القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    توقّف مؤقت للخدمات    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس بحاجة إلى تحالف إسلامي عالماني جديد
نشر في الحوار نت يوم 20 - 08 - 2014

إنه الغيب الذي يؤمن به بعضنا حقا ويكفر به بعضنا الآخر حقا كذلك.
من منا كان يرقب ثورة عربية تجتاح خمس بلدان عربية من غرب الأمة إلى شرقها. من منا كان يرقب أنظمة عربية تسارع إلى التأقلم مع ثورة عربية تهدد حدودها المغرب الأقصى مثلا .من منا كان يرقب ذلك في غمرة اليأس وزحمة القنوط ومن بعد أكوام من الجثث وأنهار من الدماء قدمها المقاومون على إمتداد زهاء نصف قرن كامل بل أزيد. من منا كان يرقب إندحارا سريعا لتلك الثورات فلا تكاد تنجو منها سوى الثورة التونسية التي تحاصرها الأنواء من كل صوب وحدب كفتاة شريدة طريدة وحيدة تبحث لها عن مأوى دافئ وسط غابة من الوحوش الكاسرة. من منا كان يرقب ظهور تنظيم " إسلامي " أشد علينا من القاعدة؟ من منا كان يرقب نشوء بل إنشاء عصابة داعش لتطرد المسيحيين من الموصل العراقية ثم لتوثق ذبحها للناس بمديات ثرماء، ثم لتعبث بالرؤوس بحقد عجيب لم نعهده من قبل في غاب الكواسر؟
لا أظن أن واحدا منا كان يرقب شيئا من ذلك. إنها الأيام الحبلى تسفه أحلامنا وتنسف التحاليل السياسية المتطفلة على أعتاب الغيب فلا يزهدنا ذلك في تشييد الأحلام وبناء الآمال إذ لم يكن يرقب واحد منا يوما أن ذاك الشبر الصغير المسمى : غزة سيكون يوما سرة الأرض بل قلبها النابض وفؤادها الذي يدوخ أعتى القوى المسلحة نوويا. ولم يكن واحد منا يرقب أن تعانق تركيا مجدها التليد لعلها تجدد حكما إسلاميا فيها سقط ومنها يولد من جديد. أليست الأم أولى بوليدها.

تلك الفتاة اليتيمة لا بد لها من حاضن قوي أمين.
هي الفتاة التونسية التي ما إن فرحت بميلاد أخواتها في مصر وليبيا واليمن وسوريا حتى عاجلتها الفاجعة فيهن جميعا تقريبا واحدة من بعد الأخرى. هل هناك مصيبة أشد عليها من ذاك. بمثل ذلك يتربى العظماء ويترعرع صناع الحضارة. الأصح أن نقول أن وراء كل رجل عظيم يتم وقهر ونهب وسلب وغدر وأزمة تلد همته أن ينشأ في الحلية فتترهل منه الإرادة. ذلك ما يعلمنا إياه التاريخ بل مدرسة الحياة وفقه التجربة لا فقه العيون الحولاء والبصائر العوراء التي تحدج ما يجب وتغفل عما يمكن وبذلك يكون عقد النكاح بينهما ليس فاسدا فحسب ليجبر بل باطلا يفسخ.

فتاة تستعد لعرسها الديمقراطي
ليس هناك حركة إسلامية في التاريخ الغابر والحاضر عالجت الإشكالية الفكرية المعاصرة : الإسلام والديمقراطية بمثل ما فعلت ذلك حركة النهضة التونسية. للحركة في تراثها العريق أخطاء سياسية قاسية وكبيرة وأخرى منهاجية وثالثة في الأداء ولكن ذلك لا يشطب كسبها الفكري التجديدي الذي عادة ما يشد إنتباه غير التونسيين أكثر مما يشد التونسيين أنفسهم. معالجة مثل ذلك ليس مقصودا لذاته إنما المقصود منه تمهيد الطريق الشاق الطويل أمام الدعوة الإسلامية المعاصرة إذ أن أسلمة الديمقراطية ومنابت أخرى كثيرة في التجربة الحداثية الغربية هو الشرط الأكبر لصلاحية الإسلام في هذا الزمان. يسمي القرآن الكريم ذلك مناداة الناس من مكان قريب أما من يناديهم من مكان بعيد فلن يستجيبوا إليه إلا كما يستجيب لك ألماني تخاطبه بلهجة تونسية موغلة في المحلية.

كانت الإنتخابات الأولى عقد نكاح فحسب.
إنما حفظ سبحانه التجربة التونسية أن تؤول إلى ما آلت إليه أخواتها. وما دون ذلك إنما هي تحليلات يغشاها الحق والباطل معا بل فيها الذي فيها من الغرور التونسي الذي لم أكن أعهده فينا من قبل. ولكن المؤكد أن القدرة على بناء تحالف سياسي عقب إنتخابات 23 أكتوبر الأولى كان صمام أمان وعوامل أخرى منها العامل الذي لا يريد سماعه الإسلاميون أنفسهم كثير من أبناء النهضة نفسها وبناتها أيضا أي العامل البورقيبي.أعذروني فذلك هو أسلوبي : صفاقة دامغة تلتقط الدليل ولا تلقي لصخب الناس أي بال. لولا الدولة التي شيدها بورقيبة لكان مآل ثورتنا بأسرع مما آلت إليها الثورة الليبية. كلام خطير.أجل. كلام كفيل بالمآل إلى الهرطقة والزندقة.أجل. كلام جديد. لا. بالتأكيد. ولكن الإلف الوديع الدافئ يأبى علينا ذكره كأننا خائفون على ديننا أن تخطفه المدرسة البورقيبية. إذا لم تكن هذه هي السلفية المزيفة الرعناء في بنائها الفكري فما هي السلفية المهجنة إذن. في أحضان تلك الدولة التي تميزت بأمرين هما اليوم وزيرا الثورة : الحياد العسكري الذي أوغل بورقيبة به إيغالا لم نكن يومها نفهم دلالاته حتى كبرنا و نشوء مجتمع مدني في جزء كبير منه مقاوم مقاومة مدنية فكرية ثقافية إعلامية .. في أحضان تلك الدولة نشأت مؤسسات على الطريقة الغربية الديمقراطية في ظاهرها سوى أن المضمون الثقافي لها هو مضمون فرنكفوني لائكي موغل في التبعية الغربية ولكن بوجهها الرأسمالي الليبرالي فحسب دون الوجه الآخر الأشد قبحا. الأشد فحسب.

تجربة ناجحة بحاجة إلى توسيعها وتسديدها.
لا بد من القول بداية : دعنا نتشبث بعيدان الشاطئ المتينة بداية أن تجرفنا التيارات المضادة للثورة ونحن على وشك النجاة. التماسيح الجائعة والشبعانة من خلفنا تغذ إلينا السر غذا حثيثا ولكن الله منجينا بلا حول منا ولا طول. أجل. ذلك قول لا بد منه في البداية فكم من وليد زغرد لمهبطه الناس فما راعهم إلا وهو ينزل جثة هامدة.
دعنا نبني تصورا لعرس فتاتنا المليحة الجميلة.
دعنا كذلك من الإقبال الشعبي الذي قد لا يحقق ما حققه في العرس المنصرم. قد يتأخر ذلك قليلا ولكن الحملة الإنتخابية كفيلة برفع منسوبه كثيرا.
دعنا نتواضع منذ البداية أن القوى الإنتخابية التونسية أربع كبرى. هي كبر نوعي بغض النظر عن أحجامها الكمية. الإعتبار في السياسة للدلالات النوعية وليس للتمددات الشعبية وما ذلك سوى صدى لإنخرامات دولية وعربية معروفة.

قوى إنتخابية أربع كبرى في حالة تنافس شديد. هي تحديدا : المحور الإسلامي بزعامة حركة النهضة و المحور العالماني الليبرالي الوطني والمحور الدستوري القديم بزعامة حركة نداء تونس والمحور الماركسي الشيوعي المتطرف.

حظوظ المحور الإسلامي هي الأكبر للفوز بالإنتخابات ولو بفارق صغير وفي ظل إقبال أدنى مما حصل في العرس المنصرم. أظن أن التونسي إما أن يعرض عن المشاركة في الإنتخابات القابلة وليس من حقه أن يفعل ذلك في ظل معركة شرسة ضارية بين خيارين كبيرين متنازعين : خيار رعاية الثورة والترفق بها أن تترسخ قدماها يوما من بعد يوم على الطريق الصحيح السوي وخيار إغتيال الثورة ولو بالطريقة الناعمة الذكية طريقة الثعالب لا طريقة الذئاب .

حظوظ المحور الدستوري القديم هي في الأصل صغيرة جدا إذ كلمة السر فيها : هؤلاء يعملون على إستعادة المخلوع لا شخصا بل نهجا في الحكم وهي كفيلة بفرار التونسي من مصير أظلم مثل ذلك. ولكن حظوظ المحور الدستوري الضئيلة شعبيا يقويها فعلا المال السياسي الفاسد. الإمارات العربية المتحدة من هناك من بعد وفلول عربية وغربية أخرى تضخ المال القاروني بسخاء حاتمي لطرد الشبح الإسلامي. وفي كل الأحوال فإن كل ذلك سيصطدم بذاكرة التونسي الثائر وقد يحقق هذا المحور المرتبة الثانية ولكني لا أظن إلا أن يكون الفارق كبيرا بينه وبين الفائز. التاريخ علمنا دوما أن الولاء للفكرة أدوم من الولاء للدرهم وأقر. مائدة الدسم لمعاوية تسيل لعاب أهل الربوة سرعان ما رجحت بها صلاة علي تسيل لعاب أهل المقاومة. عليهما الرضوان جميعا.

حظوظ المحور العالماني الليبرالي الوطني هي التي تثير العجب العجاب. هي في الأصل وفي منطق الأشياء حظوظ ما ينبغي لها إلا أن تكون في المرتبة الثانية وبإستحقاق كبير. هي حظوظ كبيرة وواعدة ولكن سرطان التشرذم الذي يفتك بها هو الذي أغرى بها المحور الدستوري القديم فهو اليوم ينازعها المرتبة الثانية. في عهود المقاومة الطويلة في العهد البورقيبي وعهد المخلوع لم يكن هناك في تونس سوى الخيار الإسلامي والخيار العالماني الديمقراطي الليبرالي الوطني بديلا عن الحكم الفردي القهري الغشوم. ولكن من نكد الزمان كما تقول العرب أن تلد الأمة ربتها أي أن تلد الثورة معارضة تعارض الثورة وحكومتها المنتخبة. لم يعهد الإنسان تلك البدعة القاسية سوى في تونس. تتحول الثورة المضادة إلى معارضة سياسية معترف بها قانونيا. بل تتحول إلى قوة ينزلها المراقبون كلهم تقريبا في المرتبة الثانية. حظوظ هذا المحور العالماني الليبرالي الديمقراطي الوطني نشأت مع إنفصال شيخي الديمقراطية في تونس : المرحوم حسيب بن عمار والمقاوم الكبير أحمد المستيري .. أي من التركيبة الدستورية في مؤتمر صفاقس عام 1975. ثم حراك إعلامي جريدة الرأي الأشهر في التاريخ التونسي المعاصر وحراك حقوقي إستجلب إليه الدكتور المنصف المرزوقي وحراك حزبي حرر أول فوز ديمقراطي في خريف 1981. هي حظوظ نشأت من عاملين كبيرين : معارضة الخيار الإسلامي وكان ذلك منذ الخلاف البورقيبي مع رمز الزيتونية التونسية المقاوم المرحوم محمد صالح النيفر و معارضة مثل ذلك للخيار الفردي البورقيبي ثم لخلفه المنقلب عليه أي المخلوع بن علي. هذا محور لو لملم صفوفه المبعثرة .. هذا محور لو أجل الخلافات الشخصية .. هذا محور لو كان أكثر وعيا بالمعركة المحتدمة في تونس .. هذا محور لو جدد أسطوله الثقافي فعدله وفق متطلبات المرحلة ومقتضيات المعركة .. هذا محور لو فعل ذلك لكان القوة الثانية قوة كمية حقيقية. أنى له أن يؤجل ذلك كله ليظل خلف أعداء الثورة وهو الوريث الشرعي للثورة مثله مثل التيار الإسلامي سواء بسواء. ألسنا شركاء في معركة الأمس. كيف نفترق اليوم ونحن بأشد الحاجة إلى قارب يكفل نجاة الثورة.

بقي المحور الشيوعي الماركسي المتطرف جدا. هو محور لا حظ له لا شعبيا ولا فكريا. إنما ظل يفعل ديناصوراته المشرفة على الإنقراض في مواقع نقابية وثقافية وتربوية وزارة التعليم العالي بصفة خاصة معروفة. هو محور الخيانة الثقافية الفكرية ضد هوية البلاد وهو محور الخيانة السياسية ضد الثورة وثمرتها التي أعلنت عليها في الإنتخابات المنصرمة إذ أثبت تنكره للديمقراطية. وأنى لمحور ترسخ رؤيته الفكرية الموثقة بنود دكتاتورية البروليتاريا والصراع الطبقي .. أنى لمحور مثل هذا أن يكون أمينا لهوية البلاد أو أهداف الثورة. الحديث عنه مضيعة للوقت حقا لأنه محور مفلس فعلا شعبيا فلا الإعلام الذي يوظف جزءا غير يسير منه أنقذ خيانته ولا النقابات التي يسكن فيها متسللا سايرته في غشامته السياسية.

المحور العالماني الليبرالي هو من يملك قارب الإنقاذ.
أجل. التصور عندي هو أنه إذا ما أعاد ذلك المحور الواسع في تشرذمه الأوسع ترتيب بيته الداخلي بل هي بيوت كثيرة على أساس الإتحاد لأجل إنقاذ الثورة المحتضرة في تونس .. وعلى أساس التحالف مع شريك المقاومة بالأمس أي التيار الإسلامي .. وعلى أساس أن الفوز هو للفكرة وللخيار أولا وليس للشخص أولا .. إذا إستعاد ذلك المحور رشده وفق تلك الأسس وغيرها فإنه كفيل بإنقاذ الثورة أو المساهمة في ذلك من مواقع التقدم والوعي والتضحية. إذا كان ذلك كذلك فإن بناء تجربة سياسية جديدة قوامها التوافق السياسي الموسع بأكثر مما حدث في المرة السابقة يظل أملا يداعب الأفئدة الظمأى إلى طريق أكثر تأهلا لحياة ديمقراطية كريمة. تلك هي لعبة السياسية لا يكفي أن تكون فيها قوة سياسية تفوز بالإنتخابات بل لا بد من قوة أخرى عاضدة كافلة حاضنة تحقق التحالف ورسالته التوافق والتعاون والطمأنينة على بوصلة السفينة. حتى في الديمقراطيات العريقة وألمانيا واحدة منها لم يكن حظ الحزب الأكبر الفائز بالإنتخابات سعيدا في بناء تحالف سياسي إلا من بعد تحالفه مع خصمه التقليدي الكبير الذي حاز المرتبة الثانية فكان لا مناص له منه وقد كان من قبل يتحالف مع كيانات صغيرة من مثل الخضر والليبراليين وغيرهما.

التصور عندي ومن قبل ذلك أملا ورجاء أن يندحر المحور الدستوري القديم إلى آخر المراتب لتموت بموته قوى العداء للثورة هو أن تفرز الإنتخابات قوتين كبيرتين إلى الأمام : التيار الإسلامي والتيار العالماني الليبرالي الوطني الديمقراطي وبينهما قوة أخرى هي القوة القومية التي لا بد لها أن تتوزع بين التيارين فكلاهما إليها أقرب وأدنى. إذا كان ذلك كذلك فإن الثورة على وشك الصعود إلى قارب النجاة. أي نتيجة أخرى من مثل إحتلال المحور الدستوري القديم للمرتبة الثانية فهي مزعجة منهكة إذ هي تغري العداوة للثورة من جديد ليتحرك إتحاد الشغل كالعادة والإعلام كالعادة ومؤسسات أخرى كالعادة بل دول وحكومات أخرى كالعادة. أي أن الثورة تحتاج إلى مدة نيابية أخرى لتكون على شطآن النجاة.

ليس ذاك حلم مداعب فحسب بل هو منظور مرقوب.
المهم عندي هو الوعي من لدن كل تونسي وتونسية بأن المعركة حول الثورة هي معركة محتدمة حامية الوطيس. معركة شرسة ضارية بأسلحة غير تقليدية. معركة تونس الحقيقية. معركة المستقبل. معركة لها خصومها من مثل الإرهاب المحدق بنا شرقا وغربا. ومن مثل المحور الدستوري القديم. معركة يضحى الصمت حيالها أو تجاهلها أو إستمتاعا بإحتساء كوب شاي من فوق ربوة السلبية والضياع .. يضحى معها كل ذلك شيئا شبيها بالخيانة وهل من شرط الخائن أن يكون مسبق الإضمار. إنما الخيانة هي الغفلة عن المعركة. معركة الوقت. الزمن لا يحمي المغفلين. للزمن سننه ونواميسه وقوانينه وأسبابه ومعاركه.

عندما تكون المعركة حول تونس بهويتها الفكرية والسياسية معا .. عندما تكون المعركة ذاك عنوانها الأكبر فإن الحياد أو السلبية أو الوقوف على ربوة المتسكعين .. يظل كل ذلك مجلبة للندم. ندم تدفع أجيالنا القابلة ثمنه دماء جديدة من دماء المقاومة.

ماذا لو أن كل غاضب من أداء حكومة الترويكا النهضة أساسا يلزم بيته أو يدلي بصوته منتصرا لعدو من أعداء الثورة المحور الدستوري القديم أو لعدو من أعداء الهوية المحور الشيوعي الماركسي المتطرف ... ماذا لو حدث ذلك. هل ينزل ربك سبحانه للسفينة ربانا من السماء ينقذها من غرق محقق. أبدا. بل تغرق وتظل غارقة حتى دماء جديدة وسجونا جديدة وإغترابات جديدة.

في المعارك الكبرى لا ينظر إلى التفاصيل وإنما ينظر إلى إتجاهات البوصلات. أليس الحكمة السياسية والإستراتيجية أن العدو يقوي عدو عدوه لا لشيء إلا لشل حركة عدوه المباشر ولو جزئيا وظرفيا. تلك هي السياسة. ولا مناص من الفعل السياسي الذكي. كيف تحرم نفسك من فعل سياسي لا يتاح لك إلا مرة واحدة كل خمس سنوات. ثم تظل تكتب وتثرثر في الأنترنت والفايس بوك.

ذلك هو ظني والله وحده أعلم. فمن كان يظن أن ثورة ستجتاح عددا من البلدان العربية في غضون أسابيع قليلات. من كان يظن أن أعداء الثورة في الداخل والخارج هم بتلك القوة لينجحوا في دك معاقل الثورة كلها إلا تونس التي أوجعوها أوجاعا مبرحة ولكن ربك وحده سبحانه سلم. من كان يظن أن تجود علينا الأيام الحبلى ب" مسلم " يذبح مسلما فيصيح " المسلم " القاتل : الله أكبر ويصيح المسلم المقتول : أشهد ألا إله إلا الله ثم يوثق ذلك ليقتلنا في اليوم ألف مرة ومرة ونحن نتردد بين مشاهدته وبين عدم إستجماع الجرأة على ذلك.

الهادي بريك ألمانيا

01775605628
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.