جعفر درغوثي كلمة حق إلى حركة النهضة التونسيون الذين اصطفوا صوفا طويلة في أول اختبار ديمقراطي شفاف لاختيار النهضة وكلهم أمل في الخروج من مأساتهم التي استمروا فيها لعقود. ما يكون للنهضة أن تخذلهم باستغراق وقتها كله في الجدل النظري من أجل قضايا لا تتصل بواقعهم بشيء، مدفوعة بكره من تيارات عريقة في المؤامرات وصناعة الخبائث. لقد انقلب هؤلاء من زبانية أوفياء للنظام البائد إلى مشاغبين في الطرقات والمؤسسات والمعامل، فما يكاد يمرّ يوم إلا ونسمع عن اعتصام أو إضراب. لكن يا ترى ضد من؟ هل ضد الباجي قايد السبسي هذا العزوز المخذرم الذي نجح بامتياز في فرض قسط كبير من الأمن والاستقرار؟ أم ضد النهضة وحلفائها الذين لم يباشروا بعد سلطتهم؟ النهضة يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام الشعب التونسي، فلابد أن تسارع في تشكيل الحكومة وتطهير المؤسسات من الفاسدين والمفسدين، وتعيد فتح ملف محاكمة أركان النظام لتحديد المسؤوليات الجنائية فلا يعقل أن تختزن أزمة في ابن علي وحرمه ويبقى غيرهما من المجرمين يعبثون في مؤسسات الدولة ومقدراتها. النهضة ستكون أكبر الخاسرين أن لن تسارع بإنقاذ البلاد ونفسها معا، وذلك بالعمل على فرض القانون، وهيبة الدولة، ووضع حد للإضرابات غير المبررة في وقت يكاد فيه الاقتصاد الوطني يصاب بالانهيار، وأن تعمل بجد على توفير الأمن للمواطنين، والضرب على يد التجار العابثين بالأسعار، والمراقبة الصارمة للمتهربين من دفع الضرائب، وتباشر بإجراء مصالحة وطنية شاملة حتى يطمئن الجميع على مستقبله داخل بلاده ليساهم بفاعلية في خدمته، كما يجب عليها أن تترفع عن دبلوماسية الاستعطاف والاستضعاف لهذه الدولة أو تلك تحت أي اعتبار، فكرامتنا الوطنية فوق كل المراهنات والوعود. الفوضى (الخلاقة) تكاد تعمّ جميع مناطق البلاد، والمواطن أصبح لا يلمس إي بصيص في انفراجها بل مزيدا من استفحالها. والحال هذا، فالنهضة أمام أخطار محدقة، لا تدري من أي جهة ستصاب: من مغامرة عسكريين هدفهم الدفاع عن وطنهم من المصير المجهول؟ أم من ثورة شعب يائس بائس ربما تحرق ما بقي من الأخضر. وعندها لا يفيد الندم