بقلم : منجي بن أم هنة -بكامل الأسى والأسف طالعنا خبر موت السيد لطفي نقض، أحد المواطنين التونسيين بمدينة تطاوين نتيجة ممارسة العنف الشديد ضده الناتج عنه الموت، وإنني إذ أتقدم بأحر التعازي إلى عائلة الفقيد راجيا من الله أن يرزقهم الصبر والسلوان، فإن لله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فليصبروا ويحتسبوا، فإنه بالمقابل لا يسعني إلا أن أنبه الجميع إلى خطورة المنزلق الذي يمكن أن تتردى فيه البلاد جراء ممارسة العنف، فلا شيء يبرر إزهاق الروح البشرية « ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» ، فالاختلاف في الرأي والمواقف لا يجب أن يواجه بالعنف. لقد اختارت تونس السير في ركب الدول المتحضرة بأن تحسم خلافاتها السياسية عبر صناديق الاقتراع، فليجتهد كل طرف في الدفاع عن مواقفه وآرائه دون المساس بغيره. ممارسة العنف تنم عن ضعف الحجة والبينة، فصاحب الحق لا يحتاج إلى ممارسة العنف ليقنع الناس برأيه وإلا انقلب إلى ضعف. إن تنامي ظاهرة العنف هذه الأيام لا تبشر بخير ولا تؤسس إلى مناخ ديمقراطي مدني سلمي يتنافس فيه الفرقاء السياسيون عبر تقديم برامج وتصورات إلى الناخب الذي يبقى سيد نفسه في اختيار من يشاء. في هذا السياق أذكر الجميع بالفتنة الكبرى التي أصابت المسلمين على اثر مقتل عثمان رضي الله عنه، وهي لا زالت مشتعلة إلى اليوم يكتوي بنارها الشعب السوري الذي انقسم بين سنة وشيعة علوية، ويكتوي بنارها الشعب العراقي الذي خسر زهاء المليون نسمة من شعبه، كما أذكرهم أن السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى هو مقتل ولي عهد النمسا على يد شاب من صربيا أثناء زيارة الأمير النمساوي إلى سراييفو، ولا فائدة في التذكير بالمآسي الذي خلفتها تلك الحرب والدمار الذي أصاب العالم بأسره. العنف الوحيد المبرر يبقى عنف الدولة الذي يجب أن تستعمله ضد كل من يتمرد على القانون، فالدولة مطالبة بحماية مواطنيها مهما كانت انتماءاتهم ومشاربهم، جهاز الدولة ملك للجميع فكل مواطن له الحق في التمتع بحمايته ولا شيء يبرر موت شخص على مرأى ومسمع من الأمن الذي كان موجودا بكثافة أمام مقر الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بتطاوين. لماذا لم يتدخل الأمن بأكثر صرامة لمنع موت مواطن يشترك معنا في الهوية والنسب؟ لماذا كل هذا التلاعب بعقول الناس وتمرير ذاك الخطاب الخشبي الذي عهدناه زمن النظام السابق؟ هل نحن في حاجة أن يطل علينا السيد الناطق باسم وزارة الداخلية ليقول لنا بأن المتوفى قد فارق الحياة على اثر نوبة قلبية؟ هل نحن أغبياء لنصدقه ؟ فالرجل قد مات على اثر ممارسة العنف ضده، وهل يريد السيد ممثل وزارة الداخلية أن يرى أشلاءه مبتورة ورأسه مقطوعة حتى يقر بممارسة العنف ضده؟ أم أن الموت بنوبة قلبية أرحم من الموت بنزيف في الدماغ؟ الموت هو الموت بكل بشاعته، فالرجل قد انتقل إلى جوار ربه، واكتوت عائلته وأبناؤه بنار فرقته، كفانا ضحكا على الذقون، وتبرير ما لا يمكن تبريره، يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير الأمن لكل مواطنيها، هذا واجبها، ويجب عليها أن تعامل الجميع بنفس الصرامة. حماية الثورة ومواجهة المسيرات السلمية لا يمكن أن تكون بالعصي والهراوات والزجاجات الحارقة، بل يجب أن تكون بالحكمة والعقل الرصين ومقاومة مظاهر الفساد، والرشوة،والمحسوبية «إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم» هكذا قال الله في كتابه العزيز، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا « ماذا تراني فاعل بكم» قالوا: « أخ كريم وابن أخ كريم» قال: «اذهبوا فانتم الطلقاء»، هذه أخلاق الرسول الكريم فليكن لنا منها نصيب. وفي النهاية لا بد من التأكيد على أن العنف اللفظي خطير بل يمكن أن يكون أشد خطورة من العنف المادي، وهو عادة ما يكون مقدمة له،فمعظم النار من مستصغر الشرر،والحرب مبدؤها الكلام، وهنا لا بد من التزام جميع الأطراف بآداب المعارضة السلمية والابتعاد عن التحريض عن العنف، فالاتحاد العام التونسي للشغل، وبعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي،وبعض رؤساء الأحزاب عبر تشجيعهم ودفاعهم وتضامنهم مع من يقطع الطرقات، ويعتصم بصفة عشوائية، يسهمون في نشر ثقافة العنف وممارسة العصيان والتمرد ضد سلطة وهيبة الدولة، مما يضعفها، ويجعلها لا تقدر على توفير الأمن لمواطنيها. كفانا لعبا بهموم الناس ومشاكلهم، وتقديم الحسابات الحزبية الضيقة على المصالح العليا للبلاد التي تبقى ملكا لكل التونسيين، ولنعترف بإرادة الشعب وما أفرزه صندوق الاقتراع في جولته الأولى، ولتعد الأحزاب السياسية العدة إلى الانتخابات القادمة التي تبقى السبيل الوحيد إلى التداول السلمي على السلطة...