/ أحتشد آلاف الأمازيغي في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس في أول مرة في تاريخ المكون الأمازيغي الليبي، ترفع فيها أعلامهم التقليدية، والهتاف بلغتهم الخاصة، وإبراز إيقونات تاريخية للثقافات المحلية التي استوطنت مناطق مختلفة في ليبيا منذ آلاف السنين. لكن أسئلة تتجاوز الانفعالات والتأثر العاطفي تنتصب في مآل الحراك الأمازيغي الليبي، بعد زوال سكرة الثورة رومانسيتها، وقدوم فكرة الدولة، ومساراتها البيروقراطية والقانونية المعقدة. لا يمكن فصل حقوق الأقليات عن مسار الثورات العربية واستحقاقاتها، فما لم يصار إلى حسم هذه الملفات والبدء في علاجها، ستكون دواعي الثورة قد تم التعمية عليها، بشكل أو بآخر. لكن من المهم أيضا التفكير في أن المطالب الثورية والنضالية، تختلف تماما عن السعي القانوني في إطار الدولة بمنهج حقوقي ودستوري، ومن هنا نعتقد أن ثمة ما يجب الاحتراز منه عبر أوهام قد تخالط خلال حراك النشطاء الامازيغ في ليبيا الجديدة: - وهم الاستعراب: حيث يصر كثيرون على كون الهوية الاصلية لليبيين - أو اغلبهم - هي الأمازيغية وقد تم تعريبهم بفعل عوامل السلطة او الدين او غيره، و إصرار الخطاب الأمازيغي على التمسك بمقولة الأصول الحقيقية وأطروحة السكان الأصليين سيكون ضارا للغاية، لا ينبغي المطالبة بالحقوق الأمازيغية الطبيعية ثقافيا وسياسيا تحت شعار " الساكن الأصلي" فمع كون هذا الشعار استفزازي للمجموعات السكانية الأخرى في البلاد، فإن هذا يصادم مبدأ دولة الدستور حيث لأفضل لقديم وجديد إلا بالمعيار القانوني المحض لا الزمني أو التقادم. ووهم الاستعراب يتضمن كذلك وهم "الصفاء العرقي" وهو – للتحذير - صلب ما تقوم عليه أعتى العنصريات في التاريخ، وربما ليس أخيرا فهو تهوين ونيل من هوية الآخرين بحيث إما أنهم غرباء أو ذوي هوية مشوهة، وهو ما قد يقبل بحثيا وأكاديميا ولكنه لا يقبل على نطاق شعبي وإعلامي مفتوح البتة. - وهم التوقيت: يعتقد بعض النشطاء الامازيغ أن فوات فرصة تأسيس ليبيا الجديدة، وعدم الضغط خلال فترة الاستهلال في تكوين المؤسسات والقوانين الجديدة سيكون إهدارا لفرصة تاريخية في تحصيل الحقوق وصيانتها قانونيا، وهذا يحمل نصف الصواب، فحقيقة كون "ليبيا الجديدة" تخرج من حرب، ودمار، ومع الفوضى المسلحة وغياب السلطة المركزية القارّة، التي يمكن حقيقة التفاوض معها، قد يعرض المطالب الأمازيغية للتهميش والتحريف أيضا، لتكون أقرب للدعوات الانفصالية، وكثيرا ما نلاحظ لجوء الامازيغ للتبرير والتفسير بعد كل خطاب يطالبون فيه بحقوقهم المشروعة، جراء تجاهلهم لوعي عام بأن المهم في هذا توقيت بعد الثورة والدم، لملمة "المتبعثر وطنيا". - وهم "اللاحدود": يبدو واضحا من خلال الحراك الأمازيغي رفعهم لمبدأ يتجاوز الدولة الليبية كمبدأ قانوني ثابت ، من الصعب أن يحتمله الرأي العام، المطالبة بحقوق الامازيغ على صعيد وطني، ثم يرفع الامازيغ أنفسهم ما يجعل هويتهم تستند في جزء كبير منها خارج الحدود. سيكون غريبا |أن يبحث الليبي عن وقاسم هوية "حقوقية – سياسية" مع سكان السودان ومصر، ليصبحوا معا في ما يشبه الحلف العابر للحدود يصح أيضا على الامازيغ، فدعم الثقافة الأمازيغية المشتركة مع دول مجاورة لا يعني طرح شعارات سياسية – ولو ملتبسة – دعم جمعيات ومنصات التراث الأمازيغي ليست هي ما نراه اليوم من طرح ما يسمى بالكونغرس الأمازيغي، الذي هو بالقطع مؤسسة سياسية أكثر منها شيء آخر. بل حتى التسمية تعني تعارضا ثقافية غريبا فالكونغرس بدل المؤتمر تحمل عقدة صراعية أكثر منها اهتماما بالهوية الذاتية. - الاستلاب ووهم التشابه: يستقي بعض النشطاء الامازيغ مطالب من المغرب – تحديدا – مثلا دستورية اللغة، وهو مطلب غريب في ليبيا، بينما قد يبدو طبيعيا في المغرب، فالتعداد السكاني للناطقين الأمازيغية في ليبيا والمغرب يشرح صعوبة تمرير مطالب وأجندات متشابهة، وكذلك فحقيقة الأمر أن حدة الخطاب المغربي الأمازيغي قد لا يبدو منسجما كثيرا مع الواقع الاجتماعي والقاعدة الشعبية للأمازيغ الليبيين، الذين اعتقد أنهم مهددون بالاغتراب عن واقعهم، لمجرد بحثهم عن صلات مختلفة مع الامازيغ المغاربة بالشكل الذي نشاهده الآن. دستورية اللغة إضافة لعدم وضوحه فهو بالشكل الظاهري يستحيل تطبيقه في ليبيا عمليا. فأكراد العراق لم يطالبوا العراقيين بالمعنى الذي يرشح من مطالب الامازيغ المستقاة أساسا من المغاربة. من المهم أن لا ينسى النشطاء الامازيغ أن حقوقهم الثقافية مطلب وطني لا جدال حوله، ولكن السعي ضمن إطار دولة يختلف عن الحراك النضالي المشبع بالرومانسية، فتقديرهم للمجموع الوطني - المختلف مثلما هم مختلفون - وطرح أجندة تراعي الأولويات الوطنية والوعي الشعبي بها، والتمسك بوحدة ترابية محددة تكون مدارا للنشاط والتحالف السياسي والمدني، مفارقة تجارب مختلفة عن الواقع المحلي، كل ذلك يبدو أيضا حقائق تناقض أوهام كثيرة نراها في جزء من حراك الامازيغ في ليبيا الجديدة. اذاعة هولندا العالمية