هل تعيين الصيد كمستشار أمني ضرورة لابد منها ؟ و هل هو قرار حكيم أم خطأ فادح ؟ من المعروف أن الثورات الشعبية الناجحة اللتي اسقطت الأنظمة بإنهيار أجهزتها المحورية كالدفاع و الداخلية ، يتخللها للأسف كثير من الإنتقام و الدماء المهدورة، و يعاد فيها بناء جميع أجهزة النظام البائد . لكن ثورتنا هي ثورة منقوصة لأنها اسقطت الدكتاتور و لم تسقط النظام و مازالت اجهزته و ازلامه موجودون في المواقع النافذة . فالواقع الموجود إذن يفرض علينا شئنا أو لم نشأ إصلاحا مدروسا لا تصفيات جذرية آنية تدخل البلاد في ما لا يحمد عقباه . فالتركة ثقيلة و دقيقة و خطيرة و تستلزم دراسة ضافية و معمقة و متأنية لكل جوانب المسألة و وضع استراتيجيات و سيناريوات و دراسة لعواقب كل خطة. و بعد ذلك نضع موازين و معايير اللتي نختار من خلالها الإستراتيجية . ومن هنا أعتقد أن في الحياة كلها الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية المعيار الذي نقيس به ليس إما أسود أو أبيض فهذا المعيار هو بمثابة القطع مع الطرف الآخر و الدخول في المواجهة ثم الفشل . لذلك وجب علينا معالجة ملف الداخلية الشائك جدا والخطير جدا بكل حكمة و رصانة و لابد أن يكون المعيار و المقياس هو المصلحة العليا للبلاد. فإذا كان التطهير العاجل للداخلية سيدخل البلاد في نفق العنف عاقبته الفوضى الأمنية اللتي يتبعها الإنهيار الأمني والإقتصادي للمواطن و للدولة فهذا إختيار سيء جدا و خطأ فادح جدا و ينم على عدم مسؤولية و نضج سياسي بل هو خيانة عظمى للوطن بدون قصد . من ناحية أخرى لابد لنا أن نعي أن في السياسة ليس هناك إما أبيض أو أسود، و تاريخنا الإسلامي يشهد أن القادة العسكريين و السياسين على غاية كبيرة جدا من الذكاء و الحنكة و المناورة مع الأعداء. فعلى سبيل المثال كان سيدنا عثمان معروفا بإتقانه لفن التفاوض حادثة اقتسام البئر مع اليهودي شاهدة على ذلك . إذن فالسياسة تعني الحكمة في أخذ القرار المدروس و فن التفاوض و فن المناورة و الوصول إلى تحقيق الأهداف بأقل الأثمان و دراسة ميزان القوى و السعي لتغييره لصالح الوطن. و من هنا لا يخفى على أحد أن الداخلية هي القوة الضاربة في البلاد و المتشعبة و الفاسدة من ''ساسها لراسها'' ، منها الأجهزة المعروفة وأخرى خفية وهي بالنسبة لأي وزير جديد صندوق أسود مغلق لا يعرف كيف يدخله و لا يعرف اسراره و لا كيف يبدأ و لا من أين يبدأ خصوصا إذا كان كل المتنفذين في المواقع العليا فاسدين و بيدهم السلاح. و تذكروا جيدا ما حدث لفرحات الراجحي و رسالة التهديد للسبسي و الانفلاتات الأمنية المتكررة لذلك فإن أخذ هذه المعطيات بكل جدية لأن القط (و هذا أقلهم خطرا ) إذا حاصرته في الزاوية فأنتظر أن ينقض عليك . و من هنا لابد من إستراتيجية من ضمنها إختيار شخصية نظيفة تتوفر فيها الدراية العميقة بتشعبات وزارة الداخلية و تتمتع بثقل كبير في هذه الوزارة و بكلمة مسموعة خصوصا عند القيادات العليا . فإن كانت تلك الشخصية النظيفة بهذه الشروط غير متوفرة، فلا مناص من إختيار شخصية بهذه المواصفات تكون أقل فسادا و عندها رغبة في التكفير عن صفحتها الماضية و ذلك باستعدادها لخدمة الوطن، و تكون بمثابة مفتاح الذي يفتح به الصندوق الأسود ليكشف عن أسراره. فالمسألة إذن لا تتعلق بشخصية الصيد وانما في البحث عن شخصية تتوفر فيها مواصفات و شروط معينة ضمن إستراتيجية مدروسة . ما هي رسالة الحكومة إلى الداخلية و إلى الشعب 1- إن عملية اختيار شخصية من الداخلية كمستشار أمني للحكومة تمثل في حد ذاتها رسالة إلى كل أعوان الداخلية و إلى الشعب تقول أن الحكومة و وزير الداخلية الجديد لم يأتيا للإنتقام والتشفي و انما جئنا لإصلاح الداخلية حتى تصبح في خدمة المواطن و تساهم في بناء تونسالجديدة، تونس الكرامة و الحرية و العدالة 2- كل من إقترف جرما سيحاسبه القضاء و ليست الحكومة لإرساء عقلية جديدة تتمثل في علوية القضاء والعدالة 3- الأولوية اللتي تحكم القرارات هي مصلحة تونس العليا و توفير الأسباب الضرورية من إستقرار و إشاعة الأمن لبناء تونسالجديدة و معالجة الملفات العاجلة : علاج الجرحى و حل ملف الشهداء ، توفير الخبز و العيش للمعدومين ، الضغط على الأسعار لمساعدة المحرومين وتوفير الشغل للبطالين و تنظيف القضاء حتى يأخذ مجراه و يقوم بدوره بالمحاسبة الخاتمة تونس في مرحلة دقيقة جدا من تاريخها و اقتصادها في خطر وهي في حاجة عاجلة إلى الإستقرار والأمن و إلى الكد و العمل بكل جدية لإنقاذ البلاد من الأخطار اللتي تتهددها و اقتصادها لا يتحمل أي قرار خاطئ يضع البلاد في مهب الريح والفوضى . لذلك المطلوب الآن أن تكون المصلحة العليا للبلاد هي المعيار الأوحد و هي الأولوية الأولى لأخذ قرارات حكيمة و مدروسة و بعيدة عن العاطفة مع توخي المنهج التدريجي في الإصلاح