بقلم: خلدون الخويلدي حدث مصعب بن جبيرقال: اعتليت المراكب، صحبة المواكب، و زاحمت بالمناكب، بعد أن سهرت ليالي مع الكواكب، استعد للظهور في حلقة على الجزيرة، أنازل فيها شخصا يتحدث بوتيرة، كان قد أثار موقفه لدي الحيرة، فأبحرت في النت بحثا عن السلوك و السيرة. و بعدما وافت الشمس غروبها، و أقفرت المدينة دروبها، جلس صناديد الرجال، الى جانب ربات الحجال، يشاهدون التلفاز، و يراقبون من يكسب المفاز. أظهرخصمي مكر اللئام، حين أماط اللثام، ومذ لم يبدأ بالسلام، بل بادر بالكلام، يعدد إنجازات الحكام. فما إن جلس و استراح، و أزاح الوشاح، بان لي جليا و لاح، أنه عميل مأجور، يمدح الطغاة و يدافع عن الجور. لقد نصب على الكرسي جسده، و وجّه تلقائي تفله ظانا أني أحسده، على الأجرة أنافسه، أو منصب قد أمارسه. أخذ يرفع و يحط يده، حتى انتفخ صدره، و وهن ظهره، كأنما تأبط شرا، ليقبض مقابل الجملة من الدنانير عشرا. بدأ من نظام ابن الحسن الثاني، حتى انتهى الى حكم آل ثاني، مرورا بالجنرال الزعبع، الذي بلغ عمره قرنا إلا ربع، و لا يكاد يعترف من أركان الإسلام بأربع، ثم إنتقل الى ملك الملوك، الذي كان للثورية يلوك، و زعم أنه في العروبة أخوك، الى أن مُنِح شهادة في حسن السيرة و السلوك، و منه الى السادات، و من قبله و بعده من الباشوات، من خسر أو فرط في القضية، أو حصر الحكم في الذرية، ليحاصر غزة هاشم، وإعلامه في بلد المليون يسب و يهاجم. و انتهى الى شكر كل الأمراء، أصحاب الألوية الخضراء، و الذين يرفعون الراية البيضاء، لكل المتعاقبين على البيوت البيضاء، يقدمون لهم غازا و نفطا، وشركاتهم تشفط البراميل شفطا. لم يقل ما قال إلا كاسبا، و لم يُجدِ القول راغبا، فقد تفتق للحيلة لسانه، و انتجع للرزق بنانه، كلما أذلق لفظا، إزداد عند أسياده حظوة و حظا، فهو يمدح إن أحدهم رغب، و لا يعتذر إلا إذا رهب، يتقن المديح و التزلف يذيبه، يدعو للظالم و هو بسرعة يجيبه، إذ هو بالطغاة أكثر فخرا، من الخنساء بأخيها صخرا، إن أنت فتحت أقفال خزائنه، و اطلعت على أسرار دفائنه، اكتشفت وقحا إن سب أو ثلب شج، و إذا جادل فسق و عج، و مع ذلك يزعم أنه صلى و حج !. و قبل أن أغوص في الحوار و ثناياه، أنشدت مخاطبا إياه: قضيت العمر تمويها و تلبيسا تطلي النحاس ليبدو نفيسا تبت يدا أبي لهب اتبع إبليسا فآل الى نار يخلد فيها حبيسا ثم شددت عليه الى أن مال الكلام ميله، و جر من الخيبة ذيله. لما سردت من شناعة ما جلبوه على الشعوب من المحن، فبهت و للكلام استحسن، الى أن استدل بهدي جد الحسين والحسن. و ظننت أنه استسلم، أذ أظهر أنه من الأم أرحم، ولم يقاطعني كعادته و كأنه أفحِم. غير أنه سرعان ما قلب ظهر المجن، كأنما ركبه عفريت من الجن!!! عندها شمرت و قلت: اسمع أيها المدعو، ما أنت فينا بالمرجو، و كل صديق مثلك عدو. حذار ثم حذار، و تدبر مليا هذا الإنذار، ففي حياتي ما فهت بزور، و لا دليت بغرور. إعلم أصلحك الله، إن الصدق نباهة، و الكذب عاهة، فإني أراك نهضت نشيطا، فلأجل من قمت مستشيطا؟، أ لشيطان الأنس أم الجن، لان قلبك و رق و حن؟ أوضح و أفصح، أيهما عنيت، و لأجله تعنيت؟ أنْصحك كلاهما لا تبتغي، و راجع موقفك كما ينبغي. إني أعيذك بالله من أبليس و آله، و من لحق به من أتباعه و عياله، و اعلم أنه سيتبرأ منك يوم سؤاله، أهو نادم وغلطان، فيجيب " ما كان لي عليهم من سلطان". و أعلم أن الحرة فد تجوع و لا تأكل بثدييها، و تأبى الدنية و لو اضطرت اليها، فلا حاجة لك أن تبيع الذمم، أو تتوقع خيرا من كل القمم، و لا حتى اللمم، فلم ترهق أسماعنا وتسمم، و بدل كيل المديح، أولى لك أن تقف موقف الصريح، ألم يثقلوا البلاد بكثرة الديون، التي تذهب النوم عن العيون، و أين هم من مطلب الحرية، و أين هم من توفير الخبز للذرية.؟ الى أن قطع الحوار متصل بالهاتف، و كان معي متكاتف، فقال: لقد امتد بنا العمر، و نحن ننتظر حاكما كعمر، الى أن أتانا هذا الزمن المر، فأصابنا و قومنا الضر، فما جاؤونا بالبضاعة المزجاة، و لا ما يسد الرمق و يكفي للنجاة، حتى أهلكتنا المجاعة، فأين هم الجماعة؟ أمن نقص في المال أم خذلتهم الشهامة والشجاعة، و لم يبق لنا إلا أن ننتظر الساعة.؟! و أردف متصل آخر فقال: لنا حاكم لا نعرف آباءه و لا جدوده، تعددت عند الإنقلاب وعوده، فامهلناه الى أن اشتد عوده، عندها تجاوز حدوده، تشبث بكرسيه و بالحفاظ على وجوده، إذ انهمر كرمه و جوده، فقط تجاه أقاربه، واشتغل بصبغ شعره و حلق شاربه!. فعلقت بعد أن فهمت قصده و مراده، و قد كنت خبرت الجور و حصاده: أن حاكمكم هذا لا يختلف عن سابقه، و كلاهما قد خلع ربقة الوطنية عن عنقه، لكي أبتعد عن التكفير، و أميل على أفعاله بالتشهير و التحقير. إني نظرت في الأمور و بواطنها، بعد أن طلبت العلوم و مواطنها، و فنون السياسة عاينتها و عانيتها، و المحن قايستها و قاسيتها، و رأيت مواقف بعض العامة، كموقف النعامة، فأنكرت عليهم أن هذا ولي الأمر، فلا هو جزء مني، و لا هو ترب و لا هو من سني، فلا هو بالممتن عليّ، و لا له حظوة لديّ. لا يغرنكم ذياع صيته، و لافخامة بيته، فهو أوهن من بيت العنكبوت، و صاحبه أقرب مما تظن الى التابوت، بل و أطالبه أن يخرج فورا و يغادر الحانوت. الى هنا قاطعني مدير الجلسة قائلا يا جماعة، يا جماعة،.... انقضى من الوقت ساعة، و لينفض الإجتماع، بأن قضت لجنة الإستماع، ربع لرأيه و لك ثلاثة أرباع.