بين التجمع المنحلِّ و اليسار المنفتح وشائج تلاق و تعاون و تقاسم للأدوار لا تخطئها عين قبل الثورة أو بعدها وبرجالات معروفين جدا جدا بانتماءاتهم اليسارية فعرفنا "اليسار التجمعي " قبل الثورة و" تجمع اليسار " بعد الثورة. اليسار التجمعي: بنظرة فاحصة و موضوعية لمسار التجمع المنحلِّ يلحظ المتابع أن التجمع المنحلَّ و رئيسه قد كانوا عادلين مع الشعب التونسي برمته حيث توزع القمع و العسف على الجميع و بالتساوي فمنهم من قضى نحبه و منهم من خير السلامة و دفن رأسه في التجمع لكن الملاحظ كذلك يلاحظ أن من الملتحقين للتجمع من اليسار كانوا من علية القوم و نجومه في المجتمع التونسي شمل عددا من الصحفيين و الجامعيين و المثقفين و فتحت لهم الأبواب الكبيرة على مصراعيها فرأس بعضهم صحف الحزب الحاكم و إذاعاته و مراكز التفكير و التكفير و المنتديات الاجتماعية و الثقافية التي صارت أبواق المخلوع و راسمة سياساته و توجهاته و شغل بعضهم حتى مواقع مهمة من هيكل الحزب خاصة في اللجنة المركزية و لجان التنسيق و كل حسب درجاتهم و منهم من شغل الوزارة ووقع قرارات مهمة خاصة تلك المتعلقة بالحجاب و هي نفس القضايا التي كان يناضل ضدها سرا و علانية و أعلبهم من شارك في وضع خطط المخلوع في استئصال التيار الإسلامي بداية من "تجفيف الينابيع" إلى " تقليم الأظافر" و شارك عدد كبير منهم في عمليات التشهير بكل المناضلين ضد المخلوع و حزبه سواء في البرامج التلفزية التي شاركوا فيها أو الصحف التي رأسوها أو رأسوا تحريرها و لعلنا ننسى و لا يمكن أن ننسى صولات و جولات "برهان بسيس" و "سمير العبيدي" في اللقاءات التلفزية العالمية عربية و أجنبيَّةً و في استماتتهم في الدفاع عن المخلوع و حزبه بلا هوادة. و لا يحاججني أحد بأن التجمع دخله كذلك بعض الإسلاميين مثلهم مثل اليساريين و أوافقهم في رأيهم، نعم من الإسلاميين من دخل التجمع و لكنهم ليسوا من علية القوم و صفوتهم و رموزهم بل من الناشطين القاعديين و هم الذين أعجزتهم الحيلة للفرار من البلاد بعد أن ضاقت عليهم و نازعهم أزلامها فيها و لم تتوفر لأي منهم الفرصة للترقي في مؤسسات الحزب مهما كانت درجة برهنتهم على الولاء لأنهم كانوا منعوتين بالاسم و لم يسمح لهم في أحسن الحالات إلا بالعمل في مؤسسات الدولة التي هي حق لهم و لغيرهم في الأصل و المبدإ.
التجمع اليساري: و بعد الثورة و ما أجمل الأيام حين تداول بين الناس رأينا "التجمع اليساري" متمثلا في التجمع الباجي الذي أصبح رجالاته يجاهرون بانتمائهم دون حياء و لا اعتذار للشعب المهووس بهذا الحزب المنحل و أفاعيله في الناس و الدولة برمتها. الناظر بتفحص لهذا الحزب و بدايات تشكله يلاحظ تكوُّنَهُ أساسا مما يسمى " أنتلجنسيا اليسار" أولائك الذين يرون في أنفسهم رموز اليسار في العالم و علية مثقفيه و سدنته و الذين تعففوا عن دخول الأحزاب اليسارية التقليدية لاعتراضهم على وجهها الشعبوي الذي لا يناسب صالوناتهم التي كانت تأويهم و ندواتهم في النزل الفاخرة التي كانوا يلقونها على أناس فاخرين مثلهم و مثلها و بقوا طيلة تلك الفترة محلقين عاليا عن الشعب الكادح الذي يتاجرون بقضاياه و آلامه و ينالون باسمه الحماية الدولية من المنظمات الحقوقية العالمية و الإقليمية ووجد فيهم المخلوع كذلك ضالته ماداموا لا ينزلون إلى الشارع يربح هدوءهم و دعتهم و يربح صورتهم التي يروجها عن الديمقراطية النوفمبرية الفاخرة. و اليوم بعد أن التفت الساق بالساق و لم يجدوا أنفسهم لا في العير و لا في النفير كان لزاما عليهم أن يُوجِدُوا منبرا يحميهم تكون له "ماكينة " انتخابية مدرَّبة و ذات خبرة فائقة فالتف أبرز وجوه هذه الأنتلجنسيا في شقها "العاشوري" و رفاقهم المقربين حول قريبهم "الباجي" لأنه يضمن لهم – في اعتقادهم – الصورة الغير يسارية أولا و الماكينة التجمعية ثانيا فضلا عن استثمارهم للصورة التي رسخت لدى العديد من الناس عن هذا الوريث للشق الدستوري في التجمع ذي الملامح البورقيبية التي يمكن تسويقها على الهوام و العوام، و تنادوا من كل حدب و صوب منادين بإبعاد التجمعيين عن حزبهم في حين أن التجمعيين يرددون أنهم أصل الحزب و جسمه و أن علاقتهم بيسار تجمعهم لا تعدوا أن تكون احتراما "للباجي" و أن هذا الأخير سيقف صدا أمامهم و أمام رغباتهم و ستكشف لنا الأيام القادمة من سيكون الأصل و من سيكون صفرا على اليسارِ. مراد بوبكر