لم يكن تنفيذ أوّل حكم بالإعدام ضد احد معارضي الانقلاب في مصر، محمود رمضان، حدثا مفاجئا، فقد كان منتظرا تنفيذ بعض الأحكام لبداية مرحلة جديدة، يلقى معها الانقلاب مخرجا، بعد وضع الإخوان في وضع الناجين من المقصلة، خاصة وقد تم الأعداد لذلك بإصدار ما يقارب 1080 حكم اعدام، كورقة ضغط سياسي، وعلى رأسها المرشد محمد بديع. سوف لن نتحدث عن تهمة محمود رمضان، المحتمل تورطّه في احداث سيدي جابر بالإسكندرية، برمي احد الشبان من اعلى احد الابراج، وهو ما أدّى الى وفاته لاحقا. يُجمع الكثير بان الرجل لا دليل ضدّه، حتى مقطع الفيديو الذي تمّ استعماله لا يثبت قيامه بعملية القتل، بالرغم من تواجده في مسرح الجريمة. حتى ان العديد من المنظمات الحقوقية قد طالبت سلطات الانقلاب بوقف تنفيذ الحكم، لأن الأدلة المقدمة لا ترتقي الى درجة الأثبات. لكن يبدو بان التسرّع في تنفيذ الاعدام له دلالات اخرى، وغايات اخرى، جديرة بالاهتمام، فهي ستنتقل بسلطة الانقلاب من وضع الى وضع، من وضع الواقف على الأجساد الى الباحث عن تسوية، وضمانات. لقد تورّط نظام الانقلاب السيسي على جميع الأصعدة، تورّط في ارتكاب نظامه جرائم ترتقي الى جرائم الحرب، وقدّمت في ذلك قضايا دوليّة، مرفقة بأدلة لا يرتقي الشك اليها. وتورّط في عجزه عن توفير لقمة العيش للشعب المصري مما زاد في شحنة الغضب والاستياء منه، ثمّ ورّطته التسريبات الأخيرة، من مكتبه، وأظهرته كزعيم عصابة، وأظهرت الدول التي ساندنته بالمال، كأنصاف دول، يقودها أغبياء !، لا فهم لهم ولا دراية !، وهي معيبة في حقهم، في كل الأحوال. مجئ الملك سلمان الى سدّة الحكم سيكون النقطة الفاصلة في تغيرّ الشرق الأوسط بأكمله، وليس في مصر فقط، لقد أدّت سياسات الراحل الملك عبد الله الى سقوط اليمن واحتلالها من طرف ايران، والى عدم استقرار مصر، وتحويلها الى بؤرة توتر ساخنة، قد تهدد الأمن القومي السعودي من جهة الغرب. ولقد بدأت التحولات فعليا من جهة اليمن، ووقوف السعودية مع الشرعية، ومع عودة هادي للحكم وتفعيل المبادرة الخليجية، فليمن لليمنيين وليس لإيران. وفي الجانب المصري، التقط السيسي ونظامه التحوّلات القادمة رغما عنه، فهرول في اتجاهها، تخلّص من أحد "الرسولين"، محمد ابراهيم، وهو الذي يمثل أبشع المظاهر الدموية التي شهدتها مصر والإنسانية قاطبة، ولكن التخلّص من ابراهيم لا يعفي السيسي ومعاونيه من المحاكمات القادمة، ومن غضب الشعب الذي يتزايد كل يوم، ولذلك سيلتجأ السيسي الى أوراق الضغط، التي تمّ اعدادها بأحكام، منذ الأيام الأولى للانقلاب، وتتمثل في 1080 حكم بالإعدام، واكثر من 40 الف سجين، والاف أخرى مهجرة في كافة أنحاء العالم. تنفيذ أول حكم بالأحكام، على المواطن محمود رمضان، هو بداية مرحلة جديدة عنوانها المساومة. المساومة مع كل الأطراف المتضررة، تبتدئ بالإخوان وتنتهي بهم، لأنهم الفصيل الأكثر تضررا، والأكثر شعبية وامتداد. وقد نشهد في الأيام القادمة تنفيذ اعدامات اخرى، لقيادات وسطى من الإخوان، وذلك لفرض تنازلها عن حقوقها ودعاويها ضد النظام العنصري الانقلابي، مقابل تعطيل الإعدامات في من تبقى، واطلاق سراح المسجونين. ومثلما تساءلت "الجارديان"، هل تتحول التسريبات الى "ووترغايت " مصرية تطيح بالسيسي؟ فالجواب يبدو بان السيسي بدأ في البحث عن ضمانات قبل سقوطه... د. محجوب احمد قاهري / تونس