* كنت كتبت مقالاً بعد حصول الانقلاب في مصر بساعات ووصفته بالانقلاب المؤقت وقمت بعملية جرد سريعة للرابحين والخاسرين من الانقلاب ولم أكن أتوقع يومها أن تتسارع الأمور بالكيفية التي نشهدها اليوم. وبما أن الكثيرين يربطون بين التجارب والمسارات في دول الربيع العربي وخاصة تونس أم الثورات ومصر أم الدنيا، فإني سأركز على ما حصل من أهم الأحداث الدولية التي تخص التجربتين التونسية والمصرية. فقد التقيت على مدى اليومين الماضيين عدداً من البرلمانيين السويسريين من الذين فازوا في انتخابات الأسبوع الماضي. وفي بداية الأسبوع التقيت على هامش مؤتمر الاتحاد الدولي للبرلمانيين بعدة وفود من آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأستطيع تأكيد وجود شبه إجماع على مواصلة دعم التجربة التونسية. وقد طالب عدد من الساسة السويسريين ومن الاتحاد الأوروبي بمزيد من التوضيح حول ما يجري على طاولة الحوار الوطني. وعبر عدد آخر من أطياف سياسية مختلفة عن رغبتهم في زيارة تونس بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة. كما أكد لي الرئيس السويسري السابق السيد سامويل شميدت أنه أمضى أسبوعاً في تونس كدعم منه للمسار الديمقراطي. وأكد عدد من البرلمانيين الجدد أنهم سيزورون تونس في أول زيارة خارج سويسرا. بالإضافة إلى تأكيد عدد من الساسة من آسيا وأمريكا اللاتينية على إعجابهم بما يحصل في تونس رغم الصعوبات والمحاولات المتكررة لتعطيل المسار الديمقراطي في البلد. والملفت للانتباه أن جميع من التقيتهم حذروا من فرضية عودة النظام القديم من الشباك بعدما طرده الشعب. كما لمست امتعاضاً من الدور المشبوه وغير الأخلاقي الذي تقوم به أطراف وبلدان لتعطيل المسيرة في تونس. وفيما يتعلق بمصر فقد جدت عدة أحداث خلال نفس المدة ولعل أهمها ما يلي: تجميد وتعليق جزء من المساعدات الأمريكية في انتظار حدوث تقدم ذي مصداقية نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً والإبقاء على الجزء المتعلق بأمن إسرائيل، إذ منعت الدبابات وطائرات إف 16 ومروحيات الأباتشي وأبقت على الدعم المتعلق بمحاربة الإرهاب والمقصود بذلك دعم آلة القمع الداخلية ضد الشعب الأعزل الذي واصل مسيرته الأسطورية في التظاهر السلمي وأبهر العالم بأشكال الاحتجاج وأصبح الدكتور مرسي رغم الأخطاء التي ارتكبها خلال فترة حكمه أسطورة ومحل إعجاب شاهدته بنفسي في تركيا وحدثني عنه العديد من الساسة من آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. تعليق عضوية مصر في الاتحاد البرلماني الدولي على خلفية غياب المؤسسة التشريعية الشرعية المنتخبة من الشعب، و القبول في الوقت نفسه بعضوية الصومال وهي رسالة ذات مغزى كبير ومفادها أن الصومال وإن كان يعاني من مشاكل وحروب إلا أن لديه مؤسسات تمثل إرادة الشعب على عكس مصر. منع أحمد البرعي أحد وزراء حكومة الانقلاب من دخول سويسرا لحضور ندوة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد عبر لي عدد من السياسيين والحقوقيين السويسريين عن امتعاضهم واعتراضهم على الزيارة وقال لي كارلو ساماروغا وهو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الاتحادي السويسري أنه احتج وبقوة لدى منظمي الندوة وطالب السلطات بمنع دخول الرجل وعدم تمكينه من لقاءات رسمية تضفي الشرعية على النظام القائم. وقد قام ائتلاف يضم أكثر من عشر منظمات تحت مظلة "الحقوق للجميع" بتحركات شعبية وقانونية لمنع الزيارة وهذا ما حصل. امتعاض بالغ من التصريحات الداعية إلى تصفية المتظاهرين وقتلهم وخاصة تلك الصادرة عن رجال الدين وتصميم الجمعيات الحقوقية على ملاحقة القتلة والمحرضين قانونياً أينما حلوا. لمست قلقا ًكبيراً لدى الساسة الأوروبيين من مآل الأوضاع في مصر وخاصة أن كل المؤشرات تدل على زيادة شعبية الإخوان والرئيس المعزول. وجود تخبط لدى الداعمين للانقلاب والمعادين للتغيرات الديمقراطية في المنطقة العربية. فقد ذكر البعض مخاوف إسرائيل من فشل الانقلاب، وتعرضت دولة الإمارات لانتقادات شديدة تخص موضوع حقوق الإنسان وعودة ملف المحاكمات السياسية إلى الواجهة مع إمكانية طرح هذا الملف على مجلس حقوق الإنسان رغم استماتة بعض الموظفين الدوليين العرب لحجب هذا الملف عن أنظار المجلس. أكد لي أحد العاملين في ملف الأموال المهربة أنه من الصعوبة بمكان التعامل مع هذا الملف في الوقت الحالي نظراً إلى غياب المؤسسات الشرعية بمصر وهذا يؤثر في بقية الملفات في الوقت الحالي. رغم السعي لعقد مؤتمر جنيف 2 لتدارس سبل إيجاد حل في سوريا فإن من الواضح أن الهاجس الأكبر لدى الفاعلين هو كيفية إيجاد مخرج يرضي الجميع في ظل دعم بشار الأسد للسلطة القائمة في مصر وهو الذي يعيش حالة من الاحتضار السياسي بحسب تعبير وزير خارجية دولة كبرى. ذكر لي أحد السياسيين اليونانيين أنه يسعى لجمع توقيعات من مئات الشخصيات السياسية المعروفة ممن زاروا غزة على امتداد فترة الحصار، بالإضافة إلى الشخصيات التي قابلها إسماعيل هنية رئيس الوزراء في غزة-فلسطين، ومطالبة السلطة الحاكمة في مصر بالعدول عن توجيه تهمة التخابر مع حماس للرئيس مرسي على اعتبار أن عدداً كبيراً من السياسيين تواصلوا ومازالوا يتواصلون مع السلطات القائمة في غزة. أكد الحقوقيون الذين حضروا مؤتمر إسطنبول لدعم الشرعية في مصر على مواصلة التحرك على المستويات السياسية والقانونية والحقوقية حتى استعادة الشرعية. الخلاصة هي أن ما يحصل في تونس على الرغم من عدم الرضى الشعبي العام عن قبول الحكومة التخلي على السلطة فإنه ينظر إلى التجربة بكثير من الإعجاب، وخاصة إلى تجربة الحكم التشاركي والقبول بالآخر ودور المجتمع المدني. أما في مصر فقد لخصها أحد السياسيين الأوروبيين بالقول إنه ما لم يُقدم العسكر على ارتكاب مجازر على طريقة الخمير الحمر فإن عمر الانقلاب سوف يكون أسابيع أو أشهراً معدودة: ذلك أن مقومات استمراره شبه منعدمة. أنور الغربي حقوقي وسياسي