1. خامس الأحداث ما أقدمت عليه "قناة نسمة" في بداية أيام الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس التأسيسي من عرض فلم" فارس بوليس" في حركة أثارت صخبا كبيرا و عنفا شديدا اشتركت فيه كل الأطراف تقريبا ضد بعضها البعض و لا تخفى أهداف القناة من عرضه لكن النتائج كانت مختلفة تماما عن الأهداف فضلا عن الجراحات التي خلفها في نفوس قطاع واسع من الشعب التونسي و كان عنفا رمزيا مازالت آثارهُ ماثلة عند الكثيرين. تلته بعد ذلك حملة "أعْتَقْنِي" التي تلاها ردٌّ ساخر "عنَّقْنِي" و عنف بعنف مازالت عباراته تتردد إلى يومنا هذا. 2. بعد الانتخابات بقيت كل أنواع العنف السالفة الذكر أضيف لها عامل جديد مُتَّهَمٌ بممارسة العنفِ هو "رابطات حماية الثورة" التي تتهمها الجهات المعارضةُ - و لا تنكر هي ذلك - بممارسة العنف ضد بعض الأحزاب التي ترى فيها الرابطات إعادة رسكلةٍ للتجمُّعِ المنْحَلِّ و ترى فيها المعارضة "ميليشيا" تابعة للأطراف الحاكمة المتهمة بحمايتها بل و كان طلب محاكمتها و منعها من النشاط مطلبا أساسيا لعدة أطرافٍ للمشاركة في الحكم و وقع الاستجابة لهذا الطلب في الحكومة الجديدة و شرع الكاتب العام للحكومة في تقديم إنابات عدلية للبحث في ممارساتها و إمكانية حلها.و حتى ننهي تفكيك موضوع "رابطات حماية الثورة" أقول أن هذه الرابطات تورط مع الأسف بعض أعضائها في ممارسة ما رأى فيه بعض أطراف المعارضة عنفا تمثل في تلك الوقفات التي كانوا يقومون بها أمام اجتماعات "حركة نداء تونس " خاصة لأنهم كانوا يعتقدون أن هذه الحركة تمثل ردة على الثورة و عودة للحزب المنحلِّ أكثر منه حزبا ثوريا يعيش اللحظة الثورية و لكنهم و في اعتقادي هم من زاد في شعبية هذا الحزب و اشتهاره أكثر مما أنجزه أتباع النداء للاشتهار لأنه كان عليهم أن يصنعوا شعبا يحمي الثورة عوض القيام بذلك بأنفسهم عبر نشاطاتٍ فكرية و ثقافيةٍ تكشفَ الأخطار التي تحيط بالثورةِ فتصنع بذلك شعبا يحمي الثورة و لا يولي وجهه عنها لأعدائها عوض أن تقوم بذلك عبر هذه الوقفات الاحتجاجية ضد بعض الأحزابِ التي تخللها العنف المادي الذي كانت من نتائجه موت تونسي ما كان أن يموت بمثل هذه الطريقة مهما كان الفعل الذي قام به و حمل عليها و لو أنكرت هي ذلك.و لعل الأيام القادمة ستفصح عن حلقاتٍ أخرى من هذا المسارِ. 3. المظهر الآخر للعنف و الذي برز كذلك بعد الانتخابات هو ما حُمِلَ على التيار السلفي بداية من الوقفة في شارع الحبيب بورقيبة و ما عرف وقتها "بغزوة المنقالة " و التي تخللنها بعض مظاهر العنف المادي على بعض الفنانين الموجودين وقتها أمام المسرح البلدي و ما تخللها كذلك من دعوات وصلت إلى القضاء لموت بعض الشخصيات و ما كان لهذه الوقفة من ردود فعل مختلفة في وساءل الإعلام المحلية و الأجنبية و كان على هؤلاء الإخوة أن يدعوا " إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة " لأن شعبنا خاش سنوات مريرة من التفقير و الإفلاس الديني و لا يريدون الانغماس في الممارسة الدينية دفعة واحدة و يريدون ذلك على جرعات أسوة بالرعيل الأول من المسلمين في مكة لأننا – و هذا رأيي و لا ألزم به أحدا و لا أتهم به أحدا كذلك – كنا في حالة جاهلية تصل في بعض مظاهرها إلى درجة أكبر من الجاهلية الأولى و لا يمكن الخروج من هذه الوضعية بطريقة الضغط على الزر بل " بالحكمة و الموعظة الحسنة " دون سواهما. 4. و من أبرز مظاهر العنف التي يشاهدها المواطن التونسي و التي تمارس عليه يوميا ما يخضع له من عنف رمزي في القنوات التلفزية و التي يمارسها الساسة بكل أطيافهم ضد بعضهم البعض و التي يترجمها أتباعهم في أعلب الأحيان إلى عنف رمزي أعنفَ عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتتطور بعد ذلك إلى عنف مادي في الشارع و أثناء الوقفات الاحتجاجية ضد بعضهم بعض و هو ما يعبر عن تصحرٍ سياسي سابق لحقته ثورة مباغتة لم تترك له فرصة لملمة أمرهم و مراجعة مسلماتهم التي سبق أن أودعوها التراب مع بداية سنوات الجمر و عادوا إليها بكل أتربتها التي علتها و بكل شحنائها الاديولوجية السابقة في الجامعة و التي مازال الشعب التونسي يتجرع مراراتها حتى الآن و إلى زمن غير محدد نرجو أن يكون قريبا . ختاما حمى الله بلادنا من العنف بكل أنواعه حتى نتخلص من هذه المرارة التي مازلنا نتجرعها في مذاق ثورتنا. مراد بوبكر