نصرالدين السويلمي {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } "الأنعام:162-163" لم تكن فكرة تحيّيد المساجد فكرة ناشئة قادمة لتوّها من رحم التدافع الذي تشهده البلاد منذ ثورة الحريّة والكرامة وإنّما هي سلوك وعقيدة لمنهج العلمانيّة المتطرّفة، ولم يكن هذا النسيج العلماني متآلفا متصالحا على هدف مثل تآلفه على تحيّيد المساجد وإقصائها من حياة الفرد والأسرة والمجتمع واختزال دورها في ما قلّ من العبادات ثم ذلك مبلغها من العلم والفعل والتأثير، لقد سعت وتسعى وستسعى هذه الطوائف العلمانيّة المصابة بفوبيا الهويّة إلى فصل الإسلام عن الدولة وفصل المساجد عن المجتمع وفصل الآيات التي لا تروق لها عن المصحف، هستيريا من الفصل والتحيّيد سوف تنتهي بهم إلى المطالبة بمنع المصحف أصلا، وقد سبق لأحد "التنويريّن" وقال "لا فائدة من إصلاح المصحف وإخضاعه للكينونة والمدنيّة لأنّ كل ما فيه متمرد". في تونس مغول لا يطالبون بحياد المساجد ووقوفها على قدم المساواة من جميع الفرقاء السّياسيّين فحسب بل يرغبون في عزلها تمهيدا لشطبها، وفي تونس تتار يريدون أن تقوم المساجد بِخُمس مهامها وتترك لهم الأربعة أخماس الأخرى يتصرفون في إراداتها، وفي تونس يأجوج يتداوون بالخمر والزطلة والفليوم من صداع صوت الآذان، وفي تونس مأجوج يكرهون الإمام ككرههم ملك الموت ويفزعون من تكبيرة الإحرام كفزعهم من النفخ في الصور، في تونس كيانات بشرية أقصى أحلامهما أن يحذف يوم الجمعة ويقتصر الأسبوع على ستة أيام، في تونس زمرة من الأشقياء اقتراحاتهم حول المساجد يخجل من فجورها الخجل ، في تونس يناضل خوارج الطائفة العلمانيّة من أجل تحيّيد المساجد عن المجتمع والأخلاق والفضيلة والصلح وبرّ الوالدين والعفاف والكلمة الطيّبة والحشمة والوقار والأسرة والزواج والتربية والطفولة والتكافل والرحمة والمودّة والتواصل والرفق والتآزر والإيثار.. وإسناد كل هذا المهام إلى النّساء الديمقراطيّات. بعد سنة ونصف من الثورة أصبح جليّا أنّ العلمانيّة المتطرّفة في بلادنا لم تقطع مع سياسة بن علي في جميع مجالاتها، فتراهم يسعون إلى السلطة بواسطة الانقلاب والطرق الالتفافيّة، ثم هم يروّجون إلى بضاعتهم عن طريق نفس الماكينة الإعلاميّة التي استعملها المخلوع، ويستنجدون بنفس رؤوس الأموال الفاسدة التي ترعرع عليها نظام بن علي، ويرغبون في إحداث قطيعة كاملة بين المجتمع والمساجد تماما كما صنع الطاغية ، لكنّهم يزايدون عليه في محاولة تركيز علمانيّة متطرّفة أوتادها لائكيّة داكنة، لقد تلعثم بن علي أمام البند الأول من الدستور وتفيهق هؤلاء وذهبوا يطاردون الإسلام من جذوره ، لا يريدون سماع اسم الإسلام في أيّة وثيقة كانت، ابتداء بوثائق الدستورانتهاء بأبسط الوثائق الإداريّة. إنّهم يحجرون على إمام الجامع المعمور"الزيتونة" وإمام مسجد عقبة بن نافع والشيخ الجوادي والشيخ بن حسين..الحديث حول الشريعة في الدستور وحول البند الأول "الإسلام دين الدولة" وحول فقرة احترام المقدّسات، يحجرون عليهم ذلك بدعوى انها ليست من مهامهم بل هي من مهام جليلة بكّار ونادية الفاني ورجاء بن سلامة، وهم يجزمون أنّ هكذا قضايا ليست من صلاحيّات الأئمة بل هي حكر على أهل السّياسة والفكر والثقافة، يريدون أن تصبح المساجد مؤسّسات تنفيذيّة تعلّب لها السلطة المتغلّبة القرارات لتنفذ فوق المنابر، وعندما يقرّر بن عياض أنّه لا بند أول ولا شريعة ولا حجاب ولا زواج ولا دروس.. ترسل القرارات في ظرف مغلق ليتلوها بن حسين من فوق منابر رسول الله. في العقيدة العلمانيّة يحجر على الفاضل بن عاشور والخضر حسين وعبد الرحمن خليف ومحمد سالم بوحاجب ومحمد الأخوة ومحمد الشاذلي النيفر.. أن يتكلموا في قضايا وهموم المجتمع ودور الإسلام في الإصلاح والأخلاق والفضيلة ، ويخوّل للنوري بوزيد وجلال بريك وتوفيق بريك وسفيان بن فرحات وألفة يوسف وسعيدة قراش أن يقرّروا موقع الإسلام من الدستور ودور المساجد في المجتمع . في تونس ما بعد الثورة حجاب المرأة المسلمة ليس من اختصاص العالم الرباني محمد الطاهر بن عاشور بل هو من اختصاص الصحفي اللامع معزّ بن غربية ، في تونس اليوم تتحدث النخبة بلا وجل عن مشروع الحجر على الأئمة وعن قانون يضع المساجد تحت الإقامة الجبرية ، إنّهم يريدون تحيّيد المساجد و"العياذ بالله"..