ليس أقدر على نخر عظام الأمّة وتشتيت الشمل وإضعاف الصفّ وإذهاب الرّيح من الفتنة؛ تحقّق بوسائلها التي حذّر منها الشارع الكريم في سورة الحجرات المتحدّثة عن مجتمع المؤمنين وفي غيرها من النّصوص القرآنيّة والنبويّة الشريفة!... ومنها على وجه الخصوص قوله تعالى "يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إنّ الله تواب رحيم"، وحديث الحبيب صلّى الله عليه وسلّم: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقّر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" أو قوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الترمذي: "دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"!... وقد يساعد على هذه الأمراض القاضية عدم الجرأة في النّصيحة أو عدم الاهتداء إلى إحسان النّصيحة، و"المنظّرون" قد وقفوا للنّاصح بالمرصاد يعلّمونه كيف ينصح كي لا يُسمِع نصيحته... وذات يوم من تاريخ الإسلام وقفت امرأة أمام رأس الأمّة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وأرضاه تقول له: "ياعمر: كنا نعرفك عميرا فأصبحت عمر ثم أمير المؤمنين فاتق الله فينا فشق ذلك على عمر حتى أطرق... فقام أحد مرافقيه بنهْر تلك المرأة، فقال: ويحك أتقولين هذا لأمير المؤمنين (وهو سلوك الحواشية اليوم) فما كان منه رضي الله عنه إلّا أن قال أسكت يا هذا، هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر حري أن يسمعها". وقفوا مجدّدا أمام عمر وهو يختبر قومه من الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثا، قال بشير بن سعد: لو فعلت، قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذا أنتم... والسؤال هنا هل بتنا نحن اليوم نحن، وقد صرنا شديدي الحساسيّة... نريدها نصيحة ناعمة "غير جارحة" غير معلنة غير مقعّدة بالآية والحديث فإنّ التقعيد عند البعض تدليس (حسبنا الله ونعم الوكيل)!... أقول: ليس مِن الصفّ المسلم مَن ينقل مجالس المسلمين بعنوان المحافظة على صفّ المسلمين، وأؤكّد بوضوح لا يحتمل الاجتهاد أنّ مَن يفعل ذلك مجرم في حقّ الصف المسلم وفي حقّ نفسه!... فإنّ الجوسسة كانت وستظلّ لحماية المسلمين من أعدائهم فقط فقط فقط ولم تكن يوما لتحصين المسلمين ضدّ المسلمين!... ليس مِن الصف المسلم مَن يقبل ما يُنقل إليه دون بحث ودون إجراءات تتبع البحث... ليس من الطبيعي أن يكون في الصفّ المسلم متمعّش من جوّ ساءت فيه العلاقة بين المسلمين!... ليس مِن المسلمين مَن يسعى لتزهيد ساكن حيّ في أهل حيّه يبغّضونه فيهم للاختلاء به - ربّما - دون عصبة تحدّث عنها ابن خلدون في مقدّمته!... علينا جميعا أن نقف صفّا منيعا أمام الأمراض المشار إليها أعلاه، فإنّه لن يقوى الصفّ إلّا بإشفاء القلوب وإصحاحها، وبإفشال أصحاب مساعي السوء الأراذل!... أعلن أنّي أعامل المسلمين (أهل السنّة والجماعة) جميعا كما أراهم مسلمين، ولن أعامل مسلما كما قد يراه النّاس مركزا اجتماعيّا تُرجى المنافع بوجوده، وإنّي على هذا الأساس أحبّ وعلى هذا الأساس أبغض وعلى هذا الأساس أنصح!... فمن رضي نصحي فبارك الله فيه ومن كره نصحي فلا يعمل به... ومن أردت إبلاغه شيئا سعيت بنفسي لإبلاغه ذلك الشيء إلّا إذا أبت عليّ الإمكانيات ومن نقل من مجلسي ما أرد إبلاغه دون تكليف رسميّ منّي أو كذب عليّ فهو عندي بعيد جدّا عن صفة المسلم المؤمن الذي أرغب في صحبته. وعليه بَذْل الجهد الكبير للتدارك، إن كتب له التدارك... نسأل الله حسن الخاتمة... وقد قلت هذا بهذه الصراحة لعدم استعدادي للعيش في منازل الضغط، فضغط قلبي ينصحني الأطبّاء فيه بالابتعاد عن الضغط، وكلامي هنا عام بعيد عن التخصيص وإن ارتكز على بعض الأحداث التي لمّا علمت بمضمونها قلت فيها رأيي لأخي الذي أبلغني وكانت عباراتي غير بعيدة عمّا كتب ههنا. وإنّما كتبتُ ما كتبتُ لتعميم الفائدة رجاء إصلاح ذات البين... والله من وراء القصد