جاءت الثورات العربية لتقول لا للاستبداد...لا للأنظمة الفاسدة... لا للديكتاتوريات التي تقوم بتقييد الحريات وتنتهك حقوق الإنسان، ثورة تلتها أخرى بدءا بالثورة التونسية ثم المصرية بعد ذلك الليبية واليمنية. الثورة بدأت شرارتها الأولى في تونس لكنها انطلقت وانتشرت كالنار في الهشيم في الدول العربية، وحتى الدول الغربية والآسيوية لم تسلم هي أيضا من الاعتصامات والتظاهرات ضد حكوماتها الفاسدة، فالشعوب العربية قد مورس عليها لعقود طويلة أنكى وأشد الاستبداد والاستعباد من قبل أنظمة عمدت إلى زرع جواسيسها في كل مكان، هنا وهناك داخل المقاهي.. في محطات الحافلات والأرتال في الشوارع والمستشفيات في الأماكن العامة وحتى داخل بيوت الرحمان أثناء أوقات العبادة وفي المعاهد والجامعات. شرخ كبير بين حكومات تدعو للعلمانية واللائكية وشعوب ترفض ذلك التمشي وتتمسك بدين الآباء والأجداد، إرادة متباينة، واختلاف إيديولوجي شاسع، وبمنطق القوة عمل نظام بن علي من أجل إرساء هذه الأفكار والمبادئ داخل البلاد متجاهلا أن لهذا الشعب هوية، كان يتعين على حكومة بن علي أن تنظر إليها بعين الاعتبار. لعبة شد الحبل بين الشعب والحكومة دامت سنين طويلة ولكن في الأخير كانت الغلبة للشعب الذي استبسل في الذود عن دينه وعروبته المسلوبتين منه قهرا وعدوانا. عندما تدخل إلى مركز الشرطة وأنت ملتح وترتدي قميصا أو قلنسوة ينظر إليك الأعوان بازدراء واشمئزاز شديدين إذ ينعتون مثل هؤلاء المتأصلين بأبشع وأقبح النعوت، هذا بالنسبة للرجل. أما بالنسبة للمرأة فهي كذلك لم تسلم من وقاحتهم إن كانت ترتدي الحجاب الشرعي أو النقاب أو لباس ساتر لعفتها وحيائها مثل "السفساري". وحين يدخل رجل من الحداثيين لابسا سروالا وجمّازة وربطة عنق يعامل باحترام ويبجّل على غيره وتقضى حوائجه على غرار ما يفعل بالمتدين الذي يهان بشدّة وتوضع أمامه "العصا في العجلة" حتى يكون عبرة لمن أراد الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه. النساء السافرات اللاتي لا يجدن أي حرج في إثارة الغريزة البهيمية للرجل ولا يمنعهن حياؤهن من أن يلبسن لباسا مثيرا للشهوة ممن تتزين به المرأة لزوجها قصد إغرائه، تجدهن مبجّلات على غيرهن من قريناتهن العفيفات اللاتي تلبسن لباسا فضفاضا وساترا، ويطلق على هؤلاء المستورات "بيوت مكيفة" والقصد من ذلك استفزازهن وإثارة مشاعرهن وحتى تثوب إلى رشدها وتتعرى لهم لتصبح مثل الأخريات متحررات من قيود المحافظة والأصالة. بن علي لبس من قبل جبة الحداثة والعلمانية فصار التونسي الذي لا يراه على شاكلته وملته عدوا لدودا له بما يستدعي استباحة بيضته، ويأمر مؤيديه وأعوانه بتقصّي أخبار عن مثل هؤلاء المنشقين الذين يسبحون ضد تياره والعمل على تقزيمهم بين الناس واختلاق الأكاذيب عليهم حتى يظهروا للناس وكأنهم مجرمون لا يريدون الخير للبلاد ويعملون على الرجوع بها إلى الوراء والتخلّف. السيد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية أعاد للعروبة اعتبارها من خلال لبسه للبرنس التونسي وبعدم لبسه لربطة العنق نستنتج أن السيد الرئيس توخى سياسة حرية اللباس داخل وخارج الحرم الجامعي كما يقول الحداثيون مما يخوّل للطالبات المنقبات من مزاولة تعليمهن بكل أريحية. هذا التمشّي الجديد من قبل رئيس الجمهورية أقلق كثيرا دعاة الحداثة والمدنية واعتبروا أن هذا الصنيع غير صائب بالمرّة ومن شأنه أن يغضب أسيادهم في الدول الغربية، وتناسوا أن رئيس البلاد إن أراد النجاح في مسيرته الإصلاحية عليه أن يكون نسخة من شعبه، منهم وإليهم يحبّ ما يحبّون ويكره ما يكرهون. وهذه السياسة اعتمدتها الدول المتقدمة والأكثر تطورا. فلو نعد إلى الماضي القريب نجد أن "روزفلت" كانت له إعاقة جسدية ما منعته هذه الإعاقة أن يكون رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، وموشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي كان أعور العينين لكن هذه العاهة لم تعقه البتة حتى يتقلد أهم منصب في الحكومة الإسرائيلية، فلم نهزأ نحن التونسيون بالنظارة الطبية للدكتور المنصف المرزوقي؟ ونتغاضى على كفاءاته العلمية والسياسية. فالمظاهر الخداعة لا تبني دولة. فيصل البوكاري تونس