تحوّل الظفر بمنصب الرئيس ودخول قصر قرطاج لدى بعض السياسيين من حلم صعب المنال ومستحيل قبل الثورة إلى هوس سياسي استبدّ بجيل كامل من السياسيين بعد الثورة، المنصب الذي بقي شاغرا لسويعات بعد هروب المخلوع ليشغله في النهاية آخر رئيس لبرلمان بن علي السيّد فؤاد المبزّع الذي جعلت منه الصدفة وحدها رئيسا للجمهورية. بعد انتخابات المجلس التأسيسي خضع منصب الرئيس للحسابات والصفقات السياسية، وأدّت الانتخابات التي أنتجت تحالف الترويكا الى تقاسم السلط بين الاحزاب الثلاثة المتحالفة ليكون قصر قرطاج من نصيب زعيم حزب المؤتمر المنصف المرزوقي. اليوم أعربت شخصيات حزبية وسياسية كثيرة عن نيتها الترشّح لمنصب الرئيس، منصب يسيل اللعاب ويغذّي طموحات جيل سياسي بأكمله، جيل مخضرم أغلبه على عتبة التقاعد السياسي الوجوبي بحكم التقدم في السنّ لكنه يملك رغبة جدّية في إنهاء المسيرة بمنصب أوّل رئيس للجمهورية الثانية. منية العرفاوي
المرزوقي.. لن أغادر قصري ! في آخر تصريح إعلامي له أكّد الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي أنه سيحسم موقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة قبل شهر عن موعدها، مبينا أن قراره بالترشح من عدمه سيتخذه حسب تقديره للوضع السياسي في البلاد. فحوى هذا التصريح الذي حاول المرزوقي من خلاله أن يبدو زاهدا في منصب الرئيس، راغبا في مصلحة البلاد لم ينطل على أحد حيث يدرك الجميع أن المرزوقي سيدافع بشراسة عن منصبه الحالي رغم المنافسة الشديدة من خصوم أقوياء مدججين بالتحالفات والصفقات المعلنة والخفية. الرئيس المؤقت أمضى سنتين كبيستين في قصر قرطاج بعد أن خيّب آمال الديمقراطيين والحداثيين وخذل حلفاءه من الإسلاميين عندما حاول لعب دور الحاكم والمعارض في الآن ذاته، وأثار استياء وسخط الإعلام وهو الذي طالما افتعل المعارك معه في كل تصريح يدلي به، كما أنه تحوّل الى العدو السياسي رقم واحد للمعارضة وهو الذي لم يفوّت ولو فرصة واحدة لنشر غسيلنا السياسي في جولاته الخارجية ونقد المعارضة ووصفها بنعوت مقذعة. المرزوقي الرئيس الذي هاجم الجميع ولم يسلم من أذى لسانه أحد، وأثار تندّر وتهكّم الرأي العام عندما وصفوه بأن الصلاحية الوحيدة التي ظل يمارسها باقتدار هي حضور جنائز ضحايا الارهاب من الأمنيين وتنكيس العلم حدادا.. يمضي الى الانتخابات وحيدا بعد أن تفتّت حزبه الى «حزيبات» وفقد ثقة حلفاء الأمس ولم يعد يغري أي طرف بالتحالف معه ولكن رغم ذلك ما يزال يحلم بالبقاء في قصر قرطاج كلّفه ذلك ما كلّفه.
الباجي قايد السبسي..منصب رئيس الجمهورية.. النهاية لو وقع التفكير في منح لقب «السياسي المحظوظ في تونس» لحصل عليه الباجي قايد السبسي دون عناء ، فالسياسي الثمانيني الذي عايش كل مراحل الدولة التونسية منذ الاستقلال الى الآن استطاع وفي غفلة من الجميع أن يقتنص اللحظة التاريخية التي منحته إيّاها الثورة ليعود من بعيد ومن طي النسيان ليسجل حضوره بشكل باهر فاجأ الجميع . قايد السبسي من رجالات الزمن البورقيبي القلائل الذين منحهم القدر فرصة العودة الى الحياة السياسية من الباب الكبير بعد الثورة. فهذا الرجل الذي كانت له الجرأة والشجاعة ليمسك البلاد في أكثر مراحلها التاريخية حرجا، استطاع بحنكة ودهاء سياسي تأمين أوّل انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد.. بعد الانتخابات تم تداول أخبار شبه مؤكّدة - رغم نفي السبسي لها - مفادها أن النهضة بعد فوزها في انتخابات التأسيسي وعدته بمنصب رئيس الجمهورية ، لكنها أخلفت وعدها ومنحت شرف رئيس الجمهورية لحليفها المناضل المنصف المرزوقي. الباجي قايد السبسي لم ينس «إهانة» النهضة واستغل الرصيد المعنوي الذي استطاع أن يغنمه من التونسيين وأعلن عن مبادرة نداء تونس التي حولها بعد ذلك الى حزب ضم «كوكتالا» سياسيّا فريدا من نوعه راوح بين اليساريين والنقابيين والتجمعيين والليبراليين والدساترة . حزب يستحضر روح بورقيبة ويستلهم عقيدة التجمّع ورغم ذلك يتقدّم في نوايا التصويت و»يزعج» حركة النهضة، دافع بشراسة عن تقديم الانتخابات الرئاسية التي تمنح زعيمه السبسي فرصة دخول قصر قرطاج وهو الذي طالما حلم بأن ينهي مسيرته السياسية الحافلة بمنصب رئيس تونس. مصطفى بن جعفر..قصر قرطاج في البال.. حزب التكتّل كان من بين الأحزاب التي دافعت في إطار الحوار الوطني عن ضرورة تقديم الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية، ويعود السبب الى رغبة مصطفى بن جعفر الجامحة في أن يصبح رئيسا للجمهورية الثانية وهو الذي سمّي ب«أب الدستور». بن جعفر الذي يعتبر أقل السياسيين أخطاء في المرحلة الانتقالية استطاع بأعجوبة أن يحافظ على احترام الرأي العام له في الوقت الذي تتعرّض فيه كل القيادات الحزبية والسياسية لهجمات شرسة ولاذعة، كما حاول بن جعفر أن يكون بعيدا قدر الإمكان عن الأضواء وينأى بنفسه عن الجدل والاتهامات ورغم الدور الايجابي الذي لعبه في نزع فتيل الفتنة عندما علّق أعمال المجلس التأسيسي فإن شقا كبيرا من الرأي العام يعتبر أن بن جعفر كان سلبيا في التعاطي مع الأزمات التي مرّت بها البلاد. الابتعاد النسبي لبن جعفر عن الأضواء جعل حظوظه ضئيلة في دخول قصر قرطاج وفق عمليات سبر الآراء لكنه رغم ذلك ما زال عاقدا العزم على نيل منصب الرئيس.
أحمد نجيب الشابي..هل تحقق له النهضة حلمه؟ إمّا منصب رئيس الجمهورية وإمّا الاستقالة السياسية والتقاعد الحزبي.. ذلك ما ألمح إليه نجيب الشابي في آخر إطلالة تلفزيونية، الشابي الذي كثر اللغط حوله كمرشّح محتمل للرئاسة من طرف حركة النهضة التي تراهن بشدة على الانتخابات التشريعية ولا ترى حرجا في دعم رئيس من خارج الحركة . نجيب الشابي يعتبر أكثر الشخصيات تعلّقا بمنصب رئيس الجمهورية رغم انكاره للأمر لكن كل الملاحظين يؤكدون أن حلم الشابي الوحيد هو الظفر بمفاتيح قصر قرطاج وانهاء مسيرة طويلة من النضال والصراع مع السلطة.. وأيضا من الأخطاء السياسية التي لا تغتفر والتي أطاحت بحزبه بعد الثورة ولم تمنحه فرصة غنم ما يستحقه السياسي بعد مسيرة نضالية طويلة. الشابي يدرك اليوم أنه فقد الكثير من رصيده الشعبي ولتحقيق حلمه لا بدّ أن يدخل تحت جلباب أحد الحزبين الكبيرين؛ إما النهضة وإما النداء، وبما أن زعيم النداء ينافسه على الحلم نفسه فإنه لم يبق له إلاّ النهضة لتحقيق حلم بات مشكوكا فيه بعد التصريحات التي أدلت بها حركة النهضة مؤخرا.
حمادي الجبالي.. حلم لن يتحقق بعيدا عن النهضة غادر حمادي الجبالي حركة النهضة معتقدا أن الحزب لم يعد قادرا على استيعاب مسؤولياته الوطنية بعد تجربة فاشلة في منصب رئيس حكومة. ولكن المنطق يقول إن حمادي الجبالي لا وزن شعبيا له بعيدا عن حركة النهضة وقواعدها، حركة النهضة التي اقترحت رئيسا بالتوافق بين كل القوى السياسية بالتشاور حول شخصية وطنيّة مستقلّة أو حزبيّة. وبقطع النظر عمّا أثار ذلك من جدل حول عدم ديمقراطية هذا المقترح فإن ذلك لا يخفي حقيقة أن النهضة بطريقة أو بأخرى تتحكّم في الدرب المؤدي إلى قصر قرطاج.
كمال مرجان..الرجل المحبذ لدى أمريكا منذ أيام قليلة أكّد رئيس حزب المبادرة كمال مرجان في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» أنّ ما راج خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي بأنه سيخلفه في الحكم، كان طرحا موجودا بالفعل. وقال إنّه كان يتمتّع بأسبقية على مستوى رجال السياسة، إضافة إلى انه خبر كثيرا العمل السياسي وعُرف في الخارج من خلال العمل الإنساني، وان علاقات طيبة كانت ولا تزال تربطه بمسؤولي الإدارة الأمريكية. مرجان اليوم لا يخفي رغبته في دخول قصر قرطاج. وبذلك يُعتبر كمال مرجان منافسا جديا على إعتلاء «عرش» قرطاج بفضل الدعم الأمريكي -غير المعلن- مع الحرص على استمالة قوى سياسية داخلية لبلوغ «حلمه».