عاجل/ الاعتداء على مقر الاتحاد: المكتب التنفيذي يدعو النيابة للتّدخل ويتّهم هؤلاء    الإدارة العامة للغابات: أكثر من نصف حرائق الغابات تقع بين منتصف النهار والسادسة مساءً    عاجل/ لبنان يوافق على إنهاء الوجود المسلّح في البلاد بما فيه حزب الله    رابطة حقوق الإنسان تعتزم التوجه إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بخصوص الانتهاكات الواقعة على الجمعيات المساندة لغزّة    وزير الشباب والرياضة يستقبل البطل العالمي أحمد الجوادي: نحو دعم خاص استعدادًا لأولمبياد لوس أنجلوس 2028    النادي الصفاقسي - السوداني عمار تايفور والكونغولي كيفين مونديكو يعززان الصفوف    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 سنة اناث - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره التايلاندي 0-3    الليلة: حالة الطقس ودرجات الحرارة    وزارة التعليم العالي تنشر غدا الجمعة نتائج التعيين النهائي للطلبة المقبولين في مراحل التكوين الهندسي لدورة 2025    الالكسو تطلق سجلّ التراث المعماري والعمراني في البلدان العربية حماية لذاكرة المدن العربية    عاجل/ لحم "العلّوش" يتجاوز ال60 دينارا ودعوة لرئيس الدولة بالتدخّل    عاجل : وفاة لاعبين اثنين وإصابة ثالث في حادث مأساوي بإيطاليا    عاجل: إصلاح ''مظلمة'' التوجيه الجامعي لتلاميذ من الكاف بعد تدخل وزارة التعليم العالي    عاجل/ الديوانة تنتدب في عدّة اختصاصات وهذه تفاصيل وشروط الترشّح    الداخلية السورية تحذر من التنقيب غير المشروع عن الآثار    الاحتجاجات خلال شهر جويلية الماضي ترتفع بنسبة 45 بالمائة    مهدري ماري: المنتخب التونسي يعيش فترة انتقالية حساسة وهدفنا تحقيق مشوار مشرف في الموعد القاري    ترامب يعلن بدء فرض رسوم جمركية على 60 دولة بينها سوريا، لاوس، والعراق    المصطافون يلقون خلال فترة الصيف قرابة 8 آلاف متر مكعب من الفضلات على الشواطئ    هام/ هذا عدد المحلات التي ستشارك في "الصولد" الصيفي..    تقدّم موسم جني الطماطم الفصلية بولاية القصرين بنسبة 90 %    جامعة كرة القدم تزف بشرى سارة للجماهير    نجم المتلوي يؤكد مشاركته في بطولة الرابطة المحترفة الأولى    وادي مليز: نطلاق مهرجان شمتو مع بابا قطوس و فرقة مزيج للفنان حسان عطا    عاجل: هذه الدولة تستعد لموجة حرراة جديدة تبدأ السبت.. والسخانة قد تصل إلى 45 درجة    عاجل/ ايقاف "تيكتوكور" معروف من أجل نشر فيديوات فاضحة وخادشة للحياء..    قابس: التعريف بفرص الاستثمار في القطاع الفلاحي المتاحة لأبناء الجهة في الخارج    فظيع/ مقتل زوجين في حادث مرور مروع بهذه الطريق..#خبر_عاجل    زيادة بنسبة 16,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها خلال النصف الأول من 2025    الحماية المدنية: إخماد 115 حريقا خلال ال24 ساعة الماضية    عاجل/ معركة بين مغني "راب" بالأسلحة البيضاء في سكرة..والنيابة العمومية تتدخل..    فتح باب الترشح للمشاركة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لأيام قرطاج السينمائية    عاجل : فرصة عمل للتونسيين في السفارة الألمانية: شهرية محترمة وظروف عمل مميزة    هاو وين تمشي فلوسك... 26٪ من شهريّة التونسي تمشي للمواد هذه    منى نور الدين: مصدومة من جمهور سوسة... المسرح كان شبه خالٍ رغم تعبنا    وفاة والدة براد بيت عن عمر 84 عامًا    تاكل برشة من الغلة هذي؟ راك تعرّض في صحتك للخطر    عاجل: هذه الدولة تسحب شوكلاطة ''دبي'' من السوق بسبب شبهة تلوّث بالسالمونيلا!    عاجل: قرار صارم ضد الحكم حسام بولعراس بعد مباراة الترجي والملعب    52% من مكاتب التشغيل تستعمل المنصة الإلكترونية.. تعرف كيفاش تسجل من دارك!    عاجل : الحاضر يعلم الغايب ...الصولد يبدا ليوما يا توانسة    تحب البطاطا المقلية؟'' هذا علاش ممكن تجيبلك مرض السكري!''    وزارة الداخلية: صفحات تعمدت ترويج مغالطات ضد المؤسسة الامنية و يجري تتبعها قضائيا    "عربون" لعماد جمعة على ركح مهرجان الحمامات: عرض كوريغرافي يرقص على جراح الفنان التونسي في ظل الوجع والتهميش    تونس وجهة صحية إقليمية: اجتماع وزاري لدعم السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    رئيس الجمهورية يستقبل رئيسة الحكومة في جلسة خصصت للتداول حول عدد من المواضيع التي تتعلق بسير عدد من المرافق العمومية    استشهاد 41 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    تعرض لأزمة صحية شديدة.. نقل الفنّان المصري محمد منير الى المستشفى    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    مكانة الوطن في الإسلام    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوارث الحروب وأمهات المقابر
نشر في الحوار نت يوم 11 - 05 - 2014

لم يعد النوم بيت الفقراء السوريين؛ لقد استبدلوه بالموت، وتركوا البيوت لنحيب أمهاتهم. البعض لا يزال يتحدث عنه، كما يتحدث الكتّاب عن الأخطاء المطبعية. لا يمكن أن يكون الاعتراف بالخطأ فضيلة، إذا أودى بحياة الأبرياء، إذ لا توجد طريقة مشرّفة للقتل، والأخطاء غير القابلة للتصحيح هي كوارث، ومآس، فما بالك بالأخطاء التي أخذت في طريقها أرواح الناس؟! لا شك أنها ليست أخطاء، ولا يمكن أن تكون كذلك. هي أفعال وحشية، إجرامية، ومن قاموا بها هم قتلة. قتلة فقط، ولا يستحقون أي صفة إنسانية، مهما كانت ذرائعهم، ومعتقداتهم.
اتصلت بصديقي أحمد، أريد الإطمئنان على والدته، التي كانت أمّاً لنا كلنا. قلت له أعطني خالتي أم أحمد، أريد أن أسلّم عليها. فقال: منذ أن استشهد أخي علي، وهي مقيمة في المقبرة. إنها تموت عليه "بالتقسيط المريع".
في بيروت سألتُ الخالة أم سالم، التي قدمت مع عائلتها من ريف دمشق، وتوزع دعواتها عليّ كلما رأتني، ما الذي تفتقدينه في سوريا، ويحزنك؟ تنهدت وفركت عينيها بأصابع إحدى يديها، وقالت والعبرة تخنق حرفا، وتفرج عن حرف، في كلماتها القليلة: بنفسي أزور قبر سالم. وأجهشت.
هل من المعقول أن نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها أن نزور قبور أولادنا. كيف يمكنني أن أوثق هذا الموقف؟ وهل يمكن أي صحافي، مهما بلغ من الدربة والممارسة، أن يستطيع توثيق رغبة أم بزيارة قبر ابنها؟ بأي لغة يمكن أن يكتب تلك الرغبة؟ غادرتها مخنوقا بعبرتي، لا بل بكيت علناً، بعدما خانني البكاء سراً. يقول فنسنت فان غوغ: ما أردت التعبير عنه، ليس شيئاً وجدانياً، أو كآبة، لكنه لوعة عميقة. واللوعة لمن يريد أن يعرفها في حقيقتها، عليه أن يزور مخيمات اللاجئين السوريين في القطاع الأوسط، في لبنان، منطقة بر الياس، حيث يوجد ما يزيد على العشرين ألف لاجئ، يتوزعون على 35 مخيما عشوائيا. هناك، هناك فقط، يمكنك أن تلتقي بأم أحمد (خمسون عاماً)، وتشم رائحة "الغرغرينا" التي تفوح من ساقها المصابة. منذ أربعة أشهر تنتظر أم أحمد أن تتولى جهة ما إسعافها ونقلها إلى مشفى، يتكرم عليها بقطع ساقها! هناك، يمكنك أن تلتقي بأسرة مؤلفة من أب مصاب بلوثة عقلية، وأم مصابة بمتلازمة البحر الأبيض المتوسط (متلازمة كروموزوم اكس) وابنة 9 سنوات، يعيلهم طفل في الحادية عشرة، مصاب بالتقزم الغذائي، يتقاضى راتبا شهريا 150000 ليرة لبنانية، أي ما يعادل مئة دولار أميركي. هناك فقط تستوقفك أم حسين، لتسألك: هل المنظمات الدولية تشحذ لنا؟ أم أنها تشحذ علينا؟! اقتادني الشاب مروان الذي رافقني في رحلتي إلى تلك المخيمات، إلى خيمة. قال: ضروري نسلم عالحجة. دخلنا خيمة الحجة التي استحيت أن أسألها عن اسمها، يحيط بنا أطفال المخيم، فهبّت لملاقاتنا، واحتضنتنا، وقبلتنا بلهفة أم حقيقية، وأصرت أن نجلس ونشرب معها الشاي. جلسنا على بقية حصير متهالكة كحال الخيمة، ولم يكن من أحد سوى الحجة. سألت مروان إن كانت وحدها هنا، فقال: نعم، هي من حلب، وقد جاءت وحدها، وعرفنا في ما بعد أنها فقدت كل عائلتها هناك. هي كما رأيتها، ترى في الجميع أبناءها. شربنا الشاي، ولم يهدأ لسان الحجة، وهي تلهج لنا بالدعاء، وتبكي. حاولت جاهدا أن أقول لها أي شيء، فلم أجد بين كل ما أعرفه من كلمات، ما يليق بحزنها، فبقيت واجما، أفرك يدي، كعادتي في المواقف المربكة. ودعتنا كما استقبلتنا. في الخيمة المجاورة مجموعة نسوة يتناهى إلينا صوت نحيبهن، كأنهن يهدئن من روع إحداهن. قلت لمرافقي، دعنا نستطلع الخبر، فاقتربنا منهن، وعلمنا أن العائلة التي تسكن في تلك الخيمة، حمصية، قادمة من منطقة الوعر، جاءت وقد تخلف أحد الأبناء عن الحضور مع العائلة، لأنه لم يكن موجودا، وكان باقي أفراد الأسرة يعلمون أنه قتل، ولم يخبروا الأم بمقتله، وكل يوم كانوا يتذرعون لها بالحجج، واليوم صباحا قرروا أن يخبروها الحقيقة لأنهم تعبوا من اختلاق الذرائع لغيابه ، ولأنهم أيضا كانوا في وسط اجتماعي كل عائلاته منكوبة، فاعتقدوا أن المصيبة عامة، وهذا سيخفف من وطأة الخبر على نفس الأم. وكان من الصعب جدا عليَّ أن أدخل إلى حرم فجيعتها، فسألت مروان إن كان يعرف زوجها، أريد التحدث إليه، فكان لي ذلك. سلمت عليه، وأخذت بخاطره، كما يقولون. جلسنا حيث بقيت لفترة أبحث عن كلمات تصلح مدخلا لحوار حول الأم بالذات، فسألته لم أخفيتم عنها الخبر، وفجعتموها به الآن؟ قال: أنت لا تعرفها. في اليوم ألف مرة تسألنا عنه، ووصلت إلى مرحلة صارت كلما سمعت أن أحدا جاء من حمص، ذهبت إليه لتسأله عن المرحوم، سواء كان من الوعر أم من غيرها. تصور، قال لي: البارحة سمعت ليلا أن ثمة عائلة حمصية جاءت إلى طرابلس، وإذ بها تريدني أن آخذها ليلا إلى طرابلس، لتسألهم عنه، من دون أن تعرف إن كانت تلك العائلة القادمة من حمص، تعرفه أم لا.
بقيت أسوّف بها حتى الصباح، "فطقّت مرارتي" ولم أتمالك نفسي فأخبرتها الحقيقة. فتواريت خلف لا إله إلا الله. وانسحبت من تلك الجلسة، موقنا أن الموت لا يخجل، وكذلك القتلة، ولهذا يقول محمود درويش: وأعشق عمري لأني، إذا متُّ، أخجل من دمع أمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.