الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الحكمة من وحي الثورة بقلم الدكتورعلي عمر بادحدح
نشر في الحوار نت يوم 24 - 02 - 2011

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
فقد تابع العالم أحداث ثورة شباب تونس التي انتهت بهروب الحاكم المستبد، وزوال رجال نظامه، وانتصار ثورة شباب مصر، ونحن نتابع الوقائع في ليبيا نبعث هذه الرسائل:
إلى شباب الثورة:
نبارك لشباب وشعب تونس ومصر انتصار ثورتهم، التي أفضت إلى التخلص من الحكم المستبد، وأجهزة أمنه القمعية، ورموزه الفاسدين، وندعو رجالها الشرفاء، وأهلها الأمناء أن يستكملوا البناء ويؤسسوا لتغيير حقيقي إيجابي شامل، مع توفير أسباب وضمانات الاستمرار والاستقرار.
ومع تحية الثورة نسجل معالم تلفت النظر وتستحق الثناء والإشادة:
1- الشبابية: فالبادئون هم الشباب، وهم الأكثرون، وهم المستمرون المواصلون، وأمتنا العربية أمة شابة، نسبة الشباب في سكانها مرتفعة.
2- التعليم: غالبية هؤلاء الشباب متعلمون وأكثرهم من خريجي الجامعات، وبعضهم من حملة الشهادات العليا، ولم يكن الوقود من المهمشين الأميين، فهؤلاء الشباب المتعلمون المثقفون هم أمل الأمة الحقيقي لمستقبلها، والرصيد الفعلي لقوتها.
3- المدنية: صبغة الثورة مدنية حيث كانت شعاراتها وممارساتها سلمية، وقد أثبتت للعالم بعدها عن العنف، ونبذها للتخريب، وحرصها على المصالح والمكتسبات الوطنية، وكشفت الأحداث المصدر الحقيقي للعنف والتخريب الذي تمثل في ممارسة الأجهزة الأمنية.
4- الإنسانية: مطالبات الشباب تضمنت في جوهرها مطالب إنسانية تنادي بالحرية والحقوق الإنسانية وكرامة المواطن ونبذ التسلط والظلم، ورفض الفساد والاستبداد، إضافة إلى المطالبة بحق الحياة الكريمة وفرص العمل المتساوية وتوفير الحد الأدنى من الأجور، وجعلوا عنوان تلك المطالب ما يعتقدون أنه العامل الأول لتحقيقها وهو مطلب رحيل الرئيس وتركه لمنصبه.
5- الاستقلالية: هذه الثورة - كما نطق روادها، وكما شهد واقعها، ، وكما أثبت تتبعها- ثورة جمهورها الأول والأكبر من الشباب لا يمثل أحزاباً سياسية، ولا جماعات دينية، بل يمثلون مصر الوطن الساكن في قلوب المصريين، فهم أبناء مصر رجالاً ونساء شيباً وشباناً صغاراً وكباراً، من كل الاتجاهات ومن مختلف الطبقات ومن شتى المحافظات.
6- الوطنية: شعارات وممارسات الثورة المصرية عبرت عن روح الوطنية، وجسدت وحدة المواطنين، وكانت الجموع الغفيرة تجسد لحمة وطنية تمثل التعايش والتعاون، وتنبذ العنصرية والطائفية التي كانت الأنظمة الحاكمة وأجهزتها سبباً في إيجادها وإذكائها تخطيطاً أو ممارسة.
7- الحضارية: تجلت صور رائعة للشباب المتظاهرين حين شكلوا مجموعات للحفاظ على الأمن في فترات الانفلات، وقيامهم بتنظيف الشوارع وجمع النفايات، فضلاً عن التضامن في تأمين متطلبات المرابطة في ميادين المظاهرة.
8- الأمنية: سجلت الثورة حالة – غير مسبوقة – من الانضباط المني في صفوفها رغم جموعها الغفيرة، فلم تسجل حالات سرقة أو اعتداء، ولا تحرش أو إيذاء، ولا خصام أو عراك، بل على العكس كان هناك تسليم للمفقودات وتوثيق وتعاون لتسليمها لأصحابها.
إن شباب تونس ومصر حرروا رسالة إيجابية تنص على أن شباب أمتنا فيه خير كثير، ولديه طاقة كبيرة، وعقلية واعية، وغيرة وطنية، وممارسة حضارية، ومن حقه أن يأخذ دوره في الحياة، ,وأن ينال حقوقه السياسية والمدنية، وأن تتاح له الفرصة لتنمية ذاته وخدمة مجتمعه ورفعة أمته.
والرسالة الموجهة من رحم وروح الثورة الشعبية التونسية والمصرية إلى بقية الشعوب عموماً والشعوب العربية خصوصاً تقول:
1- القوة والقدرة تكمن في الثقة بالنفس وامتلاك الإرادة الجازمة لتحقيق الآمال والطموحات، وتجاوز الإحباط، وكسر حاجز الخوف، والتحرك للتعبير عن الرأي، والمطالبة بالحقوق، مع الاستعداد لتَحمُّل الأعباء وتقديم التضحيات.
2- قوة الحق أقوى من حق القوة، وحق المظلوم أعظم من بطش الظالم، وجرأة الشجاعة أبلغ من قسوة الشراسة، وزخم الجمهور أكبر من هيبة النظام.
3- المحن تجمع الممتحنين، والمعاناة توحد المشاعر، والكرامة تخلق العظمة، والتجرد والإخلاص يحقق التلاحم والتكامل، والثورة تصنع المعجزات.
4- الحركة المدنية السلمية تقدم للمواطنين إطاراً جامعاً يوحد ولا يفرق، وتهيئ ميداناً فسيحاً للمشاركة والتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق، وتظهر صورة مشرفة فيها حب الوطن والحرص على مقدراته والمحافظة على مرافقه، وهي بكل مظاهرها الحضارية تحرج الأنظمة الحاكمة والأجهزة الأمنية محلياً وعالمياً.
إلى الحكومات العربية:
هذه الأحداث غير مسبوقة في العالم العربي في العصر الحديث، ولم يحدث مثلها في سائر الدول بأنظمتها الحكومية الحالية، ومن ثم لابد أن تعي الحكومات أن الزمن تغير، وأن عصر الانفتاح الإعلامي، وتدفق المعلومات وانكشاف الأسرار، لم تعد تجدي معه سياسات الحجب والمنع والمصادرة، وأن الجيل المتعلم الواعي لا يصح أن يهمش وتتم معاملته بالوسائل والحلول الأمنية، وان المشاركة المجتمعية هي بصمة وعنوان المجتمعات البشرية في أنحاء المعمورة، ومن هنا نبعث هذه الرسائل:
1- إن الواقع المعاصر – سيما في المجال السياسي – أصبحت كلمته المسموعة وشعاراته المرفوعة وممارساته المنظورة كلها تقوم على المشاركة الشعبية الحقيقية في جميع المستويات من خلال الانتخابات الحرة النزيهة، وآن الأوان أن تنتهي حالات المنع الكامل لجميع أنواع وصور المشاركة الشعبية في عدد من الدول العربية، كما أنه آن الأوان أن تنتهي مهازل الانتخابات المزورة والنسب المخجلة التي شوهت صورة مجتمعاتنا العربية حتى صارت مضرب مثل في التزوير كما هو معلوم في كثير من دولنا العربية، ومن ثم ينبغي إقرارا توفير الحريات، من حرية التعبير وحرية التجمع وتكوين مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
2- إن تمكن العقلية البوليسية وتسليط أجهزة الأمن القمعية على الشعوب في عالمنا العربي ، جعل لهذه الأجهزة أسوأ صورة عند الشعوب، حتى بات مجرد ذكر اسمها يصيبهم بالخوف والهلع؛ لأنهم يرونها وهي تنتهك حقوق المواطنين، وتعتدي بالضرب، ، وتتفنن في التعذيب، وتتحول إلى عنوان الظلم والقهر، وقدمت تلك الأجهزة أبشع صورة للعالم عن عالمنا العربي، وجعلته مضرب مثل في إهدار حقوق الإنسان، ولابد من التغيير الجذري في الدول العربية بإلغاء كل ذلك، بدءاً من تغيير عقلية الحلول الأمنية لجميع المشكلات، ومروراً باحترام حقوق الإنسان وكرامة المواطن، وتوفير كامل الضمانات لعدم التجاوز بوضع الأنظمة والعقوبات الرادعة، ومحاسبة ومعاقبة المعتدين.
3- الفساد الإداري والمالي تسبب في نهب الثروات وتخلف المجتمعات وتقلص الطبقة الوسطى، كما قذف بنسب كبيرة من الشعوب تحت خط الفقر، وجعل الدول العربية – في الجملة – دولاً متأخرة جداً في سلَّم الدول في التعليم والصحة والشفافية وحرية الصحافة والإعلام، ومعظم ما أعلن عن تأسيسه في الدول العربية من هيئات لمكافحة الفساد ليس إلا شكلاً دعائياً لرفع الحرج الدولي أو تسكين الاحتجاج المحلي، وهنا نؤكد أن الفساد والاستبداد صنوان لا يفترقان، وأن الحكومات العربية مطالبة بشكل فوري إلى منع حقيقي لكل صور الفساد الإداري بجميع صور استغلال النفوذ والسلطة، وكذلك منع الفساد المالي بجميع ألاعيب سرقة الثروة، وإصدار أنظمة شفافية بأعلى المستويات، مشتملة على الجزاءات والعقوبات، والعمل بموجبها بشكل متكامل بدون استثناءات، كما يجب تعيين المهنيين الأكفاء في المناصب التي تحتاج إلى تخصص وخبرة مع النزاهة والسمعة، حتى تتطور المنشآت والخدمات الصحية، وتتقدم البرامج والمؤسسات التعليمية، وتتحسن الأوضاع المعيشية، وترتفع معدلات مستوى الدخل للمواطن.
4- حرية الإعلام وتدفق المعلومات ووسائل التواصل والاتصال أصبحت سمة من سمات العصر، وأدرجت ضمن حقوق الشعوب، والمنع العام والقطع المتعمد، والمصادرة المقصودة، والإغلاق التعسفي كل ذلك غير مقبول من جهة، كما أنه غير مجدٍ من جهة أخرى؛ لأن التقنيات الحديثة تتجاوز الحجب بوسائل متعددة، ومن هنا فينبغي لدولنا العربية أن تتجاوز الذهنية السلبية والممارسة القمعية وتغير الواقع الحالي وفق نظم تعزز الحريات وتمنع التجاوزات.
5- استقلالية القضاء واحترام هيئاته وتنفيذ أحكامه، مع الفصل بين السلطات يعتبر أبرز ضمانات العدالة وتأمين الحقوق واسترداد ما يُعتدى عليه منها، ومن مصلحة الحكومات تعزيز استقلالية القضاء والمبادرة إلى ذلك بشكل عاجل وفاعل، والتزام التشريعات التي تكفل للمواطنين التقاضي أمام قاضيهم الطبيعي ومنع المحاكم العسكرية للمواطنين، وإنهاء جميع صور التدخل والضغط على القضاء والقضاة، وطي ملف الأحكام المسبقة والجاهزة التي تضر بالدولة والمجتمع.
إننا ننادي حكامنا بكل حكمة وروية أن يكونوا المبادرين إلى التغيير الإيجابي، والرواد في النهج الإصلاحي، والبادئين بمد أيديهم إلى مواطنيهم لما فيه خير البلاد والعباد.
إلى الحكومات الغربية:
لا يخفى على أحد أن الإدارات الأمريكية وحكومات الدول الغربية الكبيرة لها تدخل كبير في شؤون بلادنا وحكوماتنا العربية، وهذه التدخلات تهدف إلى تحقيق مصالحهم المباشرة وغير المباشرة، وفي سبيل ذلك يتغاضون عن الحقوق والنظم والمعايير التي يَدْعُون إليها ويرفعون شعاراتها، بل إنهم يتجاوزون ذلك ويدعمون ما يناقضها، وجملة سياساتهم تكرس مصالحهم على حساب مصالح الشعوب، كما أن العنوان الأبرز هو الانحياز إلى الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، ومن ثم فإن جل المواطنين العرب لديهم مشاعر وآراء سلبية تجاه تلك الحكومات الغربية على وجه العموم، وخلال هذه الأحداث التي ثارت فيها الشعوب في تونس ومصر انكشف المزيد من حقائق الدعم الغربي للأنظمة الحاكمة بكل ممارساتها السياسية الظالمة، وأجهزة أمنها القمعية وأسلحتها وتدريباتها، ومن هنا فإننا نخاطب تلك الحكومات:
1- التخلي عن سياسة الوصاية والهيمنة والكيل بمكيالين، واحترام إرادة الشعوب، والتوقف عن دعم أشكال مصادرة الحريات والاستبداد، وعدم الدفع بالأنظمة للعمل ضد مصالحها القومية، وعكس مصالح شعوبهم، وعدم تقديم المساعدات الأمنية والأسلحة للأجهزة الأمنية التي يعرفون أنها تمارس القمع والظلم، ولابد من العلم بأن الشعوب تطلع على الحقائق وتعلم الخفايا، بل وسائل إعلامكم هي التي تكشف الأسرار وتهتك الأستار.
2- الكف عن الحملات الإعلامية والممارسات السياسية التي تتهم الإسلام بالعنف، والتوقف عن صناعة التخويف من الإسلام (الفوبيا الإسلامية)، والامتناع عن التحريض ضد الإسلام والمسلمين من خلال ما ترسمه أجهزة الاستخبارات، وتقارير ودراسات المراكز اليمينية المتحاملة، فإن هذه السياسة أججت نيران الخلافات، وأسست لصراع الحضارات.
3- إن ما حدث في تونس ومصر هو نموذج لما أنتجته سياساتكم الداعمة للأوضاع والممارسات الفاسدة، فأنتم من كان يغض الطرف على التلاعب بالدساتير لتثبيت الحكام مدى الحياة وقطع الطريق على تداول السلطة، وأنتم الذين مررتم التزوير السافر في انتخابات مجلس الشعب المصري وكل ما قالته أمريكا راعية الديمقراطية في العالم أن الانتخابات لم ترق إلى المعايير الدولية.
4- إن سياستكم العدوانية التي قامت باحتلال وتدمير العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل، وتبين لاحقاً أن ذلك أكذوبة كبرى كما كشفته وسائل إعلامكم الغربية، ثم توالت الفضائح المخزية في أحداث التعذيب في سجن (أبوغريب)، ثم فضائح جرائم (بلاك ووتر)، فضلاً عن احتلال أفغانستان وإغراق باكستان في أتون التفجير والتدمير، وترتب على ذلك قتلى تجاوزت أعدادهم مئات الآلاف إلى الملايين، إضافة إلى تدمير البُنَى التحتية، وبث أسباب الفرقة، ووضع بذورتفتيت الدول إلى دويلات، وذلك كله ببساطة هو سبب كراهية شعوبنا لكم ولسياساتكم وأدواركم، وبعد كل هذا آن الأوان أن تتراجعوا عن هذه السياسات والممارسات.
5- سياستكم تجاه قضية الأمة العربية والإسلامية الأولى (فلسطين)قائمة على الانحياز الفاضح، والدعم الواضح لإسرائيل وتجاهل مأساة الشعب الفلسطيني وحقوقه المنتهكة وأرضه المغتصبة، وغض الطرف عن كل الانتهاكات الكبرى والمستمرة لحقوق الإنسان، والرفض الدائم لتطبيق القرارات الدولية، مع عدم الالتزام بالاتفاقات الدولية، والوقوف في المحافل الدولية لإبطال كل قرار إدانة أو مطالبة بمحاكمة، والاستمرار بالكيل بمكيالين فجرائم الاحتلال مفهومة كمطلب لتحقيق أمنه، ومقاومة الشعب صاحب الحق إرهاب وعنف، وانقلابكم على الديمقراطية التي ترفعون شعارها، والمباركة أو المشاركة في الحصار الإجرامي الظالم على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة حتى ضج أحرار العالم من هذه الجريمة، وكان أبرز من سعى إلى كسر هذا الحصار أحرار بلادكم الذين أبوا الظلم، وأعلنوا براءتهم من سياساتكم، فماذا تتوقعون بعد ستة عقود من هذه السياسات والممارسات تجاه فلسطين وفيها قبلة المسلمين الأول ومسرى رسول الإسلام؟، وكيف تتساءلون عن سبب كراهية الشعوب العربية والإسلامية لسياساتكم المناصرة لأعدائهم؟!.
إلى الشعوب الغربية:
نحن شعوب مثلكم لنا حقوقنا الكاملة، وعندنا آمالنا التي نريد تحقيقها، وعندنا طموحاتنا في نهضة أمتنا وتقدم دولنا، وإن ثقافتكم العامة عن حقوق الإنسان، ومبادئكم عن حرية التعبير والإعلام، وممارستكم في المشاركة السياسية عبر صناديق الانتخابات في جميع المستويات، وسعة وتنوع تجمعاتكم وتفاعلكم من خلال مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات، كل ذلك تتم محاصرتها ومصادرتها في بلادنا بمباركة من حكوماتكم، بل بدعم تخطيطي وفعلي مباشر وغير مباشر وبمعنى آخر فإن ما تقرره حكوماتكم من المعايير، وما ترفعه من شعارات الحرية والعدالة، تعمل بعكسه مع شعوبنا، وأنتم من بيَّن كثيراً من ذلك من خلال تقارير منظماتكم الحقوقية، وتقارير وسائلكم الإعلامية، ومن هنا فإننا نرى أن عليكم واجباً أن تنتصروا لمبادئكم، وأن تضغطوا على حكوماتكم أن لا تتورط في هذه التجاوزات، وبالحد الأدنى أن يرفعوا أيديهم ويوقفوا تدخلاتهم.
ونود أن تعلموا أننا شعوب متحضرة لها تاريخ أصيل وحضارة عريقة، وأن ديننا الإسلامي دين سماوي فيه أسس العدالة والإنصاف، وركائز الحرية المسؤولة، وحقيقة المساواة الإنسانية، ومخزون هائل من القيم الأخلاقية، ولدينا نظام اجتماعي يقوم على تماسك الأسرة وتربية ورعاية الأبناء وبر وتوقير الآباء، ونريد منكم ألا تنخدعوا بالدعايات المغرضة والإعلام المضلل الذي يشوه صورتنا، وابذلوا جهدكم لتتحروا من هذه الإساءات وتعرفوا علينا مباشرة بدون وسائط عبر وسائل الاتصالات الحديثة، وانتصروا للحق، والتزموا العدل.
إن مصر أكبر دولة عربية، وأجهزتها الأمنية الأكثر عدداً والأحسن تجهيزاً والأفضل تدريباً، وعندما بدأت المظاهرات يوم 25 يناير في ميدان التحرير بالقاهرة بعشرات الآلاف وانتهى الأمر الآن إلى أن المظاهرات عمَّت معظم المحافظات، وانضم إليها العمال والفلاحون، وشارك فيها الأطباء وأساتذة الجامعات، ومنسوبو النقابات المهنية المختلفة، إضافة إلى جموع من الفنانين والممثلين والإعلاميين، والأعداد صارت بالملايين، وتراجعت قبضة الحكومة وتوالت قراراتها التي تمثل اعترافاً ضمنياً وربما صريحاً بالاتهامات الموجهة ضدها بالفساد والاستبداد، وتمثل ذلك بإقالة الحكومة وتغييرها، ثم إقالة أعلى هيئات الحزب الحاكم وكبار مسؤوليه، ثم تجميد حسابات مجموعة من كبار رجالات الدولة والحزب وتقديم بلاغات ضدهم من النائب العام، وتعديل مواد الدستور المنتقدة، وقبل ذلك الاعتراف العملي بتزوير انتخابات مجلس الشعب، ثم تفويض الرئيس صلاحياته إلى نائبه وفق ما يقتضيه الدستور، وأخيراً تنحي الرئيس عن منصبه وتولي المجلس العسكري شؤون البلاد، كل ذلك يوضح أمرين اثنين بوضوح تام:
الأول: أن الحكومة والحزب كان مستأثراً بالسلطة والثروة، وأنه كان مشبعاً بالفساد والاستبداد.
الثاني: أن الشعب عانى كثيراً ولديه مخزون هائل من الشعور بالغبن والظلم وأن الغالبية الكبرى منه كانت ضحية لأقلية محدودة.
وإذا حصل كل ذلك في مصر الدولة الكبرى في العالم العربي فإنه لابد من وقفات مراجعة ومحاسبة على كل المستويات، ولابد من إصلاح وتصحيح في كل المجالات، ولابد من مبادرات ومشاورات، ولابد من تعاون وتكامل، ولابد من إخلاص وتجرد، ولا ينبغي أن تمر الأحداث دون اعتبار، أو يتم تجاهلها والتعامي عنها، والخطر الكبر أن تتم محاولات التفسير المغلوط والتحريف المقصود مع كل هذا الوضوح للأحداث التي بثتها مباشرة على الهواء مئات القنوات الفضائية.
إننا ننادي أمتنا العربية بكافة أجهزتها ومؤسساتها ورجالاتها من رجال الحكم والسياسة، وقيادات المجتمع من العلماء والدعاة والأكاديميين والمثقفين، والقيادات الشبابية الواعية المتعلمة، كافة الشرائح أن يجتمعوا على كلمة سواء من أجل الانخراط في جهود الإصلاح الحقيقي الشامل، والبدء في مسيرة النهضة والتنمية في مجالات الحياة المختلفة، وعلينا بانتهاج استراتيجية المبادرات لا المواجهات، وأسل الله أن يجعل عاجل أمرنا وآجله إلى خير، وأن يحفظ البلاد والعباد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.