السجل الوطني للمؤسسات يعلن حزمة إجراءات رقمية جديدة: دفع حصري عن بُعد ومضمون إلكتروني مُحدَّث    هام/ وزير التجهيز يشرف على جلسة عمل لمتابعة اجراءات توفير مساكن اجتماعية في إطار آلية الكراء الممللك..    200 حافلة حرارية جايين من جنيف.. تحب تعرف التفاصيل؟    عاجل: بذور جديدة وتطبيقات ذكية لمواجهة الجفاف في تونس    عاجل/ غرق 61 مهاجرا غير شرعي اثر غرق قارب "حرقة" قبالة هذه السواحل..    عاجل/ مجلس الأمن الدولي يصوّت على مشروع قرار جديد بشأن غزة..    توقّف العبور في راس جدير؟ السلطات الليبية تكشف الحقيقة!    الملعب التونسي يفسخ عقد هذا اللاعب..#خبر_عاجل    رابطة ابطال اوروبا : ثنائية كين تقود بايرن للفوز 3-1 على تشيلسي    مونديال الكرة الطائرة - المنتخب التونسي يفوز على نظيره المصري بثلاثة اشواط نظيفة ويصعد الى الدور ثمن النهائي    عاجل/ بطاقة ايداع بالسجن ضد رئيس هذا الفريق الرياضي..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بداية من هذا التاريخ..    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    عاجل: وليّة تلميذة تحرق نفسها.. تفاصيل صادمة من أستاذ التعليم الثانوي    تونس تجمع 12 مليون قنطار لكن حاجياتها تبلغ 36 مليون قنطار    وفاة الإعلامية اللبنانية يمنى شري بعد صراع مع المرض    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    مشادة بين هادي زعيم وبوسي شلبي خلال مؤتمر الإعلام العربي في بنغازي    أول سيناتور أمريكي يسمي ما تفعله إسرائيل في غزة "إبادة جماعية"    جدال في بنغازي: شنوّا صار بين هادي زعيم والإعلامية المصرية بوسي شلبي؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    الحماية المدنية: 537 تدخلا منها 124 لاطفاء الحرائق خلال24 ساعة الماضية    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    التنسيق الثنائي في عديد المسائل ،والتوافق حول أغلب القضايا الإقليمية والدولية ابرز محاور لقاء وزير الدفاع بولي عهد الكويت    فرنسا على صفيح ساخن: مليون عامل إلى الشارع لمواجهة سياسات ماكرون    اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج    اجتماع حاسم في الناقلة الوطنية: توصيات لتأمين البرنامج التجاري وتوسيع الحضور الجوي    شبكة إيه بي سي توقف برنامج جيمي كيميل بعد تصريحاته حول اغتيال كيرك وترامب يصف القرار ب"بشرى عظيمة"    ترامب يصنف "أنتيفا" منظمة إرهابية كبرى بعد اغتيال حليفه تشارلي كيرك    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    تونس وكوريا: نحو شراكة في الابتكار الطبي والبيوصيدلة    الحكومة تحدد المخزون التعديلي من الحليب الطازج المعقم لسنة 2025 بنحو 7ر19 مليون لتر    تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق البليغة ببن عروس    غار الدماء: وفاة أم أضرمت النار في جسدها بسبب نقلة ابنتها    الديوانة تحبط محاولة تهريب مخدرات بميناء حلق الوادي الشمالي    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    فتحي زهير النوري: تونس تطمح لأن تكون منصّة ماليّة على المستوى العربي    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    جريدة الزمن التونسي    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    رسميًا للتوانسة: أي طرف يكرر أو ينشر مباريات الرابطة بدون إذن سيُقاضى...شنيا الحكاية؟    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    جريدة الزمن التونسي    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات المشهد التونسي
نشر في الحوار نت يوم 14 - 12 - 2011

توفر لنا نتائج الانتخابات التونسية -ولأول مرة- فرصة لقراءة بعض أوجه التحول الاجتماعي والسياسي والثقافي في تونس وذلك على قاعدة التعبير السياسي الحر للمواطن من خلال صناديق الاقتراع.

دروس من الجوانب التنظيمية
لا بد من التأكيد هنا على تفرد التجربة التونسية هذه من خلال الحياد التام الذي أبدته الحكومة المؤقتة، التي اقتصر دورها على الجانب اللوجستي والأمني بقيادة وحدات الجيش. وهذه نقطة تحسب للوزير الأول الباجي قائد السبسي، الذي شككت في نواياه العديد من الأطراف السياسية ومن بينها أحزاب حققت نتائج إيجابية في الانتخابات.

فقد قيل في الرجل إنه أخرج من أرشيف البورقيبية وربما من أرشيف البايات. لكن علينا الإقرار بأنه أظهر نجاحا إلى حد ما في إدارة الفترة الانتقالية في ظل وضع أمني هش زادته الحرب الليبية هشاشة.

ربما تعكس مواقف هذه القوى نوعا من التسرع السياسي الذي يفهم في سياق حداثة العمل السياسي العلني. لكن بالإمكان فهمه كذلك في سياق تواصل المد الثوري الذي يحرص على ضمان القطيعة مع النظام القديم. حيث كان لا بد من الضغط على الحكومة لإسماع صوت الشارع.

لا ننسى في سياق تقييم المسار التنظيمي دور الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. فهي تعد تجربة فريدة لما وفرته من سلطة مراقبة على الحكومة ومن قوة اقتراح تشريعي أنتج العديد من القوانين ومن بينها القانون الانتخابي الذي حرم إطارات حزب التجمع من المشاركة، كما أنه خرجت من رحمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

"
هيئة تحقيق أهداف الثورة وفرت فضاءً لإنجاز التوافق بين الأحزاب وقوى المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في ظل غياب الشرعية مما ساهم بفعالية في تسهيل بداية التحول الديمقراطي وبسلاسة تامة
"
لكن الأهم من ذلك كله أن هيئة تحقيق أهداف الثورة وفرت فضاءً لإنجاز التوافق بين الأحزاب وقوى المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في ظل غياب الشرعية مما ساهم بفعالية في تسهيل بداية التحول الديمقراطي وبسلاسة تامة.

لكن يبقى الامتياز للهيئة العليا المستقلة التي أشرفت على تنظيم العملية الانتخابية. فهي كانت تونسية مائة بالمائة في أفكارها وفي مواردها البشرية والمالية. كما أنها صمدت أمام نقد لاذع وصل حد التشكيك في نزاهتها.

فقد صبت حركة النهضة جام غضبها على الهيئة ورئيسها كمال الجندوبي عندما أجلت موعد الانتخابات التي كانت مقررة يوم 24 يوليو/تموز. حتى إن زعيمها راشد الغنوشي اعتبر التأخير محاولة من طرف العلمانيين لصد نجاح محتمل للإسلاميين كما ورد في مقاله بالجزيرة نت "رمضان والثورة يغذيها". أما اليوم فقد وقف الجميع على صحة موقف الهيئة في التأخير بالنظر إلى بعض النقائص التي ظلت قائمة حتى في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول. كما وقف الجميع على هذه النزاهة من خلال النتائج التي أعلنت والتي هي بالفعل نتيجة تصويت التونسيين.

الدرس المهم -حسب رأيي- من خلال هذا الجانب التنظيمي هو أننا تجاوزنا فزاعتين. فزاعة الأنظمة القمعية العربية التي غالطت البلاد والعالم بخطر وصول الإسلاميين إلى الحكم، وفي نفس الوقت سقوط فزاعة طالما رفعها الإسلاميون وهي الإقصاء والتهميش وتجفيف الينابيع.

دلالات النتائج
هناك استنتاجات أولية مهمة وفرتها نتائج الانتخابات وكذلك مختلف ردود الفعل حولها في الأيام التي تلت الإعلان عنها. وتتعلق هذه الاستنتاجات بالمستوى السياسي العام، ثم بالدلالات الاجتماعية للتصويت وفي النهاية بالأبعاد التاريخية والحضارية. إذ لا وجود لعامل واحد حاسم في هذه النتائج بل هي مجموعة متداخلة من العوامل بعضها ظرفي وأخرى عميقة.

على المستوى السياسي العام يبدو أن الأصوات التونسية مالت أكثر نحو ثلاثة عناصر: العاطفة والوجدان المجتمعي والبعد الشعبي ثم عنصر البساطة المرتبط بهموم الحياة اليومية خاصة لدى المهمشين اجتماعيا.

وهذه العناصر تفسر على الأقل فوز حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وقائمة العريضة الشعبية والتي سنركز عليها تحليلنا.

التصويت العاطفي الوجداني تمثل في اختيار عنصر الإسلام ممثلا في حركة النهضة. فالإسلام هو من ناحية ضمانة وجدانية قوية لنظافة اليد والإخلاص في بلد عانى الأمرين من الفساد. كما أن هذه الرمزية الإسلامية تمثل الخيار الأسهل في ظل حداثة التجربة التعددية وفي ظل ضبابية المشهد السياسي (أكثر من 114 حزبا وعديد القوائم المستقلة) وكذلك في ظل ضعف التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية.

نفس منطق الاختيار السهل هذا ينطبق على نتائج حزب المؤتمر بزعامة المنصف المرزوقي. إذ كان خطابه السياسي شعبويا (populiste) وفي متناول فئة مهتمة بالقطع السياسي مع الاستبداد. عامل البساطة وصل حد السذاجة للأسف مع قائمة العريضة الشعبية التي بادر إلى تكوينها الهاشمي الحامدي صاحب قناة المستقلة.

هذا الشخص معروف بصلاته مع الرئيس السابق بن علي وهو معروف كذلك بشطحاته الهلوسية التي تذكرنا بشطحات القذافي. عنصر البساطة هنا ارتبط بخطاب مرشحي العريضة ووعودهم الخارقة للعادة والمتحدية لكل منطق اقتصادي مثل الصحة المجانية للجميع ومجانية النقل ومشاريع تنموية هوليودية في ولايات الداخل التونسي. استغل هذا الخطابُ حالة شظف العيش التي تعيشها عديد الفئات المهمشة في الجهات الداخلية وحتى في المدن لوعدهم بإنجازات لا يمكن للمجلس التأسيسي إنجازها.

يتأكد دور العناصر المذكورة كذلك من خلال نتائج الأحزاب التي اعتمدت على خطاب سياسي معقلن إلى حد ما وأكثر تعقيدا ونخبويا (الحداثة، والحريات الفردية، وحقوق الإنسان...). هذا ما تؤكده نتائج كل حزب على حدة. لكن النتائج مجتمعة لحزب التكتل والحزب الديمقراطي التقدمي والقطب الحداثي تضفي نوعا من النسبية على هذا الاستنتاج. فخطابها السياسي الذي يراه البعض نخبويا حصل على قرابة 43 مقعدا مما يجعلها القوة الثانية بعد حركة النهضة.

"
تبيّن نتائج الانتخابات نوعا من التحول المجتمعي تم بموجبه سحب مهمة القيادة السياسية من نخبة ذات أصول حضرية تتمثل في أبناء عائلات عريقة, لصالح نخبة جديدة منحدرة من عائلات متوسطة أو فقيرة وذات أصول شبه حضرية
"
على المستوى الاجتماعي تبين نتائج الانتخابات نوعا من التحول المجتمعي تم بموجبه سحب مهمة القيادة السياسية من نخبة ذات أصول حضرية (أو مدينية) تتمثل في أبناء عائلات عرفت بعراقتها في وسط الأعيان في المدن الكبرى الساحلية. مقابل ذلك تحول هذا الثقل السياسي إلى نخبة جديدة منحدرة من عائلات متوسطة أو فقيرة وذات أصول شبه حضرية بحكم ارتباطها أكثر بالمدن المتوسطة الداخلية. فشخصية منصف المرزوقي أو راشد الغنوشي هي أمثلة على هذه الفئة الجديدة التي ستلعب دورا في مستقبل العمل السياسي التونسي.

في نفس سياق هذا المنحى السوسيولوجي كذلك، يمكننا أن نضيف ملاحظة أخرى هامة وتتمثل في استمرارية مسحة ريفية سواء في المدن الداخلية أو حتى في المدن الساحلية الكبرى. هذه المسحة الريفية المتميزة بشدة التهميش الاجتماعي والثقافي وبانغماسها أكثر في هموم العيش اليومي غير المضمون، صوتت وبقوة للعريضة الشعبية.

فقد وجد هذا العمق الريفي خطابا ألفه زمن البورقيبية والذي ربط مصير الريف بالتدخل المباشر للدولة سواء من حيث البنية الأساسية أو المنح بدرجة خاصة. حضور الريف في المدن الكبرى وتقطع المدن الريفية بين توجهها الحضري وبين استمرارية الصبغة الريفية يمثل انعكاسا لفشل منوال التنمية منذ زمن الاستقلال والذي خلق تهميشا داخل التهميش.
هل كان انتصار حزب النهضة حتمية؟
نسوق الإجابة منذ البداية وهي نعم. فانتصار حزب النهضة باعتبارها حركة ذات توجه إسلامي يعد مسألة محسومة سلفا بالنسبة لكل متتبع نبيه. وهذه الحقيقة تنطبق لا على الحالة التونسية فقط بل كذلك على كل حالات العالم العربي القادمة إذا حصرنا تحليلنا في هذا الفضاء.

تفسير ذلك مرتبط بمعطى تاريخي وثقافي عام. فالإسلام كمشروع سياسي ومجتمعي ممكن في عصر الحداثة ظل حلما يراود نخبة المصلحين والسياسيين في العالم العربي والإسلامي منذ أواسط القرن التاسع عشر. كان البحث عن تحقيق فاعلية الحداثة بمعايير إسلامية أو على الأقل في ثوب إسلامي حاضرا بقوة لدى الطهطاوي والأفغاني ورشيد رضا. وبدأت محاولات التجسيد هذه في فترة حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لكنها سرعان ما سقطت أمام سطوة الغرب المستعمر.

لم يتسن للمشروع الخروج إلى النور خلال الفترة الاستعمارية لأن الظرف الاستعماري دفع إلى الواجهة المسألة الوطنية والاستقلال. ولعب الإسلام دورا مهما في هذا السياق كفضاء مجسد لهذه الوطنية التفت حوله كل رموز العمل الوطني. نذكر هنا أن الحبيب بورقيبة كان من أنصار الحجاب ولم يساند الطاهر الحداد بعد صدور كتابه امرأتنا في الشريعة وفي المجتمع سنة 1930.

تواصل تهميش الإسلام كتجربة سياسية ممكنة بعد الاستقلال وذلك نتيجة هيمنة الأولوية التنموية الاقتصادية على حساب الأولوية السياسية، من ناحية، ثم بسبب هيمنة المسألة القومية العربية، من ناحية أخرى. نضيف إلى ذلك أن جل الأنظمة العربية التي تركزت بعد الاستقلال طوعت الإسلام لبناء شرعية حكمها والتقرب من شرائح الشعب. بطبيعة الحال، عندما يتمكن المجتمع ولأول مرة في تاريخه من التعبير عن ذاته دون قيود، كان لا بد أن يخرج إلى الوجود ذلك المشروع الحلم الذي خاطب وجدان أعرض شرائح الشعب.

فالإسلاميون يخاطبون ثقافة موجودة وسائدة، والمجهود الأساسي يتوقف على تطويع المعطى الثقافي المشترك إلى مشروع سياسي. نضيف إلى كل هذا وجود فضاءات لتواصل المشروع الإسلامي، بشكله المقدم، مع شرائح الشعب وتتمثل في المساجد التي استعملت بشكل أو بآخر خلال المرحلة الانتخابية.

في المقابل تجد الأفكار المعارضة لفكر الإسلاميين صعوبة في الوصول إلى شرائح أوسع وتتجاوز النخب المتعلمة والحضرية. والمقصود هنا بالأساس الأفكار الحداثية. فأفكار الحداثة عادة ما تقدم جزافا على أنها نقيض للإسلام بهدف ضرب الخصوم السياسيين. أضف أن مظاهر التحديث استفادت لعقود من حماية السلطة القائمة لها مما جعلها تبدو وكأنها مسقطة أو حتى مسلطة من طرف الدولة. لكن العامل الحاسم يبقى الاختلال على مستوى قنوات نشر الأفكار والثقافة في العالم العربي.

"
من غير المنطقي اعتبار نتائج الانتخابات انتصارا للإسلام, لأن عدد الأصوات التي حصلت عليها النهضة هي مليون ونصف المليون تقريبا من مجموع سبعة ملايين يحق لهم الانتخاب. فهل يعني ذلك أن البقية لم تنتصر للإسلام؟!
"
فالفكر الحداثي العقلاني محاصر ولا نكاد نجد وسيلة إعلامية وحيدة تخاطب عقل العربي أو تروج للعقل وللنقد العقلاني. مئات القنوات التلفزية وآلاف الإذاعات ومواقع الإنترنت تروج للفكر التقليدي، مما جعل الفكر النقدي ينحصر في فضاءات الجامعة ومراكز البحث.

رغم كل هذه المعطيات يجب التنبيه إلى أن مختلف هذه التحولات تبقى مؤقتة ولا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل. فالمشهد السياسي التونسي غير نهائي. كما أنه من غير المنطقي مثلا اعتبار نتائج الانتخابات انتصارا للإسلام في حين أن عدد الأصوات التي حصلت عليها النهضة هي مليون ونصف المليون تقريبا من مجموع سبعة ملايين يحق لهم الانتخاب. فهل يعني ذلك أن البقية لم تنتصر للإسلام؟

تفند هذه المقولة كذلك من خلال تحالف النهضة مع أحزاب علمانية، لقناعتها بوجود حدود لخطابها المحرك للمشاعر الدينية حين يتعلق الأمر بمواجهة إشكالات الواقع المعقد. وكان حرق مقرها في سيدي بوزيد بعد الانتخابات رسالة قوية في هذا الاتجاه.

فالموقع المحبذ للحركات الإسلامية ليس في قلب السلطة بل خلفها أو بجانبها بشكل يسمح لها بالتأثير عليها دون أن تكون في الواجهة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.