ربما كان الحدث الرئيسي الطاغي على الساحة السياسية الإسلامية بمختلف تياراتها وتوجهاتها هو وقوف حزب النور "السلفي" في مصر في صف الانقلابيين وقيامه بحملة لحشد التأييد لانتخاب قائد الانقلاب على الشرعية عبد الفتاح السيسي، ومن الجانب الآخر العلامة يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان، يُفتي بتحريم المشاركة في الانتخابات المزورة سلفاً والتي ستوصل الظالم إلى الحكم على أشلاء ودماء الشعب المصري. وإذا تتبعنا المعطيات والمجريات على أرض الواقع فإننا لا محالة نُجرم فعل حزب "النور" لوقوفه إلى جانب الباطل في مقابل حق مسلوب.
وهنا أجدنّي مضطراً ومُجبراً على توضيح أمر لا بد من التذكير به من باب أن "الذكرى تنفع المؤمنين"، وبكل حيادية وموضوعية بعيداً عن أي تحزب أو تمذهب، وشهادة لله وللتاريخ، كي لا نظلم فصيلاً بعينه. هذا السيناريو حصل ذات يوم في الجزائر في ظروف مشابهة جداً لما جرى ويجري في مصر حالياً وقتها كان اللاعب الأساسي على الساحة الإسلامية السياسية والضحية لاحقاً "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" التي كانت ذات توجه يغلب عليه الطابع "السلفي" وخارج المنظمة العالمية للإخوان، بالرغم من أن غالبية قياداتها إن لم يكن جميعهم تربوا على يد دعاة ومشايخ من الإخوان يوم لم يكن للسلفية، بمفهومها السياسي الجديد، انتشار خارج السعودية، فماذا حصل بعد "الانقلاب" على الشرعية؟ وقف المرحوم محفوظ نحناح بحزبه حماس، وهو عضو في المنظمة العالمية للإخوان المسلمين، في صف الانقلابيين، وتجب الإشارة هنا بأن المنظمة احتجت على النحناح بعد تدهور الأمور إلى ما آلت، ولا أدري مدى صحة الخبر الذي تم تداوله في حينها بأن المنظمة العالمية فصلت المرحوم من عضويتها، هذا ما عايشناه في حينه والله أعلم بالحقائق. ثم تواصل العمل مع الأنظمة المتتالية لغاية الرئيس الحالي، حيث انشق النحناح عن تجمع طالب الإبراهيمي المعارض مرةً أخرى وانضم إلى تزكية بوتفليقة والحشد لانتخابه، ثم يبدو أن الجيل الحالي أدرك بعد عقدين من الزمن أن مقاطعة مثل هذه الأنظمة هو من لب سنة الحبيب محمد عليه وآله السلام، حين سَأله صحابي، وأعتقد أنه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن موقف المؤمن إذا تولى عليه جبار ظالم مستبد، فقال الحبيب: لولا اعتزلتموهم!!! حل غاية في البساطة والسهولة لمن كان يؤمن بأن الخالق الرازق البارئ هو الله ولا أحد سواه. وكذلك مقولة الشيخ الشعراوي رحمه الله : إذا لم تستطع قول الحق فلا تُصفق للباطل.
المهم اليوم انقلبت الأدوار أو المراكز، وقد لا يكون لذلك علاقة بتصفية حسابات أو أمور كهذه، أبداً، ولكن في الحالتين، وفي التياريين، عمل لغير الله، إن في مجمله أو في بعض شؤونه، لأنه من يعمل خالصاً مُخلصاً لله يستحيل عليه أن ينصر باطلاً ولو على رقبته، فما بالك بحزبه أو طائفته أو منظمته....ولكنه على ما يبدو تبادل للأدوار بغية البغي ومخالفة الآخر عناداً لا اجتهاداً... هذا هو التفسير الجليّ والواقع أمام أعيننا للآيات الكريمات: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ @ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"... إننا بوصولنا إلى مرحلة ودرجة يفرح فيها السلفي بموت الإخواني، والسني بموت الشيعي، والمالكي بموت الإباضي،..... والعكس صحيح، فلست أدري عن أي إسلام نتكلم، وأية أمة نقصد، وأي إله نعبد!!!؟؟
من هنا مدخل الشيطان وبنصوص كثيرة في القرآن الكريم، يدخل ليزين لكل سوء عمله، كيف؟ بالإيحاء له وإقناعه بأنه على الحق المبين، وأنه هو الفئة "الناجية"، من بين الفئات الثلاثة والسبعين، ولنتصور أن كل فئة من تلك الفئات ترى في نفسها "الممثل الشرعي والوحيد" للطائفة الناجية من النار!! وبالتالي فإن البقية تحصيل حاصل، سواء حياتهم أو مماتهم...... أيَعْقِلُ هذا ذو لب؟؟؟؟؟؟ وأعتقد بأن شخصاً يستطيع تركيب جملة مفيدة ولو بالدارجة يُمكنه أن يفهم الآية ومقصودها، دون حاجته لمفسر أو شيخ أو عالم "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ".... ماذا لو أن كل واحد من هذه الطوائف سأل نفسه صادقا هذا السؤال: ماذا إن كان الآخر على الحق؟؟؟ من المؤكد أنه سيصحو من غفوته ويطرد شيطانه ويُراجع نفسه مراجعة شاملة تتغير معها نظرته جذرياً للأطراف الأخرى، وربما قاد ذلك إلى تحقيق الأمة الواحدة إذا حافظ كل على حياده وموضوعيته "الشهادة لله" في تقييم الأمور وقياسها على كتاب الله والمُجمع على صحته من سنة نبيه، وقام بدوره كداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتَرَكَ الحُكم والحساب لملك يوم الحساب.
ما أردت أن أصل إليه هنا هو أن الوقوف مع الباطل، يبقى باطلاً وإجراماً سواءً كان سلفياً أو إخوانياً أو صوفياً، شيعياً أو سنيّاً، وهذا من الفطرة الإلهية في كل مخلوق، ويتساوى فيه المسلم مع غير المسلم، فكيف إذا كان بين المسلم والمسلم! ومن هذا المُنطلق نجد أنفسنا مُرغمين على نُصرة الحق ومحاربة الباطل، واضعين على أعيننا نظارة سوداء تحجب علينا رؤية ومعرفة صاحب الفعل، قبل تقييم الفعل ذاته والحُكم فيه. وعلى هذا قامت السماوات والأرض، وهي عمود وعماد الكون فإذا أحدثنا فيه خلل أوشكت السماء أن تسقط علينا "والسماء رفعها ووضع الميزان" فإذا طغينا أو أخسرنا الميزان كانت العاقبة مشينة. ونعود للآية الكريمة التي بدأنا بها كي نختم بآية أخرى توضحها وتُبين سُبُلَ بلوغها، "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ".. كيف نتقيك يا رب العزة والجلال؟ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" العدل هو سبيل التقوى والطريق المؤدية إليه، ومن حاد عنه فقد حاد عن الصراط المستقيم. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" اللهم اهدنا وثبت خطانا على صراطك المستقيم ووحد كلمة الأمة واجمع شملها بعد أن اختلفت من بعد ما جاءتها البينات بغياً بينها.... أحمد محمد أبو نزهة 18/5/2014