الأستاذ حسين سعد سفر دائم في ثنايا حياة مليئة بالمفارقات حتى لكان القاعدة اللامعقول ويتلاشى العادي لتحل يبله الغر وتحضر الاستثناءات التي تحصر نوعية العيش في نمط محدد ترسمه أياد مرتعشة بريشة سوداء تأتى على البياض حالكا يطول حتى تخاله سرمديا حجبوا الشمس و امتدت أياديهم آلي القمر طمسوا نور العيون ودمروا أتهم مراكز التبصير فدب الرعب و استحالت الحرارة بردا يشتد حتى لكان المقام سيبيريا آن الفعل ليعيش حالة الاحتضار كان التحول فجائيا مما ولد قطيعة ساهمت في التردي الى اللا معنى في بعض الأحيان أو قل في كل الأحيان إن الحركة لتعيش صراعا بين القديم و المتجدد هل تخلع عنها ثوب الماضي و تنساق في تيار المتغيرات أم تحافظ على لحظة الطفولة لحظة بدء الكون بامتياز زمن تكثفت فيه الدلالات التي تحيل الحزن فرحا والشوك أزهارا تدغدغ رائحتها الأنوف حتى العاطلة منها. صاح السّجان المسجون سعد " زيارة". خلت نفسي أمام التلفاز أشاهد فيلما مصريّا. لم أشأ أن أذهب بعقلي بعيدا لأنه لا وقت لديّ. علي ان اهيّيء نفسي لأذهب الى مقابلة أهلي. وجدت أبي وأمّي بانتظاري سلمت عليهما وكالعادة كانت ابتسامتي تسبقني. قال والدي حتى وانت في السجن تبتسم. تمعنت في وجه أبي فلاحظت على غير العادة انه لا اثر للحية صغيرة كانت تزين وجهه وتعطي للرجل سمة الوقار والشيخوخة باعتبار انه جاوز السبعين وحاج لبيت الله لمرتين. كنت أحب كثيرا ممازحة أبي لأن ردوده التلقائية تغرقني في الضحك. سألته أين لحيتك يا حاج؟ لقد تخلّصت منها الى الأبد لماذا يا حاج أنت السّبب- أتيت لزيارتك هذا الصباح فقال لي عون الأمن لا يمكنك الدخول الا اذا حلقت لحيتك فذهبت الي الحلاّق في التوّ وعدت بعد ذلك الى مكان الزيارة لكن حارس السجن منعني مرة اخرى بدعوى ان في وجهي بعض الشعيرات – حكم القوي- رجعت الى الحلاق وطلبت منه ان يجتث كل الشعيرات التي علقت في وجهي. انس هذا يا بني ، المهم لدي ان تحفظ كتاب الله مثلما فعل اخوك عندما سجن سنة سبع وثمانون لا تقلق أبي فقد جئت الى السجن لانّي دعوت الله أن أحفظ القران كان أغلب السّجناء من الحق العام و كان معي بعض الطّلبة الذين يعرف بعضنا البعض في ساحات الجامعة ذات يوم جدت بيني وبين احد مساجين الحق العام خصومة وكنت كثيرا ما ابتعد عن الخصومات مخافة نقلي الى غرفة اخرى أقل هدوء لا تساعد على القراءة والحفظ لكن الآن وقد أنجزت بفضل الله ما أخال أني دخلت الى مدرسة يوسف من أجله, فلا مانع من أنقل الى مكان آخر. كانت فرحتي كبيرة بما فتح الله علي،لم اصدق أني اتممت حفظ الكتاب في ثمانية اشهر ونصف. نادى السّجان أن وقت الزيارة لمن سمع اسمه فقط سيكون بعد ربع الساعة. وأي زيارة انها زيارة الأقارب لذويهم المسجونين وتكون مرّة في الأسبوع على الأكثر. أما من كان أهله يقطنون بعيدا عن السجن المركزي بالعاصمة فلا يأتون الا مرّة في الشّهر وهذا ينطبق على حالي لأن أهلي يبعدون عن العاصمة بحوالي مأتين ونيف من الكلومترات. فوجئت بالسّجين يصرخ في وجهي: لا تسألني, لا أعرف شيئا. أجبته بكل هدوء أن الأمر لا يتطلب كل هذه النرفزة, أردت فقط أن أعرف ان كنت رأيت من اخذ "قفتي" لاني سأقابل أهلي بعد قليل ولا بد أن أسلّمهم اياها. الواضح أن أخينا كان لا يطيقني أو شىء من ذلك فكان يتحين الفرصة لأن يخاصمني يشجعه على ذلك بنيتي الجسدية المتواضعة . والحقيقة ان ما يجلب الانتباه في السجن هو ردود الفعل التي لا تتناسب مع حجم الفعل بطريقة تثير الاستغراب فلطالما تحدث خصومات كبيرة بمجرد أن احدا داس خطأ رجل الآخر أو لمس حاجته. بسرعة وجدتني أمسك بتلابيبه بسبب سبه للجلالة، وتطورت الأ مور الى أن وجدنا أنفسنا أمام مسؤول السجن بعد ان اقتادنا ناظر الغرفة اليه وكما جرت العادة في السجن سأكون انا المذنب بآعتباري مصنفا من أصحاب القضايا السياسية او كما يقولون في لغة السجن قضايا الانتماء في حين أن خصمي من الحق العام وذلك يدخل في باب التضييق على المساجين السياسيين وقد سعى كلاب الحراسة الى أكثر من ذلك اذ يقومون بتأليب المساجين العاديين ضدنا وحثهم على استفزازنا خاصة عن طريق التفوّه بكلام بذيء أو سب الجلالة وهي اختصاص تونسي بحت يقع التفنن فيه بطرق مختلفة وقد سمعت من تلك الألفاظ أثناء مدة سجني ما يكفي لتسميم السمع. غير أنه بعد حفظي للقرآن اصبحت لا أطيق ذلك اطلاقا ولا أقبله وتراني أمر بسرعة الى لطم من يفعل ذلك دون وعي مني وينتهي بي الحال أمام مسؤولي السجن لأنال نصيبي من العذاب. صاح في وجهي حارس السّجن لم ضربته؟ -ضربني فدافعت عن نفسي -لا ،لا انّ آثار ضربك تبدو جلية على وجهه -آنظر في وجهي هناك ايضا آثار للكماته -لا هذه آثار موسى الحلاقة , أنت الظالم و ستنال العقاب حالا . ونادى ناظر الغرفة: خذه واجعله ينظف الغرفة كلها لمدة ثلاثة أيام متتالية جزاء فعلته. أما خصمي فلم ينل شيئا لأن الذي حكم بيننا هو خصمي وأسياده خصومي واذا كان خصمك هو الحكم فلن تشم رائحة العدالة الى اللقاء في الحلقة القادمة ان شاء الله