لم يعد خافيا على احد أن حالات التشنج السياسي التي تبدو في كثير من الاحيان على ملامح الساسة قد ترجمت مدى خطورتها على ارض الواقع فتحول الصراع السياسي من السماء إلى الارض. صراع تنفثه الفضائيات فاذا بالملتقى واقع بين كماشة التحريض الضمني للضيوف , مستعملين في ذلك كلمات اقل ما توصف بها كونها كلمات "نارية" , كلمات واشارات يتنقل صداها ليدرك الساحة ويتلقفها المناصرون لهذا الطرف او ذاك ليحولوها بدورهم إلى عنف لفظي في كثير من الاحيان ليلامس مداه الاقصى و يندرج ضمن العنف المادي. ولئن عمل أكثر المتفائلين سياسيا على التأكيد بان المرحلة الراهنة تتطلب "الحوار " دون سواه فان هذه الجرعة بات من الواضح أن مفعولها المؤقت بدا يزول ليعوض "الحوار" بلغة "العنف السياسي" من مختلف الأطراف. فهل نحن واقعون اليوم ضمن دائرة "العنف السياسي" ؟ من المسؤول؟ وكيف السبيل إلى الخروج؟ العنف يهدد الاستقرار قال الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني "تعددت مظاهر العنف السياسي اللفظي والمادي خلال الفترة الاخيرة بلغت إلى حد العنف الجسدي ومنع اجتماعات سياسية بالقوة وهي ظواهر مرفوضة مهما كانت دوافعها. فهذا العنف الذي تمارسه جماعات متشددة ضد مخالفيها او تمارسه جماعات منفلتة يشكل تهديدا للمجتمع فكل هذا العنف نعتبره امرا مخالفا و اعتداء على الحريات الفردية والعامة و تهديدا للمستقبل الديمقراطي للبلاد بما يعكسه تواصل الهشاشة الامنية وتحدي القانون. كما يعكس العنف السياسي حالة التشنج الحاد والتجاذب السياسي والأيديولوجي الذي يستحضر العدواة في الصراع بدل التنافس ويستبعد الحوار الذي يظل الصيغة الاساسية لحل الخلافات. ولعل من ابرز الملاحظات انه كلما احتد التجاذب السياسي بين النخبة الا وارتفعت وتيرة الاحتجاجات وكان المناخ مناسبا لتسلل المجرمين لممارسة نشاطهم. واني أنبه السلطات إلى مخاطر التأخر في معالجة هذه الظاهرة التي لا استبعد تهديدها للسلطة والدولة". الحوار مهما اختلفنا ومن جانبه عبر مؤسس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار خاص " بالصباح الأسبوعي " عن رفضه لكل أشكال العنف وقال في هذا الإطار " ... علينا التمييز بين التظاهر السلمي القانوني وبين تجاوز القانون واستخدام العنف؛ فهذا مرفوض مهما كان مصدره سواء أقام به سلفي أو علماني والسلفيون إخواننا في الدين والوطن لهم تصور وقراءة للإسلام تندرج ضمن التصورات الإسلامية المتعددة اذ ليس هناك كنيسة في الإسلام تنطق باسمه والسلفيون متعدّدون. هناك سلفية علمية وسلفية جهادية وهذه الأخيرة نتمنّى على قياداتها عدم الزجّ ببعض الشباب المتديّن في أتون الفتنة والتورّط في محرقة العنف إذ ليس هناك دولة في العالم تسمح بممارسة العنف؛ فسبيلنا مع السلفيين كسبيلنا مع غيرهم من المواطنين وهو الحوار ثم الحوار مهما اختلفنا معهم في الفكر ومن تجاوز نطاق الفكر الى فرض فكرته عن طريق العنف والترهيب يكون هو الداعي الى عنف الدولة للتعامل معه حماية للمجتمع من شرّه و يكون هو الجاني على نفسه وأتباعه. أملنا كبير في ان تتغلب دعوات العقل والدين على اندفاعات ونزوات العنف الشيطانية قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة". تكرار التجربة ومن جانبه حذر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي من مغبة تفاقم ظاهرة العنف السياسي التي من شانها أن تكون نسخة مما حصل في بعض دول الجوار. وقال الجورشي "أن تونس في اتجاه ظاهرة اخذة في التصاعد ولا ادري أن كان يحكمها التخطيط ام لا." واعتبر الجورشي " أن عمليات الارباك والتخويف ضد عدد من السياسيين والمثقفين هي ظاهرة وجب الحسم فيها والاسراع بايجاد حل لها". موقف الرابطة وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان قد عبرت في بيان لها عن "انزعاجها للتفاقم المضطرد للظاهرة المنذرة بتفشي ذهنية الاحتراب ورواج ثقافة الفتنة وما ينجرّ عن كل ذلك من تصدّع السلم المدنية التي هي شرط أساسي من شروط الانتقال الديمقراطي الرشيد."وقد اصدرت الرابطة موقفها هذا اثر " معاينة التطور الخطير لسلسلة الاعتداءات التي تمارسها المجموعات السلفية الإرهابية على الفنانين والصحفيين والحقوقيين و مؤسسات المجتمع المدني".