مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي المقرر ليوم 23 نوفمبر الجاري، تتصاعد وتيرة الحملات الانتخابية للحالمين باعتلاء كرسي قرطاج، ومع ارتفاع نسق الحملات تركزت أغلب خطابات المترشحين لنيل ودّ الناخبين على الدمغجة وتخوين المنافسين والتخويف، مقابل غياب شبه كلي للبرامج الانتخابية الجدّية.. فأي انعكاس لهذه الخطابات على المشهد السياسي، خاصة وأنها تصل في بعض الأحيان إلى درجة الابتذال والتهريج والاستخفاف بالعقل التونسي؟ وفي هذا الاتجاه برزت خلال الحملات الانتخابية العديد من الخطابات المختلفة والتي تصبّ مجملها في خانة حشد الأصوات، ولكل من المترشحين منهجه في ذلك. كل متاح مباح المترشح الصافي سعيد قسّم المتقدمين لسباق الرئاسية إلى منافسين جديين يفرضون الاحترام وخصوم يفترض مقارعتهم بالبرامج وأعداء للشعب لا يستحقون الاحترام وجب محاربتهم، في حين اعتمد الهاشمي الحامدي الذي نصب نفسه محاميا للفقراء، الفلوكلور والشعبوية وتسخير الخطاب الديني العاطفي للوصول إلى البسطاء الذين يتلقون هذه الحقن دون ممانعة، أما المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر فقد اتخذا من عودة النظام السابق فزّاعة لتخويف الناخبين من مغبة التصويت لمرشح حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي يسعى بدوره إلى دحض وتفنيد هذه الأقاويل من خلال استحضار صورة الزعيم الحبيب بورقيبة في حملته الانتخابية والتأكيد على انتمائه للحزب الدستوري لإبعاد شبهة التورط مع نظام بن علي ..وكل متاح مباح من أجل كرسي قرطاج. خطابات أغلب المترشحين لم تخرج عن دائرة التجريح والتخوين والدمغجة، والاستعطاف، مقابل غياب يكاد يكون كليا لبرامج انتخابية جدية تلامس الواقع المعيش للمواطن، وفي هذا السياق يعتبر الخبير في الاتصال السياسي صلاح الدين الوسلاتي أن بروز مثل هذه الخطابات أمر طبيعي في ظل المخاض السياسي الذي تمر به البلاد التي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية الحقيقية. ويفسر الوسلاتي هذه الخطابات بالتشابه الكبير للبرامج الانتخابية لجلّ المترشحين للرئاسة، والذي دفعهم إلى البحث عن طرق أخرى للترويج لأنفسهم، مستخدمين جميع الوسائل المتاحة بما في ذلك الطعن في الخصوم وانتقادهم وتسويق الأوهام للناخبين، مشيرا إلى أن هذا التمشي الاعتباطي يتنزل في إطار إستراتيجية التموقع السياسي للمترشحين للانتخابات، والذين يسعون إلى حشد أصوات الناخبين بكل الطرق قبل موعد 23 نوفمبر غير مكترثين بالتأثيرات العكسية على نتائجهم في الانتخابات. خطاب عاطفي كما اعتبر الخبير في الاتصال السياسي أن خطابات المترشحين قائمة أساسا على الاتجاهات العاطفية مقابل غياب كلي للخطاب العقلي، مرجعا ذلك اعتماد أغلب المترشحين على إستراتيجية اتصالية غير علمية لا تمت بصلة لحقيقة الواقع التونسي، حيث لا يكفي مخاطبة عاطفة الناخبين ومشاعرهم وبيعهم الأوهام إلى درجة مغالطتهم لأن السحر سينقلب على الساحر في نهاية المطاف، وسيدفع السياسيون فاتورة هذه المغالطات وتزييف الواقع ومهاجمة الخصوم، وستظهر عيوبهم بمجرد وصولهم إلى سدّة الحكم..حسب تعبيره. ويرى محدثنا أن نجاعة هذه الخطابات مرتبطة أساسا بالمستوى الفكري للناخبين ووعيهم السياسي الذي مازال متعثرا، حيث يسهل على المترشحين التلاعب بعقول المقترعين من خلال تهميش هذا الجانب والتركيز على الجانب العاطفي وتقزيم الخصوم السياسيين، خاصة وأن الناخب التونسي لم يتمرس بعد على هذه الشخصيات مما يجعله يعتقد فيها الصحة وينساق وراء خطاباتهم. وبقطع النظر عن المترشح الذي سيتربع على كرسي قرطاج، فان الممارسات الانتخابية لعدد من المتقدمين لهذا الاستحقاق خرجت عن سياق المعقول ولامست خطوط الانحطاط السياسي وصلت إلى درجة الاستخفاف بالعقول والتحريض على الخصوم، وهو ما من شأنه أن يسمّم الأجواء الانتخابية وربما الوقوع في المحظور.