القارئ الجيد للكثير من التصريحات التي يطلقها زمرة من المنتمين إلى ""الحزب الإسلامي"" العدالة والتنمية بنسخته المغربية وليست التركية طبعا,لا يسعه إلا أن يسقط صريعا من الهم أو من الضحك,فهما أصبحا سيان في حالتنا السياسية البئيسة طريقان قد يقودانك إلى الجنون.فلنركز على تركيزهم عبر كل خطاباتهم على محاربة الفساد وإفناء المفسدين عن بكرة أبيهم في إطار عملية إبادة قد تكون مقتلة ماحقة لهؤلاء الأشرار,ولنحاول أن نجيب عما يعن في الخاطر,وماينقدح في الذهن من أسئلة لنسأل: هل تمثل محاربة الفساد والمفسدين رهانا وأولوية لمن يدبر الشأن السياسي بالبلاد؟ماهي آليات الإشتغال التي يمتلكها هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم صياحا على العباد أن هبواإلى الجهاد فقد آن أوان القضاء على الفساد؟ألا يعبر هذا الإرتفاع في منسوب الحراك الكلامي المستعر عن العجز عن الفعل,وتغطية لضعف إرادة وقدرة هما في الأساس مايصمان الفعل السياسي ببلادنا ويحكمان عليه بالفشل؟هل تدري هذه الجماعة الحزبية رهان صراعها السياسي,وهل تملك القدرة على توجيه بوصلة هذا الصراع وجهته الصحيحة بمايخدم مشروعها التغييري المزعوم؟ يكاد الفاعل السياسي المغربي في تنزيلاته لرهانات فعله السياسي التغييري المتشح بلبوس النضال والصراع يزيغ عن منصات الإقلاع فتتيه منه الرؤى أو ربما يعمل على إضاعتها قسرا و خوفا من تعريه وانكشافه حين تأزف ساعات التباري,فيتبدى من حقيقته ماكان مخبوءا. وهو بتأبطه لناصية اللغة لا يعمل إلا على توشية متنه الخطابي المعلن بتوريات واستعارات قدمته ذاتا تملكت طاقات الخلاص لأمة انتظرته منقذا ومخلصا.انه من خلال تنظيراته الفكرية والسياسية يحوم حول الحمى ولايجرؤ على مس الصنم السياسي المقدس المقيم كرها على رقاب العباد.فهو بخوضه لحروبه المتوهمة يضيع ذاته وقواه ويفوت على الامة فرصا تاريخية للخروج من المجاهل المعتمة والمثقلة بقيود السلطان المذلة.لكل هذا فإن كل صراع يسكن الحواشي ويعمل آلياته في الهوامش المباحة يسقط نفسه في فخ الإلهاء ويعمل على تأبيد الفجيعة وإطالة عمر القهر المستشري. علينا ألا نخطئ الخصم الحقيقي. حينما يطرح صاحب بيان الوصايا توجسه من فعال التحوير,وقلقه من إهدار مقدرات التغيير في مساحات فعل غير منتجة كان في الحقيقة يعمل على هدي تكرارية مفجعة تصف وجع الواقع المنسدل على النفوس بظلمه واستبداده وفساده.وكأنه في قدومه قد إجترح معجزات التوصيف فغدا قانعا بشارات الإشارة وسجع الكلام ونظم العبارة عن إقتحام قلاع الإستبداد وأوكار الفساد.إذ ليس من الحصافة محاولة توشية خطاب التبرؤ بأوصاف الحكمة لأنه لا ينبئ بأكثر من العمل على تأبط ناصيةاللغة او هو إعلان عن إقتدار لغوي يغصب تشكل الحروف على نحت الصياغات البلاغية للتدليل على فرادة التمكن في حين أنه ليس الا تضمينا لكوابح ذاتية تحاول التسربل بشعارات تدغدغ احاسيس المخاطبين. إن نسقا تعبيريا يتقصد حشر نفس محاربة الفساد والإستبداد ضمن متن خطاب ثقافي وسياسي معلن كتضمينات متقصدة دونما تشهيد داخل أركان الواقع المتعين لا يعمل صدقا إلا على إستنبات الوهم في مفاصل الوعي,وهوإستحضار متعسف لظلال ذلك الوهم,وإستدعاء غير موفق وغير مقنع لجماهير أرهقها ثقل الأزمنة السياسية المقتطعة من رصيد المصائر المنشودة والمبتغاة.ان فقه المجال السياسي المراد المشاركة في تدبيره هو أول المنازل المبرهنة على تملك النضج السياسي المطلوب.لم تكن هذه الخطابات المحملة بمطارق الوجوبيات لتترك أثرا على متلقي مثل هذه النشرات التنظيرية,فهي كإلزامات أريد لها أن تتخطى رقاب قوم-كحاملين لمهمة تدبير المجال العام-هم أحق بنثرها سلوكات وممارسات عبر كل مجالات الحكم,لا أن تصب كقوانين إخضاع وتعاليم إلزام على أشياع وأتباع لا يتم استحضارهم إلا كموضوع للسلطة وفعلها,بينما هم كذوات يتم نفيهم خارج المدار. يبدو من الحمولات المضامينية المستقاة من الجمل التعبيرية المفرغة داخل المجال المسيس والتي يطلقها المرسمون لتدبير شأنها السياسي تبتغي تعويم خطابها من خلال ترسيمات توزيعية لمسؤولية الإخفاق التي إن لم تكن بادية للعيان الآن فنذرها تلوح مكفهرة في سماء الوطن وعلى نفوس العباد.
سنتحالف مع من يقطع مع الفاسدين
بأي منطق سياسي يتم تدبير التحالفات في مرحليات عسيرة كالتي نعيشها؟ألايتطلب صنع لحظات تاريخية مغايرة للموجود وجوب القطع مع المرحلة سياسة وشخوصا؟ألا يحتاج خطابنا السياسي عبر إحلالاته وإحالاته المتضمنة إلى مرجعيات دقيقة وموثوقة تجلي المقصود والمراد؟ ليس من الاستراتيجية ولا من التكتيك,أن تبنى التحالفات وفق معايير مقايسة شخصانية,تمنح صكوك البراءة بناء على تحول الولاءات الظرفية,وتبعا لأمزجة مصلحية ضيقة تنحر المبدأ في سبيل نموقعات جديدة أكثر ربحية ومردودية,دونما البحث عن الجذر الثقافي المؤسس للسلوك السياسي الملزم المسور بالأخلاق والفضيلة.فالفساد ثقافة نمطت سلوك قوم ومسالكهم فكانت تنزلاته عبر مجالات الحياة ذات أبعاد فلسفية نحتت عميقا في الوعي والفهم,وان لم يكن حاملها قد تمكن منها درسا وفكرا لكنها تملكته بانجذاب نفسي راغب في المطابقة والتماهي, وليس الفساد حاشية لمتن سلوكي قد يحدث كأي انحراف للنفس من خلال مكابدتها للحياة بين التسفل والترفع.نسق الصياغات التحالفية يتبدى منطقه بائسا لأنه في انفتاحاته يروم التحشيد لفعلة سياسيين ذوو عقلية تدبيرية متوارثة تجر وراءها أسفارها المقدسة كحمولات أدمنت عقولها الاستهداء بمسروداتها مفعلة لرهاناتها بالتزام خط وخطى السلطة,ومجانبة كل مايزعج ولي نعمتها.إن إصلاحا لا يروم تفكيك البنى المشيدة لصروح السلطة لن يكون بمقدوره إحداث النقلات المعول عليها من أجل عبور مآزقنا التاريخية,وتصحيح الأعطاب الذهنيةالعميقة المتولدة عن جنوح السلطة نحو إحتكار آليات إنتاج المعرفة من خلال إخضاع العقول لإسترقاق فكري مقيت,يصبح مدار بحثه محددا وفقا لخرائط ذهنية معدة سلفا.علينا أن نعي أن كل الفعلة السياسيين عبر الحراك السياسي المحتدم ليس لهم من الأمر شئ,ولا يملكون من سبل التوجه إلا إلى قبلة واحدة يرضونها طوعا أو كرها,وأن كل الذي يتسلحون به من تراتيل حزبية ومحفوظات وجماهير أدمنت استهلاك المعلبات الحزبية بنهم التشهي في امتلاك حق المجاورة هو مايقربهم من نيل الحظوة وحيازة الرضى,لذلك أمعنت الجماعة الحزبية في تقديم قرابين الطاعة والخضوع مستدركة على أسلافها بإقدام تسلحت فيه بكل الرغبات في ملئ الفراغات المخلفة بسبب رخاوة العزيمة وبما فرطوا في جنب صاحب الأمر. قد كان يكفي الشعب من أحبطوه سنينا,فهم على كثرة منهم,وليس في الأمر خصاص يستلزم خداما جددا يقرعون أرواحه بمطارق الولاء المبذول سخاء لمن كان يتوجب مدافعته تلبية لأشواق الخروج من موات أمعن موقعه في تغييب الإنسان.
«حناماشادينش فالكراسى أومامفاكينش مع المفسدين»
تبدو قدرة الذوات السياسية خائرة عن افتكاك اواصر قرباها-إن تكن تواؤما فكريا أو تجاورا في الميدان والممارسة- عن أطر ترصف قواعد مرجعية للتصرف المقبول والمرضي عنه,لأن فكاكا عن سلوك سياسي مرهق لن يتم من داخل بناءات فكرية تحكم الراهن وتوجه خطاه,وهي بممارساتها السياسية ضمن مجال لاتستطيع اكتناه آليات اشتغاله,وفقه تدبير سلطه تصير غير قادرة على مقارعة إفرازاته,فالمعمار السياسي الذي يعمل الفاعل الحزبي عندنا داخله تتم هندسته على أعين السلطة التي لاتنام والتي لن تسمح بانفراط سبحات عقد حكمها وتحكمها من بين أيديها ولن ترضى للممارس الا أن يعمل وفق قوانينها الحاكمة وأي خروج عن المدارات المرسومة يعتبر افتئاتا على ملكيتها لناصية الحكم.فأي معنى لممارسة سياسية ترفع يافطة القطيعة عنوانا لحراكها بينما مساحات العمل لا تفسح لها الا بما لايتجاوز الأسقف الواطئة الغير منشئة للتحولات الكبرى عن المسارات المبثوثة عبر الدليل المرجعي للحكم. قد تصير الذوات مكبلة برغائب متناقضة أي بين طموح في تحقق الرؤى السياسية للجماعة الحزبية وبين عزوف قد يكون أصدق مايمر على السياسي من لحظات مكاشفة مع الذات,ولكنه باستعذاب مسيره قد اختط لنفسه سبلا مفارقة لانتظارات من أولوه حراسة أحلامهم وآمالهم. إن الجماعة الحزبية التي أريد لها أن تتصدر المشهد السياسي بهندسات من وراء حجاب,والتي ربما خامرها يقين-لا يعدو كونه ظنا وتوهما في أصل حقيقته-أنها نالته عن علم وقوة من عندها,لم تكن في مستوى الإنتظارات والمأمول,هي التي كانت تحاول التأسيس لممارسات تقطع مع أعصر الإستبداد والفساد نجدها قد أوغلت في انتهاج طرائق تمعن من خلالها في تقديم نفسها على أنها الحارسة الأمينة على أسرار المعبد المقدس,وأن ثغوره لا يمكن أن تؤتى من قبلها,وماهي على حالتها تلك الا لتقرب الى رب السلطة زلفى.فهي بأفعالهاهاته ربما لاتعي أنها تقطع علائقها مع الرحم الثر الذي يرفدها بالزخم الشعبي والمجتعي بما هو واق لها من التحلل في محاليل السلطة المذيبة لكل المجاميع السياسية المناكفة والمزاحمة,وهي فوق هذا وذاك تعمل على التسريع بعملية قطع شعرة معاوية التي لازالت تربط القلة من المجتمع بميدان السياسة. فالجماعة الحزبية لم تستطع-وربما لم تكن تريد أصلا-تمثل هموم وطروحات المطحونين بعسف السلطة عبر طروحاتها,وكانت على العكس هي من يعمل على تحجيم هذه المطامح إن بدعوى المصلحة تارة,أو درءا لحرق المراحل,أو إرجاء لتلك المطامح إلى آجال مطوية ضمن تلابيب غيب مستقبلي كفيل بإنجاز ماتم العجز عن إتيانه.فكانت هذه الجماهير أن وقعت بين قهر من سامها العنت قرونا وبين من أوهمها بإنبلاج فجر تحررها عبر خطاباته التي كانت تستبطن الخديعة,لتكون أحلام المسحوقين الحساب الذي يدفع جزلا إلى رب السلطة.فهل غابت عن المنظر الفكري والممارس السياسي حيل وألاعيب السلطة-كل سلطة-؟أم أنه وعى لحظته السياسية وفاء الى رشده وتخلص مما كان به من مس وتماس مع شعارات دغدغ من خلالها مشاعر البؤساء الطيبين؟ الحلو عبد الحفيظ مارس طنجة