غريب أن تتصاعد موجة الكراهية ضدّ المسلمين في أوروبا بلد القانون وبلد الدفاع عن الحرية وعن حرية المعتقد بالذات. طويلة ومريرة هي رحلة البحث عن وجود محترم ومقدّر، عن مواطنة كاملة، تمكن المسلم من ممارسة حقوقه كغيره من المواطنين. يعيش معهم على نفس الأرض، يتكلم نفس اللغة، يدرس معهم في نفس المدارس وفي نفس الجامعات، يشتغل ويساهم في بناء البلاد .. يؤدي حقوقه كاملة غير منقوصة، يحتكم إلى نفس القانون ويحاسب بمقتضاه عن أي تقصير .. ديدنه القيم الانسانية: الحرية والديمقراطية واحترام الحقوق العامة والخاصة كمشترك بين الجميع ..ضاربة جذوره جيلا بعد جيل في هذه الأرض.. بطاقة هويته تؤكد أنه في وطنه.. ولكن واقعه يوقظه على حقيقة أنه لا زال يعتبر دخيلا، غير مرغوب في وجوده، و ليه أن يرحل بعيدا عنهم. لماذا ياترى ؟؟ فقط لأن اسمه أحمد أو محمد و إسمها عائشة أو فاطمة.. ويزداد الوضع سوءا وتعقيدا لو أن أحد المغَرّر بهم من الشباب من ذوي الأصول العربية المسلمة قام باعتداء أو بعمل فيه عنف ظنا منه أنه يدافع عن الاسلام أو لأي سبب نفسي أو اجتماعي .. ماذا عساه يكون المشهد يا ترى ؟.. يهرع المسلم في كل مكان وفي أوروبا بالذات متناسيا همومه وحملات التضييق التي يعيشها و يرتفع صوته منددا بالاعتداء تجريما، ملتمسا كل وسائل المساندة والتضامن مع الضحية علّه يثبت أن هذا العمل معزول ولا يعبر عن الدين الاسلامي الحنيف ولا يمثل المسلمين ..ويهرع الأعلام رغم كل ذلك إلى تحميل المسؤولية للإسلام نفسه وللمسلمين كافة. ويتمادى في صياغة رأي عام أكثر تنافر وفرقة وكراهية.. متغاضيا عن الأسباب الحقيقية لمثل هذه الظواهر.
ويستمر المسلم يبحث عن مخرج من بين مخلبي طرفي نقيض من التطرف... تتقاذفه موجتي الانتقام ونعرة الكراهية في تلازم مستمر...تعلو موجة الكراهية للاسلام حرقا للمساجد و استهزاء بالمقدسات لتتحرك موجة من انتقام رديفة لها في الأسلوب وفي منسوب العنف والأعتداء على الأرواح....تزيد الأولى في لهيب الثانية والعكس بالعكس .. والضحية في الحالتين هو المواطن المسلم الأوروبي بالأساس ...
هل استطاعت إحدى جهتي التطرف أن تحقق ولو مصلحة واحدة لمن توهمت أنها تمثلهم؟.. كلا. أهدرت في الحالتين قيمة التعايش السلمي و احترام حرية المعتقد وأُسست للفرقة و اضحى السلم الاجتماعي مهددا.... ولا يمكن أن يتوقف هذا النزيف إلا باستفاقة شاملة لأهل الحكمة و صناع القرار: حكومات وأصحاب رأي من مختلف الأديان والأحزاب والسياسين ومن النخب النافذة من الجهتين... ينبغي أن يعلو صوت الحكمة من كل هذه الأطراف مجتمعة ضد أي خرق لقيم المواطنة والديمقراطية والتعايش ضمن احترام حرية المعتقد والحريات الخاصة والعامة. ينبغي أن يتحمل الإعلامي والفنان والسياسي والمجتمع المدني مسؤوليته ويوسع أفقه ويوجه قدراته لتحقيق السلم الاجتماعي دون انحياز لأي طرف.. ينبغي أن ينكب مختصوا علم الاجتماع وعلم النفس والسياسة والعلم الشرعي لدراسة الأسباب الحقيقية لمثل هذه الظواهر المهددة لكل قيمة انسانية. ينبغي أن تحدث حركة توعية على نطاق واسع تحفظ الأرواح وتحمي الحقوق وتزيل الفرقة والكراهية و تحقق الأمل. "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"