باريس: د . محمد الغمقي المتتبع لتطورات الأحداث في منطقة شمال أفريقيا يلاحظ تشابهاً كبيراً في المسار والأطراف الفاعلة، مع اختلاف في المستويات بحكم الخصوصيات الجغرافية السياسية لبلدان المنطقة والعقليات الاجتماعية لشعوبها. سنتوقف هنا عند منطقة المغرب العربي وتحديداً تونس والمغرب اللتين شهدتا انتخابات متشابهة إلى حدّ كبير في النتائج، لكنها مختلفة من حيث الإطار والظروف التي تمت فيها. أهم نقاط التشابه بين التجربتين التونسية والمغربية تتمثل في إفراز الانتخابات لتركيبة سياسية جديدة، تقوم على تصدّر الإسلاميين ذوي التوجه المعتدل والمنفتح للنتائج، بما يؤهلهم للعمل القيادي وممارسة الحكم.. فقد حصل حزب «النهضة» بقيادة الأستاذ راشد الغنوشي على 43% من أصوات الناخبين في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس (23 أكتوبر الماضي)، في حين حصل حزب «العدالة والتنمية» بقيادة الأستاذ عبدالإله بن كيران على 37% في الانتخابات التشريعية بالمغرب (نوفمبر الماضي) بعد فوزه ب107 من مقاعد الغرفة الأولى للبرلمان المغربي البالغ عدد أعضائها 395 مقعداً، أي خلال شهر واحد، تغيرت الخارطة السياسية في بلدين من المنطقة المغاربية لفائدة أحزاب ذات مرجعية إسلامية. بيد أن الصعود إلى السلطة لم يتم بنفس المسار، حيث إن حركة «النهضة» وصلت إلى الحكم بعد أن كانت تعيش حالة اضطهاد وإقصاء سياسي كامل، نتيجة الإستراتيجية الاستئصالية التي انتهجها نظام «بن علي» ضد الحركة الإسلامية منذ التسعينيات.. واليوم، دخلت «النهضة» إلى السلطة من البوابة الكبيرة عبر صناديق الاقتراع في شفافية تامة بتزكية شعبية واسعة.. بينما كان حزب «العدالة والتنمية» في المغرب ضمن المعادلة السياسية، وطرفاً فاعلاً في العمل السياسي بحكم وجوده في البرلمان منذ سنة 1997م، وأكثر ما يميز هذا الحزب وشخصية أمينه العام (بن كيران) قبوله بالنظام الملكي، وللتذكير، فإن بن كيران ونائبه عبدالله بها وضعا سنة 1990م وثيقة تقبل فيها الحركة بالنظام الملكي، بل وتقرُّ فيها بإمارة المؤمنين التي تؤسس للشرعية الدينية للملك ونظامه من أجل إقرار الشرعية الدينية له، مما يلزمه بهذه الشرعية التي تسوغ للحركة الإسلامية مساءلته عليها ومحاولة إلزامه العمل بمقتضاها، وباعترافه بالشرعية الملكية على عكس حركة «العدل والإحسان» الرافضة لها من الأساس، تركز الصراع السياسي لحزب «العدالة والتنمية» على انتقاد الفساد في سياسات الحكومات السابقة، مما أكسبه شعبية متزايدة استفاد منها عندما تُرك المجال للعبة المفتوحة في الانتخابات التشريعية الأخيرة دون تدخل «المخزن» الذي يعني الدولة، كما استفاد من الزخم الذي أحدثته التجربة التونسية ووصول «النهضة» للسلطة. تحديان.. الإصلاح والهوية ثم إن الانتخابات في البلدين وإن كانت تتشابه في النتائج فإنها تختلف في طبيعتها، حيث إن تونس تعيش أجواء التأسيس لجمهورية ثانية، وما يقتضيه من وضع دستور جديد يقطع مع عهد الاستبداد وحكم الفرد الواحد والزعامة الملهمة، ومن تحالفات جديدة تراعي مصالح الوطن قبل المصالح الحزبية الضيقة، ذلك أن تونس شهدت أول ثورة شعبية في المنطقة العربية تطيح بنظام بوليسي، وبالتالي، فإن الشعور السائد هو القطيعة مع الماضي السياسي والثورة على الاستبداد، وهو نوع من الإصلاح يختلف في طبيعته مع العقلية السياسية السائدة في المغرب التي تسعى إلى الإصلاح داخل المنظومة السياسية القائمة. ويتشابه الوضع في البلدين من ناحية الاستقطاب الإسلامي - العلماني، وتحول التيار العلماني المتشدد إلى قوة معارضة من داخل البرلمان وخارجه.. تجدر الإشارة إلى وجود اختلاف بين طبيعة التيارات العلمانية في البلدين، حيث إن التيار العلماني في تونس يعاني من فئة متطرفة استئصالية داخله كان لها تاريخ طويل من الصراع مع التيار الإسلامي في الحياة الجامعية خلال السبعينيات والثمانينيات، ثم تحول إلى صراع سياسي منذ التسعينيات، وتشكَّل في الانتخابات الأخيرة في كتلة «القطب الحداثي» الذي لا يتردد في مراجعات جذرية للمرجعية الإسلامية، والتشكيك في مقومات الهوية الدينية باسم الحداثة والمعاصرة.. أما في المغرب، فإن الصراع كان شرساً سياسياً وأيديولوجياً مع حزب «الأصالة والمعاصرة» ذي التوجهات العلمانية. ويبقى القاسم المشترك بين التجربتين من حيث علاقات الجوار مع نفس البلد «الجزائر»، هذا البلد الإستراتيجي في المنطقة المغاربية، وتداعيات هذا المعطى على التحول الديمقراطي في البلدين المجاورين له، في ظل التنافس الأوروبي - الأمريكي على المحافظة على المصالح في المنطقة بالمنطق «البراجماتي»، الذي يقتضي الأخذ بالاعتبار - تظاهراً أو قناعة - إرادة الشعوب في التغيير نشر بمجلة المجتمع