في المقارنة دروس و عبر الطلاب بين شوراع الحياة المظلمة و دهاليز الارهاب المصطنعة
ابراهيم بالكيلاني ( النرويج) المؤسسات الفاعلة و المجتمعات الحيّة و الدول المسؤولة تمنح قدرا كبيرا من اهتماماتها إلى مجال التطوير و التأهيل. فبه تُنمّى المهارات و يُستفاد من التجارب و تقاسم الخبرات. و المؤسسات التي تحتاج أكثر من غيرها إلى مجال التنمية و التطوير هي بلا شك المؤسسة التربوية ، لأنها مسؤولة عن الناشئة و صناعة الانسان و بالتالي صناعة مستقبل الوطن في تكامل مع بقية المؤسسات المجتمعية الأخرى. في النرويج تشرك الادارة الاطار التربوي في تحديد المشاكل و التحديات التي تواجهها المدرسة، و تعمل أيضا على وضع برنامج عمل لدراسة التحديات متوسّلة بالمتخصصين و مطلعة على التجارب التي واجهت تحديات مشابهة ، دارسة لها و للنتائج التي توصلت إليها لتحديد أقرب مثال و أنجع تجربة، لثّقدّم لاحقا كنموذج للدراسة و الاستفادة ليخرجوا معا ببرنامج عملي مفصّل و محدد الرزنامة لحل المشكلات و مواجهة التحديات. و هذا التصور لم يُكتب له النجاح إلا لأنه يرتكز على الأسس التالية : 1. المدرسة مؤسسة مجتمعية بأتم معنى الكلمة. فالجهاز التشريعي هو الذي يصادق على الرؤية الاستراتيجية للتعليم و الكفايات و المهارات المنشودة في الطالب و مخرجاتها الأساسية. 2. تتوزع المسؤولية الادارية و المالية بين : · الجهاز المركزي للدولة على الجامعات و المعاهد العليا · المحافظات على المدراس الثانوية · البلديات على الروضات و المدارس ا لابتدائية و الاعدادية. و هي مسؤوليات كاملة. 3. كل مدرسة بطريقة تشاركية فاعلة هي التي تحدد الكتب (المقررات) المُناسبة لها. فهناك تعددية في المقررات التعليمية و لكنها جميعها تستجيب للرؤية الاستراتيجية الوطنية الواحدة و منضبطة لمخرجاتها. 4. للأولياء دور مهم في العملية التعليمية ، فهم مشاركون حقيقيون. فلهم حقوق و واجبات. سأذكر مثالين من تجربتي في النرويج : 1. صادقت البلدية عام 2011 على إعادة بناء المدرسة التي أعمل بها، على أن تنطلق الأشغال في سنة 2015. في الحال تكوّنت لجنة تجمع بين الادارة و الاطار التعليمي و الأولياء للتخطيط للمدرسة المُراد انجازها. فلم يكن هناك نموذجا معماريا مسقطا، و على ادارة المدرسة و إطارها التعليمي و المجتمع المحلي تقديم التصورات لمكتب الهندسة المعمارية. و هذه تطلبت زيارات من اللجنة إلى العديد من المدارس التي أنجزت حديثا و عُرضت العديد من النماذج و حُددت الحاجيات و عُدّلت المقترحات و ذلك حتى يحسّ الجميع أنهم مشاركون حقيقيون في هذا الانجاز.. فتصورورا كيف سيكون حال مثل هذه المدرسة عند انجازها و كيف سيكون الشعور الجمعي.. 2. حددت أحد المدارس في البلدية التي أقيم فيها اليوم الجمعة قيام جميع الاطار التعليمي بزيارة ميدانية إلى أحد المدارس الدانماركية للاطلاع على التجربة التعليمية في هذه المدرسة. تصوروا أن كل المدرسين في زيارة ميدانية إلى خارج الوطن. ما هو مصير الطلاب في هذا اليوم؟ هل تُغلق أبواب المدرسة؟ و ما هو موقف النقابة؟ .. و لأن المدرسة مؤسسة مجتمعية تم الاعداد بأن يتولى الأولياء كامل هذا اليوم مسؤولية التعليم في المدرسة، فما سيكسبه المدرسون من خبرات جديدة، ستُثمر في أبنائهم.و لأن المسؤولية تشاركية فعلى الأولياء القيام بواجبهم تجاه المدرسة. من باب حب الاطلاع قمت بزيارة هذه المدرسة صباح اليوم، فوجدت الجميع في انضباط و حيوية ، فهو يوم دراسي عادي. و الأولياء الذين تحمّلوا عبء المسؤولية هذا اليوم يقومون بدور المدرسين على أحسن قيام. فهنيئا لهم. و أنا عائد من المدرسة شرد بي الذهن إلى ربوع الخضراء الحبيبة التي تحوّلت فيها مناسبات الأفراح و الأتراح إلى أيام اضرابات. و يسعى فيها "رواد النوادي السياسية و هواتها " إلى تشويه صورة الطالب و جرّه إلى "شوارع السياسة" ليُقيم في نهاية المطاف في شوراع الحياة المظلمة و دهاليز الارهاب المصطنعة، لك الله يا خضراء، و بي ثقة كبيرة أن الخير آت..