موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    مع الشروق : تُونس واستشراف تداعيات الحرْب..    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    جامعة كرة القدم تصدر هذا البلاغ لفائدة الفرق المعنية بالمشاركة في الكؤوس الإفريقية    المنار.. بطاقات ايداع بالسجن لمتورطين في تحويل مركز تدليك لمحل دعارة    في قلالة بجزيرة جربة مازالت النساء يتجملن "بالحولي"    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    عاجل: انقطاع في توزيع الماء بمناطق من ولاية سوسة: التفاصيل    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    المنتخب التونسي أصاغر يحقق أول فوز في الدور الرئيسي لمونديال كرة اليد الشاطئية    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    عاجل/ حصيلة أوّلية: 76 شهيدا في غزّة منذ فجر اليوم الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    ديوان التونسيين بالخارج يفتح باب التسجيل في المصيف الخاص بأبناء التونسيين بالخارج    التقلّبات الجوية: توصيات هامّة لمستعملي الطريق.. #خبر_عاجل    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    بوتين وشي: لا تسوية في الشرق الأوسط بالقوة وإدانة شديدة لتصرفات إسرائيل    القيروان: الإحتفاظ بشخص أضرم النار في أشجار غابية بالوسلاتية    عاجل : الخطوط الجوية السورية تعلن عن إجراءات مهمة    عاجل/ الخطوط البريطانية تُلغي جميع الرحلات الجوية الى اسرائيل حتى شهر نوفمبر    مأساة على شاطئ المهدية: شاهد عيان يروي تفاصيل اللحظات الأخيرة    المنافسات الافريقية للأندية : الكاف تضبط تواريخ مباريات موسم 2025-2026    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    المنستير: المطالبة بايجاد حل للوضعية البيئية لشاطئ قصيبة المديوني    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    بطولة برلين للتنس (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور نصف النهائي    تحذير للسائقين.. مفاتيح سيارتك أخطر مما تعتقد: بؤرة خفية للجراثيم!    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    الفيفا يوقف لاعبين من بوكا جونيورز الارجنتيني لأربع مباريات في كأس العالم للأندية    أزمة لقاحات السل في تونس: معهد باستور يكشف الأسباب ويُحذّر    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بالفيديو: أمطار غزيرة في منزل بورقيبة بولاية بنزرت صباح اليوم الخميس    تونس: مواطنونا في إيران بخير والسفارة تتابع الوضع عن قرب    كأس العالم للأندية: طاقم تحكيم نرويجي يدير مواجهة الترجي الرياضي ولوس أنجلوس    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    قافلة "الصمود" تصل الى الأراضي التونسية    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    قيس سعيد: يجب إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    عاجل: الإعلان الرسمي عن قائمة المترشحين لهيئة النادي الإفريقي    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    رئيس الجمهورية يشدّد على ثوابت الدبلوماسية التونسية في استقلال قرار الدّولة وتنويع شراكاتها الاستراتيجية    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المُكلّف بالأمن الوطني    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات السيسي.. "الهوية الإسلامية مرفوضة"
نشر في الحوار نت يوم 14 - 08 - 2013

أكد د.رفيق حبيب -في دراسة حديثة له عنوانها: "اعترافات قائد الانقلاب.. الهوية الإسلامية مرفوضة"- أن تصريحات قائد الانقلاب حملت اعترافات تضمنت رسائل واضحة، وكشفت حقائق مهمة؛ أن الانقلاب العسكري الخشن يريد فرض علمنة وعسكرة الدولة ضد إرادة أغلبية المجتمع ذات المرجعية الإسلامية، وأن الانقلاب يحمل نفس تخوفات الغرب ورؤيته الرافضة لتحرير الإرادة الشعبية والمستهدِفة منعَ تشكُّل أنظمة ديمقراطية دستورية تستند للمرجعية الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي، وأن مصالحها هي في فرض نموذج الدولة العلمانية القومية لمنع نهضةٍ قد تنجح في تأسيس نموذج حضاري لاتحاد إسلامي منافس للغرب ويهدد هيمنته.
وفي هذا التقرير نعرض أهم ما تضمنته الدراسة:
اعترافات قائد الانقلاب
كشف د.حبيب أنه في أول حوار للفريق أول عبدالفتاح السيسي مع صحيفة "واشنطن بوست"، يذكر المحاور أنه يرى أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أكثر ولاءً لمعتقداتهم الإسلامية من ولائهم لمصر؛ حيث قال: المعضلة بين الرئيس السابق مرسي والشعب تنبع من مفهوم الإخوان المسلمين للدولة، والأيديولوجية التي تبنَّوها لبناء دولة تعتمد على استعادة الإمبراطورية الإسلامية الدينية، وهو ما لم يجعله -محمد مرسي- رئيسًا لكل المصريين، ولكن رئيسًا يمثل أتباعه ومؤيديه. وقال: الفكرة التي تجمعهم -الإخوان المسلمين- ليست القومية، وليست الوطنية، وليست الإحساس بالوطن، ولكنها الأيديولوجية التي ترتبط كليًّا بمفهوم التنظيم.
ومعنى هذا -برأي د.حبيب- أننا أمام خلاف أيديولوجي بين قادة القوات المسلحة، ورئيس الجمهورية المنتخب؛ أدى إلى انقلاب عسكري. وتلك هي المشكلة وجوهر الأزمة، ولن تحل أزمة الانقلاب العسكري قبل أن تحل الأزمة الأيديولوجية بين قادة القوات المسلحة -أو بين مؤسسة الجيش- وبين تيار سياسي واسع هو التيار الإسلامي.
رسائل الاعترافات
وتحت عنوان "رسائل الاعتراف" اعتبر د.حبيب أن أهم رسالة في هذه التصريحات هي أن الرئيس محمد مرسي لم يكن رئيسًا لكل المصريين؛ لأنه يتبنى الهوية الإسلامية، ولهذا فإنه يمثل مَن يحمل الهوية الإسلامية، ولا يمثل مَن يحمل الهوية القومية العلمانية، ولكن هذا ما سيحدث أيضًا إذا فاز رئيس يحمل الهوية القومية العلمانية؛ لأنه لن يكون أيضًا رئيسًا لكل المصريين، رغم أن رؤيته القومية العلمانية سوف تجد رضًا من قيادات القوات المسلحة، ولكن هذا لا ينفى أنه سيكون معبرًا عن الكتل المؤيدة للهوية القومية العلمانية دون الكتل المؤيدة للهوية الإسلامية.
الهوية القومية العلمانية
كما أن قائد الانقلاب نفسه -الذي أعلن في خطاب إعلان الحرب الأهلية أنه اختلف مع الرئيس حول مفهوم الدولة والوطن ومع مشروع جماعة الإخوان المسلمين ومع الدين لدى الجماعة- أكد أنه يحمل هوية قومية وطنية خالصة لا ترتبط بالهوية الإسلامية، مما يعني أنه يحمل هوية قومية علمانية؛ أي أن قائد الانقلاب لا يعبر عن كل المجتمع المصري، بل يعبر عن الكتل العلمانية ولا يعبر عن الكتل الإسلامية، وهو ما يؤكد أن الانقلاب انتصر لفريق من الوطن ضد فريق آخر، وجعل القوات المسلحة تقف مع الكتل المؤيدة للهوية القومية العلمانية ضد الكتل المؤيدة للهوية الإسلامية.
الانقلاب يرفض الوحدة السياسية للأمة الإسلامية
أما الرسالة الثانية المهمة، فهي تتركز على رفض قائد الانقلاب لفكرة الخلافة الإسلامية، أي: الوحدة السياسية للأمة الإسلامية، ولا يبدو أن هناك سببًا لإثارة هذه القضية؛ لأنها قضية غير مطروحة في الواقع الراهن، ولن تكون مطروحة في المستقبل القريب، مما يعني أن قائد الانقلاب استهدف أساسًا مشروعًا إسلاميًّا يرى أنه يعبر عن أقلية، ويرى أنه خاص بجماعة الإخوان المسلمين فقط، وأنه لا يعبر عن مصر. واعتبر قائد الانقلاب أن تصوره القومي القُطري العلماني هو الذي يعبر عن المجتمع المصري.
ونتيجة لتصورات قائد الانقلاب، نصل إلى الرسالة المهمة، وهي أنه يعتقد أن الشعب المصري لا يحمل الهوية الإسلامية، لذا فكل من يحمل الهوية الإسلامية يصبح ضد الشعب المصري. وعليه، فقد اعتبر قائد الانقلاب أن الرئيس المنتخب -الذي يحمل الهوية الإسلامية- ضد الشعب المصري، لذا قام بالانقلاب العسكري.
معركة الهوية
ورصد د.حبيب أنه من الواضح أن المعركة الأساسية في مجمل النزاع السياسي والأهلي، والدائرة في مصر منذ ثورة يناير؛ ترتكز أساسًا على الهوية. ومن الواضح أيضًا أن معركة الهوية هي المعركة الأصلية، وكل المعارك الأخرى معارك فرعية، مما يعني أن نهاية الأزمة السياسية في مصر والنزاع الأهلي الذي تسبب فيه الانقلاب العسكري؛ ترتبط أساسًا بحسم مسألة الهوية العامة للدولة والنظام السياسي، أي: حسم قواعد النظام العام والمصلحة العامة، وهى الأسس التي يستند عليها أي نظام سياسي مستقر.
ويتصور قائد الانقلاب أن الهوية الإسلامية -التي تحملها جماعة الإخوان المسلمين- تتعارض مع القومية والوطنية، مما يعني أننا أمام أكثر من هوية؛ هوية قومية وطنية خالصة، وهوية إسلامية. والهوية الإسلامية لا تتعارض مع الهوية الوطنية والقومية، بل تعتبرها الحلقة الأولى ضمن حلقات الهوية الممتدة عبر الأمة الإسلامية؛ فالهوية الإسلامية هي هوية تستند على الوطنية والقومية والانتماء الوطني والقومي، باعتبارها دوائر الانتماء الأولى، والتي تمثل حلقات انتماء ليست حصرية وجامعة مانعة، بل حلقات انتماء منفتحة ومندمجة في حلقات الانتماء التالية لها، وهى الهوية العربية والإسلامية.
ولا يوجد مَن يحمل هوية إسلامية ولا ينتمي لوطنه وقومه، ولكن الانتماء القومي العرقي هو انتماء جامع مانع وانتماء نهائي لا يليه دوائر أخرى من الانتماء. لذا، فمعركة الهوية هي بين انتماء قومي مصري خالص مقطوع الصلة بأي انتماء عربي أو إسلامي، وبين انتماء مصري عربي إسلامي.
فالهوية الإسلامية لا تلغي الانتماءات الأولية، ولكن توصل تلك الانتماءات بالانتماء للأمة الإسلامية. والفرق بين النزعة القومية العرقية، وبين النزعة الحضارية كبير.
تفكيك المنطقة العربية والإسلامية
ويرى د.حبيب أن الانتماء القومي الخالص يفكك روابط المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية، وهو نفسه الانتماء الذي زرعه ورعاه الغرب حتى يفكك المنطقة العربية والإسلامية، ويفرض عليها هيمنة غربية مباشرة. ولذا لم يكن نموذج الدولة القومية العلمانية إلا نتاجًا للاستعمار الغربي، ومازال هذا النموذج يجد رعاية غربية خاصة، وخاصة بعد الربيع العربي؛ حيث يخشى الغرب من أن يتغير نموذج الدولة في مصر ودول الربيع العربي بفعل الثورات الشعبية، وهى نفس مخاوف قيادة القوات المسلحة، سواء القيادات التي قادت البلاد قبل الانتخابات الرئاسية، أو القيادات الجديدة. فتغير القيادات لا يحل المشكلة؛ لأن العقيدة العسكرية للقوات المسلحة قائمة على خيار أيديولوجي.
دولة مستوردة زرعها الاستعمار
لذا فالمعركة الأساسية هي بين هوية إسلامية، وهوية قومية علمانية. والهوية القومية العلمانية التي تحملها الدولة -باعتبارها دولة مستوردة زرعها الاستعمار، وتحملها بعض مؤسسات الدولة، وتدافع عنها قيادات القوات المسلحة- لم تكن اختيارًا حرًّا للمجتمع المصري، بل تشكلت في زمن الاستعمار، ثم ورثها قادة دولة يوليو. وبعد ثورة يناير، أصبحنا أمام أول اختبار حر؛ حيث سمح لعامة الناس أن تختار هوية الدولة، وتلك هي المشكلة التي أرَّقت قادة القوات المسلحة منذ سقوط رأس النظام السابق وبداية التحول الديمقراطي؛ حيث ظهر جليًّا في وثيقة المبادئ فوق الدستورية والمعروفة باسم "وثيقة السلمي" أن هناك رغبة في فرض هوية قومية علمانية، ودور للقوات المسلحة في العملية السياسية لحماية هذه الهوية. وما لم يتحقق من خلال العديد من محاولات الانقلاب الناعم بدأ تحقيقه من خلال انقلاب عسكري خشن.
انقلاب على تيار الأغلبية
كل المناسبات الانتخابية أظهرت غلبة التوجه الإسلامي، مما يؤكد على أن التيار السائد إسلامي التوجه؛ لذا جاء الانقلاب العسكري كانقلاب على تيار الأغلبية في المجتمع، واستند عمليًّا على توسيع القطاع المعادي للهوية الإسلامية، من خلال تضليل قطاعات أخرى من المجتمع أيدت الانقلاب وهى لا تدرك أنه موجَّه للهوية الإسلامية أساسًا.
معركة الخلافة الإسلامية
وكشف د.حبيب عن أن أول ما يلفت النظر هو طرح قائد الانقلاب لقضية الوحدة السياسية للأمة الإسلامية، وهى ليست قضية حاضرة في الواقع الراهن، ولكن معنى طرحها بهذا الشكل -خاصة للصحافة الغربية- يعني أولاً أنها رسالة للغرب مفادها: أنه إذا تم التساهل مع وجود هوية إسلامية للدولة المصرية؛ فإن هذا سيؤدي مستقبلاً إلى إقامة الوحدة السياسية للأمة الإسلامية، أي: الخلافة الإسلامية. ومن يقرأ التاريخ يدرك أن الغرب إذا كان يخشى من وجود منافس حضاري له في المنطقة العربية والإسلامية -متمثلاً في قيام نموذج سياسي إسلامي- فهو يخشى أكثر من استعادة الأمة الإسلامية لوحدتها التاريخية. وقد عمل الاستعمار الغربي -المباشر وغير المباشر- على تفكيك الأمة الإسلامية حتى لا تتمكن من تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة في أي مرحلة تاريخية، وحتى لا تصبح بديلاً ومنافسًا حضاريًّا للهيمنة الغربية على العالم.
نهضة بأدوات وأساليب جديدة
كما يظهر أن طرح فكرة قيام إمبراطورية إسلامية يستهدف تعميق حالة الخلاف بين المشروع الإسلامي والدولة الوطنية، على أساس أن الخلافة الإسلامية سوف تلغي الدولة الوطنية وتلغي وجود الدولة القطرية. وهذا التصور -في الحقيقة- يفترض أن الخلافة الإسلامية يمكن أن تُستعاد بنفس شكلها التاريخي التقليدي، وهو أمر غير متوقع؛ لأن الحضارة الإسلامية نفسها عندما تستعيد نهضتها من جديد فهي تحقق هذه النهضة من خلال أدوات جديدة وأساليب وأشكال جديدة.
نموذج جديد للوحدة
وعندما يُبنى نظام سياسي على هوية ومرجعية إسلامية، من خلال نموذج الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة؛ فإن الخلافة الإسلامية -أو الوحدة السياسية للأمة الإسلامية- سوف تُبنى من خلال اتحاد عربي ثم اتحاد إسلامي يشبه الاتحاد الأوروبي، فكما أن الدولة ذات المرجعية الإسلامية تمثل شكلاً جديدًا في التاريخ الإسلامي؛ فإن الاتحاد الإسلامي سوف يمثل نموذجًا جديدًا في التاريخ الإسلامي.
والتحول الديمقراطي يحقق تحديثًا مهمًّا في بنية الدولة والنظام السياسي القائم على المرجعية الإسلامية، مما ينتج عنه تحديث مهم في أي شكل من أشكال الوحدة العربية والإسلامية التي يمكن تحقيقها في المستقبل.
الاستقلال الحقيقي
واعتبر د.حبيب أن هذا التنوع إثراء للوحدة الإسلامية، وأن الدول الإسلامية لديها من الروابط التاريخية الحضارية ما يجعلها متهيئة لبناء اتحاد أكثر ترابطًا من الاتحاد الأوروبي.
كما أن قيام اتحاد إسلامي ليس رهنًا بإرادة جماعة الإخوان المسلمين، بل رهنًا بإرادة كل المجتمعات العربية والإسلامية؛ لذا فإن قيام اتحاد إسلامي لن يكون إلا قرارًا تاريخيًّا من الأمة الإسلامية كلها، ولن يحدث إلا من خلال استفتاءات عامة، وبإرادة شعبية حرة. ولا يمكن أن يقوم هذا الاتحاد الإسلامي إلا إذا تحقق استقرار واستقلال وتحرر وتقدم الدول العربية والإسلامية أو أغلبها. فأي شكل من أشكال الوحدة بين الدول العربية والإسلامية لن يكون إلا إذا حققت هذه الدول الاستقلال الحقيقي -وخاصة عن الهيمنة الغربية- وحققت نظم حكم مستقرة وحرة، وحققت أيضًا تقدمًا وتنمية.
حماية المصالح والهيمنة الغربية
وهو ما يؤكد أن طرح قائد الانقلاب لفكرة قيام وحدة سياسية للأمة الإسلامية باعتبارها خطرًا يهدد كيان الدولة الوطنية القطرية؛ يؤكد على أنه يتبنى الرؤية الغربية التي ترى أن الدولة القومية العلمانية هي حائط الصد الضروري لمنع قيام اتحاد إسلامي يمكن أن يمثل قوة عظمى، وهو ما يؤكد تبني قيادة القوات المسلحة لإستراتيجية تستند أساسًا على الرؤية الغربية للمنطقة العربية والإسلامية، وكأن الانقلاب العسكري جاء للحفاظ على المصالح الغربية وعلى الهيمنة الغربية؛ لأن قيام وحدة عربية وإسلامية يمكن أن يسمح للأمة الإسلامية بأن تتحول إلى قوة عظمى بما يهدد تفرد الغرب بالهيمنة على العالم؛ فالوحدة العربية والإسلامية في مصلحة الدول العربية والإسلامية، وليست في مصلحة الغرب.
الاستقلال الحضاري الكامل
وكل أشكال الوحدة التي عرفتها المنطقة بين دول قومية علمانية تابعة للغرب، مثل: الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي؛ لم تحقق أي إنجاز يذكر. فالوحدة لا تقوم بين دول قائمة على النموذج الغربي، بل بين دول تستند للمرجعية الحضارية للأمة، وعندئذ تتحقق الوحدة التي تعلي من شأن الدول العربية والإسلامية، وتحولها إلى قوة عظمى، مما يعني أن العقيدة العسكرية للقوات المسلحة تأسست على نموذج يخدم بقاء الهيمنة الغربية في المنطقة، لذا أصبحت ضد أي تحرر حقيقي، وضد أي رئيس منتخب يحاول تحقيق الاستقلال الحضاري الكامل.
جماهير التيار الإسلامي الأغلبية
رصد د.حبيب أن الحرب على تصور جماعة الإخوان المسلمين للهوية والمرجعية الإسلامية العامة للدولة هي حرب على تصورات كل القوى الإسلامية وكل جماهير التيار الإسلامي التي تحمل هوية ومرجعية إسلامية وتحمل مشروعًا إسلاميًّا أيضًا.
فجماعة الإخوان المسلمين لم تأتِ بمشروع جديد منقطع الصلة مع الموروث الحضاري للأمة الإسلامية، بل جاءت بمشروع لإحياء الموروث الحضاري للأمة الإسلامية، مما يعني أن الجماعة لا تمثل طرحًا خاصًّا، بل تمثل -واقعيًّا- مشروعًا شائعًا في الموروث التاريخي الحضاري، كما أن كل جماعة تقدم رؤيتها من خلال إطار عام ومرجعية عامة، مما يعني أن جماعة الإخوان المسلمين تعبر عن رؤيتها داخل إطار الهوية الإسلامية العامة.
ويهدف الانقلاب العسكري لتعديل الهوية العامة للدولة والنظام السياسي في الدستور، مما يعني أنه عمليًّا يقف موقفًا عدائيًّا من كل التيار الإسلامي، أو أنه يعتبر أن التيار الإسلامي والكتل التي تحمل الهوية الإسلامية تمثل أقلية داخل المجتمع، وهو أمر غير صحيح؛ لأن جماهير التيار الإسلامي تمثل أغلبية واضحة.
التضليل المخطط
وتحت عنوان: "التضليل المخطط"، ذكر د.حبيب أنه من الواضح أن مخطط الانقلاب -وكل المخططات السابقة له- يريد تقسيم المجتمع إلى: من يؤيد الإخوان، ومن يعارضهم، ولأن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل أغلبية مطلقة في المجتمع، فيراد حشد كل من يعارض الإخوان المسلمين حتى يُستخدم ويُوظَّف ضد الهوية الإسلامية؛ لكي تبقى الهوية الإسلامية وكأنها هوية خاصة لجماعة الإخوان المسلمين، لذا حاول قادة الانقلاب توظيف الأزهر وحزب النور حتى لا يبدو الانقلاب علمانيًّا، رغم أنه يستهدف علمنة الدولة ثم عسكرة الدولة لحماية العلمانية.
حملة تضليل ممنهجة
ولهذا، نجد حملة تضليل منهجية ضد جماعة الإخوان المسلمين، تقوم على: التعبئة، وبث الشائعات والأكاذيب، والتوجيه المعنوي، وتُستخدم فيها أغلب وسائل الإعلام؛ حتى يتم حشد المجتمع إلى فريقين: فريق يمثل الإخوان، وفريق آخر يمثل خصوم الإخوان. والحقيقة، أن الكتل التي لا تؤيد جماعة الإخوان المسلمين أغلبها يحمل الهوية الإسلامية، لذا يراد تضليل تلك الكتل حتى توافق على دستور يلغي الهوية الإسلامية، ظنًّا منها أنه يستهدف جماعة الإخوان المسلمين.
معركة تحرر وطني
والواضح أن مخطط الانقلاب يعتمد على نشر صورة مغلوطة عن جماعة الإخوان المسلمين، ثم دفع الجماعة حتى تنزلق في المواجهة مع الانقلاب؛ لتأكيد التصور المغلوط الذي يرسم عنها. فقائد الانقلاب يريد دفع الجماعة للعمل السري، وهذا لن يحدث، ويريد دفع الجماعة للعنف، وهذا لن يحدث؛ فالتاريخ تغير، ونحن أمام معركة تحرر تقوم أساسًا على الحركة في الشارع، وهى ليست معركة جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل هي معركة كل المجتمع؛ من أجل الحفاظ على حريته التي حققها بثورة يناير، حتى يختار الهوية والمرجعية التي تعبر عنه؛ فجماعة الإخوان المسلمين -كغيرها- تعرض تصورها عن هوية ومرجعية المجتمع، ولكن صاحب القرار الوحيد هو المجتمع.
مأزق الانقلاب
ومأزق الانقلاب الحقيقي يتمثل في أنه يهدف إلى علمنة الدولة بأسلوب ديمقراطي، ضد رغبة أغلبية واضحة في المجتمع. إذن، فهدف أمريكا من الانقلاب هو هدف قادة الانقلاب، فالمطلوب هو علمنة الدولة، ومنع قيام هوية إسلامية للدولة. وهو ما يتأكد من التصريحات الغربية التي تربط بين الديمقراطية والليبرالية، والتي ترى أن دستور مصر الجديد ليس ليبراليا، وهو بالفعل ليس ليبراليا، فهو دستور لنظام ديمقراطي له مرجعية إسلامية. والغرب عامة وأمريكا خاصة، لا يريدون ديمقراطية إسلامية في المنطقة العربية والإسلامية، بل يريدون ديمقراطية ليبرالية علمانية، وهو نفس ما يريده قادة القوات المسلحة.
مصالح أمريكا
ومن المعروف أن هناك علاقة خاصة ومباشرة بين أمريكا والقوات المسلحة، كما أنه من المعروف أن العقيدة العسكرية للقوات المسلحة تتوافق مع إستراتيجية أمريكا في المنطقة، بل ووضعت برعاية أمريكية مباشرة، وتقوم على حماية المصالح الأمريكية والغربية، وحماية الاحتلال الإسرائيلي، من خلال حماية نموذج الدولة القومية العلمانية في البلاد العربية والإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.