ورقات للمجلس التأسيسي...(1) في القانون الداخلي: الأغلبية النسيبة والإستفتاء
لقد وقعت الأحزاب الرئيسية الفائزة في انتخابات المجلس التأسيسي على وثيقة تلتزم بمقتضاها بالفراغ من مهمتها في بحر سنة واحدة، وأجمعت على أن مهمتها الأساسية هي صياغة دستور يؤسس لسيادة الشعب، ويقطع مع الاستبداد والحكم الفردي تحت أي شكل كان...
وقد كنت بصفتي عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أول من طرح إشكالية مدة بقاء المجلس التأسيسي وذلك في شهر مارس الماضي، وحذرت من مسألة "سيد نفسه"، واقترحت تحديد مدته بثلاث سنوات على أكثر تقدير. غير أن هذا المقترح جوبه بالرفض المطلق، بحجة أنه لا يمكن لهيئة معينة أن تحدد صلاحيات هيئة منتخبة ولا مدة عملها. ورغم الوجاهة الظاهرة لهذه الحجة، فإني دفعت بأنه يمكن تضمين هذا البند ليكتسب شرعيته لا من الهيئة المعينة، ولا من الحكومة المؤقتة، بل من الانتخابات التي ستقام على هذا الأساس، وليكون هذا التحديد جزءا من "العقد" الذي سيتولى على أساسه المجلس مهامه، فلم يلاق هذا الاقتراح قبولا، وأهملت هذه المسألة تماما، لتعود إلى الواجهة بحدة قبيل الانتخابات، وينتهي الأمر بتوقيع ذلك الاتفاق بين الأحد عشر حزبا.
ورغم افتقاد هذا الاتفاق إلى أي سند قانوني، واقتصار أمره على أنه التزام أدبي وأخلاقي تجاه الشعب التونسي، ورغم أن موقفي من التحديد لم يتغير وتفضيلي لمدة مفتوحة لأفق ثلاث سنين، فإنني لا أتوقع، ولا أنصح أن تنقض هذه الأحزاب عهدها الذي قطعته على نفسها دون إجبار ولا إكراه، وتفتتح عهدها بالنكوص ونكث العهود تحت أي ذريعة كانت.
لا ريب أن السنة مدة قصيرة يستوجب الالتزام بها ترتيبا صارما للأولويات، وحزما في إدارة أشغال المجلس التأسيسي، دون إخلال بواجب إدارة أوسع حوار ممكن خصوصا حول القضايا الخلافية، والمصيرية، سواء تعلق الأمر بالدستور أو بالترتيبات القانونية الضرورية لإدارة المرحلة القادمة.
ولتجنب المحذور المتمثل في التمطيط في تناول هذه المسائل والمفضي إلى العجز عن الوفاء بهذا الالتزام الأخلاقي بما قد يترتب عنه من اهتزاز للثقة بالمنتظم السياسي، فإني أعتقد أن القانون الداخلي للمجلس يجب أن ينص على أن إقرار فصول الدستور يتم بالأغلبية الموصوفة في قراءة أولى، فإن تعذر الاتفاق فبالأغلبية البسيطة في قراءة ثانية وأخيرة، على أن يقدم الدستور للاستفتاء الشعبي حال الانتهاء من إقرار جميع فصوله.
وللذين يستنكرون عرض الدستور على الاستفتاء بدعوى ضخامة فصوله وتعذر مجرد استيعابه على "العامة"، فضلا عن أن يكون لهم فيه رأي، فإن الجواب البديهي أن هذه لحظة تأسيسية نادرة في تاريخ الشعوب، وهي في الحالة التونسية لم تأت نتيجة حراك فوقي نخبوي، بل فرضتها ثورة انفجرت من أعماق المجتمع، كما أن الذين اعتصموا من أجل فرض المجلس التأسيسي كانوا من هؤلاء "العامة"، فلا مفر من العودة إلى هذا الشعب الذي يقتدي العالم كله بثورته حاليا، فهذا أقل ما يجب في حقه.