لقد جاء خطاب جلالة الملك بمناسبة زيّارته لبلادنا معبّرا عن مشاغل المواطن المغاربي و همومه وتطلّعاته إلى غد أفضل، في ظرف تشهد فيه منطقتنا العربيّة عموما، و المغاربيّة خصوصا، تحديّات كبرى علي الصّعيد السيّاسي و الأمني و التّنموي الإقتصادي، فعلى الصّعيد الأمني تشهد بلدان ما يسمّى بالرّبيع العربي والبلدان المجاورة لها تفشيّا لظاهرة الإرهاب التي باتت تؤرّق أمن شعوبها، وعلى الصّعيد التّنموي الاقتصادي ساهمت هذه الظاهرة و ظاهرة التسيب الأمني خصوصا في تقليص فرص التنمية الاقتصادية في تلكم البلدان، و خاصّة في مدنها الحدوديّة التّي أصبح شبابها يساعد سماسرة التّهريب و تجّار المخدّرات و السّلع المهرّبة، و يتعاون مع جماعات الإرهاب أملا في توفير لقمة العيش، وقد جاء هذا الخطاب النّاضج سيّاسيا ليعبّر بصدق عن انشغالات الشّباب خاصّة وطموحاته في الوحدة المغاربيّة لتحقيق التّنمية المستدامة على نطاق مغاربي وعلى أسس علميّة ذات أولويّات واقعيّة و مدروسة تستجيب لروح العصر، وتقطع مع أفكار الماضي، لتوفّر فرص الشّغل للشّباب والعيش الكريم، لذلك جاءت كلمة الملك في بدايتها - بعد تأكيد جلالته على دعمه للديمقراطية و مؤسّساتها الناشئة في بلادنا،- لتؤكد على العمل الثّنائي المغاربي المشترك بين دوله الخمسة كلبنة أوليّة وأساسيّة هامّة في بناء صرح المغرب العربي الكبير، وذلك ببناء شبكات للرّبط تهمّ مختلف البنيات التّحتية، لتسهيل حريّة تنقّل الأشخاص و الخدمات و البضائع، وببعث مشاريع اندماجيّة تعزّز التّرابط بين سكّان المناطق الحدودية خاصّة لتعزيز مكانة ومسار الاتّحاد ألمغاربي من جهة، وتساعد في معالجة قضايا التّنمية البشريّة من جهة أخرى، وعلى رأسها أساسا قضايا التّعليم والتّكوين و التّشغيل، واعتبر جلالته في كلمته أنّ انبثاق مغرب كبير مندمج لم يعد أمرا اختياريا أو ترفا سياسيّا بل أصبح يشكّل مقاربة عمليّة ومضمونا ملموسا لشعوب الدول المغاربيّة والجوار الأوروبي، لذلك أكّد جلالته على أنّه قد آن الأوان لأن لا يبقى اتحاد مغربنا العربي خارج منطق العصر - عصر التكتلات الكبرى- وأشار جلالته إلى أنّ إغلاق الحدود بين البلدان المغاربيّة هو أمر لا يتماشى مع الميثاق المؤسّس للاتّحاد و لم يعد مقبولا، و دعا جلالته دول المغرب الكبير إلى التحلّي بالإرادة الصّادقة لتجاوز العقبات ودعاها إلى تفعيل الاتّحاد في إطار من الثّقة والحوار وحسن الجوار والاحترام المتبادل للخصوصية الوطنية، فهل ستستجيب كل الجهود الخيرة في بلداننا لدعم هذا الخطاب ؟ ودعم هذا التمشي المغاربي؟ وهل سيفتح هذا الخطاب الأمل أمام شباب المغرب العربي الكبير وجماهير شعوبنا المتعطشة للوحدة كي يروا بدايات جادّة ومسئولة لعمل مغاربي مشترك في إطار الاتحاد المغاربي وطي صفحة الخلافات الجزئية ؟ وهو سؤال نطرحه على قادتنا للأمانة والنّصيحة، وكم يسعدنا أن نراهم مجتمعين لانجاز هذه المهام السّامية التي دعا لها جلا لته و ما ذلك عليهم بعزيز، والله نسأل أن يوفّقهم إلى سواء السبيل.