المجلس التأسيسي...فلم يتمالك الجماعة انفسهم وسرعان ما سقطوا في التشنج والابتذال والقاء التصريحات جزافا في القنوات الاعلامية والصحف وهو ما يدفع إلى الوقوف جيدا عند هذه المواقف وتقييمها استشرافا لمستقبل القريب قبل البعيد حقائق تتاكد منذ 14 جانفي 2011 وبعد إقرار الشعب التونسي في القصبة وخارجها ضرورة الذهاب إلى القطع نهائيا مع الماضي وبناء الشرعية اعتمادا على صناديق الاقتراع انبرى عدد من الاطراف ممن كانوا فاعلين في المشهد السياسي قبل الثورة ولو بدرجات متفاوتة يشككون في قدرة الشعب على الوفاء بهذا الاستحقاق تخويفا وتشكيكا في المدة المتبقية حينا وفي قدرات الشعب المعرفية والعملية أحيانا باذلين ما بوسعهم وبمساعدة غيرهم لتأجيل او تعطيل الانتخابات بتأزيم الوضع وتأبيد المؤقت فلما أصر الشعب التونسي ان يكون جديرا بالثورة مصرا على بناء مستقبله بنفسه دون وصاية رافضا منطق التخويف والترهيب متمسكا بممارسة حقه في صورة ناصعة كالتي شاهدناها يوم 23 اكتوبر ، ولما تبينت اتجاهات الشعب في اختيار ممثليه، اصر في المقابل بعض أدعياء التقدم والديمقراطية والحداثة إثبات فقدانهم لأي قيمة من هذه القيم فصرحوا وجاهروا مباشرة مع انتهاء عمليات التصويت بأنهم ليسوا ديمقراطيين فلن يقبلوا سلطة الأغلبية وانطلق بعضهم ينظر حول الوفاق والتوافق وحقوق الأقلية.....ثم أثبتو مجددا انهم ليسوا تقدميون إذ لم يستطيعوا التنصل بعد من ممارسات النظام البائد القائمة على تشويه الخصوم والمنافسين بدل محاورتهم ويواصلون بضاعة التخويف والمصادرة على النوايا والاستقطاب الإديولوجي الذي يزرعون به الحواجز والعراقيل دون التحاور والتفاعل. رموز تتهاوى لئن بدت المؤشرات قد انصفت الاحزاب والقوى التي أبدت ليونة اكبر في التعامل مع الاحداث الأخيرة والاطراف التي تفادت الانسياق وراء التجاذبات وكانت حازمة صادقة لم تبدل ولم تستجب للاستفزازات ولنذكر هنا ثلاث اطراف تشترك في هذه الصفات حزب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات....وهذه فيما يبدو الاحزاب المنتصرة في الانتخابات فإن رموزا أخرى كانت تغطي الساحة بالضوضاء والتصريحات النارية وتسارع بصناعة الاحداث سرعان ما تكشفت عن انتهازية بشعة يضعون انفسهم مباشرة نقيضا لاختيار الشعب الذي استجاب للاستحقاق الوطني بمثقفيه وامييه ومدنه وقراه بينما كانوا هم أقل من مستوى الهزيمة أداء وتفاعلا. الاعلام التونسي...ما بالطبع لا يتغير ملاحظة وحيدة حول أداء الاعلام التونسي وهو يغطي الانتخابات يذكرنا دائما بان المذيعين والمذيعات والمسؤولين عن الصحف والتلفزات هم من بقايا العهد البائد يتحثون لغته ويصطفون كما بالامس ضد غرادة الشعب.... فواعجباه ان يتواصل تناول المواضيع بذلك الشكل الذي يضع المنتصرين لدى الشعب متهمين امام الاعلام مطالبين باثبات نواياهم والتنازل للبقية من الاطراف التي أثبتت الانتخابات ان الشعب التونسي هو من وزنها حق وزنها فهل سيكون للاعلام دور ما في بناء المستقبل ام سيواصل الارتهان لاشخاص والتيارات بدل ولائه لتونس وشعبها؟