يدرك الجميع أن عمل الحكومة المقبلة لن يكون سهلا و أن الملفات التي تنتظرها لا تحصى و لا تعد في ظل وضع إقتصادي عالمي متدهور و في ظل تجاذبات داخلية جمة استغل فيها المتربصون بالنهضة و حلفائها قلة درايتهم بإدارة الشأن السياسي لينصبوا لهم المطبات و العراقيل التي جعلت أطراف الحكومة بين ضغط قواعد متعطشة لإقامة نظام يستجيب لتصوراتها و قيادات تعلم أن الرهان هو مصداقيتها و قبول الأطراف الخارجية لها و رأي عام جعلوا منه مراقبا متواصلا و محللا يقظا للوضع. و في هذا الإطار فإن ما حدث في القصرين و المظيلة و أم العرائس خطير جدا لأنه سيجعل الحكومة مطالبة بدفع فاتورة النهب و الخراب على حساب ما قد عزمت عليه من معالجة للبطالة، و لنا أن نتساءل لماذا صدرت النتائج في هذا الوقت بالذات ؟ علما و أنه من المنتظر أن كل من سوف لا يقبل سوف يعتبر ذلك مظلمة و يصب جام غضبه على مؤسسات الدولة. أما ما يحدث في قابس فهو فخ للحكومة القادمة فإما القبول بتعطيل عجلة الإنتاج و صرف أجور آلاف الأعوان و هم في منازهم منذ أسابيع و إما إستعمال القوة لإجلاء المعتصمين و في طياته مخاطر عدة بدأ بتضامن "الرفاق" من الأحزاب اليسارية و اتحاد الشغل و وصولا إلى إتهامات "الحقوقيين" للحكومة بالقمع و الدكتاتورية و تكرار نظام بن علي. أما إذا فكرت الحكومة في إيقاف أجور المعطلين رغم أنفهم فقد يتضاعف عدد المحتجين. و لماذا تم تحجير السفر على عبد السلام جراد لتهمة يشاركه فيها أغلب الوزراء و المسؤولين السابقين و لطلبات تدخل عادية من الرئيس السابق؟ من أذن بذلك و من يهدف لتعميق الفجوة بين الحكومة و إتحاد قوي و متضامن و متماسك و قادر على تعطيل مسيرة البلاد؟ كل هذا و المتربصون يربحون نقاطا على حساب الأطراف الفائزة. تسليط الأضواء المبالغ فيه على مفاوضات الرئاسات أعطى الإنطباع بأننا إزاء صراع محموم على تقاسم الكراسي و الغنائم لا أمام إتفاق لخدمة البلاد. إستئثار الأحزاب الثلاثة بكل شيء في المجلس و تقريبا في الحكومة زاد في عزلتها إزاء بقية الأطراف و أنا لا أفهم لماذا تم رفض الحوار مع حركة الشعب و حركة الديمقراطيين الإشتراكيين و بعض المستقلين و بعض العناصر النزيهة من العريضة. و قد لاحظت أن نسبة هامة من الرأي العام تعتبر هذا من قبيل "الحقرة" للضعفاء من طرف الأقوياء و مجتمعنا من طبيعته يشفق على الضعيف. و بينت انتخابات هيئة المجلس المعارضة الشاملة لبقية النواب حيث اصطفوا وراء مية الجريبي. بالإضافة إلى مسارعة ترشيح النهضة لحمادي الجبالي لرئاسة الحكومة و هو إعلان غير موفق حيث كانت ستؤول له بكل ديمقراطية،لاحظنا رغبة النهضة في الإستئثار بوزارات السيادة في إستعلاء غير مبرر متناسية أننا في إطار حكومة إنتقالية قد لا تتجاوز مدتها السنة و الهدف الأسلم ليس ربح المزيد من المصداقية و الشعبية بل تقليل الخسارة، و علينا أن لا ننسى ما حدث للوزير الفاضل أحمد ونيس و الوزير المحبوب فرحات الراجحي. تناقض المواقف من مسؤول نهضوي إلى آخر حول مسائل عدة كإعتماد الشريعة و مجلة الأحوال الشخصية و الحريات العامة و في إنتظار مؤتمر قد لا يتم قريبا من الضروري الحسم في هذه المسائل في إطار لجان تفكير داخلية تجنبا لتهمة الخطاب المزدوج. أنا شخصيا متشائم حول ما قد يحدث في الأيام القادمة و حبذا لو تم تكوين حكومة تكنوقراط. أما و الأمر هو ما عليه فينبغي تقليص النهم و الإكتفاء برئاسة الحكومة و بوزارتين على أكثر تقدير و الحرص على تكوين هيئات جهوية لإنجاح الفترة الإنتقالية تضم ممثلي المجلس التأسيسي بمختلف توجهاتهم و أهم الأحزاب التي شاركت في الإنتخابات و ممثلي المنظمات المهنية للنظر في ما يحدث بكل جهة و ايجاد الحلول المناسبة لإطفاء الحريق