حول بعض المغالطات الواردة في مقال " قراءة سوسيوسياسيةلدور حركة النهضة ومستقبلها في ضوء فوزها في الانتخابات التونسية" نشر موقع الحوار مقالا يحمل عنوان " قراءة سوسيوسياسية لدور حركة النهضة ومستقبلها في ضوء فوزها في الانتخابات التونسية" للدكتور يوسف الإبراهيمي انطوى على مجموعة من المغالطات نقدر أنها تحتاج إلى بيان لما يخرج به المطلع على المقال من بعد بين واقع حركة النهضة وواقع مجتمعها من ناحية والتوصيف الذي قدمه المقال لهذا الواقع من ناحية أخرى أول هذه المغالطات - وهي كثيرة نكتفي هنا بالرد على بعضها- يتمثل في ادعاء تفاجئ الحركة بنتائج الانتخابات والحقيقة أن الحركة لم تفاجأ بهذا الفوز في الانتخابات بل كانت تتوقع أن تحصل على عدد أكبر من المقاعد في المجلس التأسيسي، صحيح أن الحركة لم تتوقع الثورة لكن قراءتها للواقع لم تتبدل عدة مرات في تسعة شهور كما ذهب إليه صاحب المقال وبيانات الحركة وتصريحات قياداتها موجودة ومنشورة ولا نعلم على أي معطيات بنى الكاتب هذا الزعم وغيره، مثل الحكم بانقطاع قيادة الحركة عن القاع الاجتماعيى وعدم اطلاعها على التغيرات التي طرأت على المجتمع التونسي هذا إضافة إلى الحكم المسبق المتعلق بنفوذ القيادات المثقفة ثقافة غربية وهو أمر عار عن الصحة لأن القريبين من الحركة يدركون أن صناع القرار في الحركة اليوم هم من القيادات التاريخية التي تعرف بقيادات الداخل من خريجي السجون التونسية في عهد بن علي، وأن ما يلاحظ من تطور في فكر الحركة ليس جديدا بل هو قديم يرجع إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي حيث أعلن رئيس الحركة آنذاك جملة من المواقف تتمثل في القبول بالدولة المدنية والتداول السلمي الديموقراطي على السلطة والقبول بمجلة الأحوال الشخصية فلا يوجد جديد في هذا المستوى طرأ على فكر الحركة باستثناء الفرص الإعلامية التي أصبحت متاحة بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة التي أسهمت في التعريف بفكر الحركة وبخطابها بعد أن كان يقدم من وجهة نظر الخصم الذي يسيطر على كل منافذ الإعلام ويمتلك كل مقدرات الدولة التي وظفت إلى أقصى حد في تشويه الحركة. كما أن الحديث عن دور النخبة اليسارية في تأطير خطاب الحركة وتوجهاتها وفي التراجع عن التوجه الإسلامي المفترض أنه إخواني للحركة يدل على عدم اطلاع كاتب المقال على المنعرجات التاريخية التي مر بها فكر الحركة منذ نشأتها إذ لم تعلن الحركة أبدا أنها تنتمي إلى الحركات الإخوانية وقد كانت في منعرجات تاريخية عديدة تؤكد على تميزها الراجع إلى خصوصية المجتمع التونسي وأنها لا تتبنى الكثير من الشعارات الرائجة في فكر الحركات الإسلامية من قبيل مقولات إرساء نظام الخلافة الإسلامية أو تطبيق الشريعة وغيرها وذلك ناتج عن وعي قيادات الحركة بطبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع التونسي ووعيها بتفاصيل هذا الواقع خلافا لزعم صاحب المقال. ومواقف الحركة لم تكن مجرد ردود أفعال بل هي مبنية على تأصيل شرعي يظهر في تصريحات قياداتها من ذلك أن رئيس الحركة أعلن منذ سنة 1988 عن قبول مجلة الأحوال الشخصية باعتبارها مندرجة ضمن مدارس الاجتهاد الإسلامي وأن ثلة من مشايخ جامع الزيتونة شاركت في إعداد هذه المجلة على رأسهم الشيخ محمد العزيز جعيط . كما لم يحدث أن قدم أحد من القيادات الحركة على أنها تتبنى "إسلاما ليبراليا" أو "إسلاما أروبيا" كما رفض قيادات الحركة تقديم أنفسهم على أنهم ناطقون باسم الاسلام لأنهم مقتنعون بان ما يقدمونه هو رؤية للإسلام قد تصيب وقد تخطئ وأن اجتهاداتهم تدعي أنها تنطلق من مرجعية إسلامية لكنها لا تدعي احتكار الإسلام الذي يمثل قاسما مشتركا بين التونسيين جميعا. ونحن حقيقة لا نعرف كيف استنتج المؤلف من تصريحات قيادات الحركة أنهم ينطلقون من "نشوة استعراضية" مستشهدا بالبرنامج الذي شارك فيه السيد حمادي الجبالي على الجزيرة؟ إن المتابعين لنفس البرنامج وللمشهد السياسي التونسي يعيبون على قيادات الحركة مبالغتهم في التواضع في مقابل الانتصار العريض الذي حققته الحركة وأن الأمر وصل إلى درجة مد اليد إلى بعض الأحزاب التي فشلت في الاستحقاق الانتخابي من الأحزاب المناضلة التي لم تتورط مع نظام بن علي ولم تعقد معه صفقات مشبوهة مثل تلك التي عقدها زعيم العريضة الشعبية. وهذا يدل على وعي الحركة بتطلعات الناخب التونسي الذي منحها ثقته ومعرفتها بطبيعة المجتمع التونسي ورغبته في تحقيق أهداف الثورة وذلك وحده كاف لمنعها من التحالف مع كتل تحوم حولها شبهة الوصول إلى المجلس التأسيسي بفضل أصوات أيتام الحزب الحاكم المنحل. إن نتائج الانتخابات وحدها كفيلة بأن تكشف أن الحركة أحسنت قراءة الواقع الاجتماعي السياسي التونسي، وأن صاحب المقال رغم أنه وسم مقاله بأنه "قراءة سوسيوسياسية لدور حركة النهضة ومستقبلها" يبدو أنه بعيد تمام البعد عن الواقع المجتمعي التونسي وأن قراءته أبعد ما تكون عن القراءة السوسيوسياسية بل هي لا تعدو أن تكون قراءة انطباعية يغلب عليها الجانب الذاتي ويغلب عليها تصور المؤلف لما ينبغي أن يكون عليه دور الحركات الإسلامية في نظره وهي تصورات مسبقة أقرب إلى المقولات التقليدية التي مثلت سببا في فشل الكثير من الحركات الاسلامية التي لم تفهم واقع مجتمعاتها، فالمقال بغض النظر عن بعض المصطلحات التي توهم بأنه يندرج ضمن مقاربات انسانية حديثة لم يجاوز في جوهره بعض المقولات التقليدية والأحكام المسبقة التي ينطلق منها عموم الإسلاميين الذين يصدرون عن رؤية سلفية لا تحظى بقبول الغالبية من جماهير المجتمعات العربية فضلا عن المجتمع التونسي، بل إن نمط التحليل الذي يقدمه المقال يسير في اتجاه معاكس لنمط التحليل المتعارف عليه في علم الاجتماع السياسي الذي يدعي صاحب المقال أنه يصدر عنه. فهو ينطلق من فرضيات وأحكام مسبقة أكثر من كونه ينطلق من تحليل اجتماعي سياسي حقيقي لطبيعة المجتمع التونسي ولخطاب قيادات الحركة المنسجم تماما مع واقع مجتمعهم. على كل حال نحن نحمد الله أن قيادات الحركة لا يفكرون بطريقة صاحب المقال. وأنهم ينطلقون فعلا في تصوراتهم من قراءة سوسيوسياسية فعلية لا افتراضية، وهو ما قاد الحركة إلى هذا الفوز العريض. وأنا بوصفي مواطنا تونسيا أستطيع أن أجزم من موقع المعرفة لا من موقع الحكم المسبق أن كاتب المقال لا علاقة له بواقع المجتمع التونسي أو بواقع حركة النهضة الفعلي، وأستطيع أن أجزم من موقع الأكاديمي أن المنهج المتبع في المقال لا علاقة له بالمنهج العلمي السوسيوسياسي لسبب بسيط هو أن الأحكام لم تُبن على وقائع سوسيوسياسية موثقة من الناحية العلمية، والمحاولة الوحيدة التي حاول فيها الكاتب توثيق أحكامه بالعودة إلى برنامج الجزيرة المذكور بينت مقدار ما يتسم به مقاله من انطباعية وذاتية وبعد عن الروح العلمية وما يتسم به المنهج المعتمد من تهافت. إن المقال يلخص أزمة جانب من النخبة المثقفة لدينا حولت المصطلحات العلمية إلى شعارات علمية حداثية تخفي مواقف إيديولوجية مبطنة والعلم والحداثة منها براء. إن المقال يعبر عن مقولة غزت مواقع الفايسبوك في الأيام الأخيرة في تونس وهي أنه خلافا لما تعاني منه النخب المثقفة عادة من انتشار الجهل بين أبناء الشعب فإن الشعب التونسي يعاني من العكس، وهي مقولة تصح في تقديري على جانب كبير من النخب المثقفة في العالم العربي.