- «الأناضول»: اندلعت أزمة جديدة في الجزائر حول قطاع التعليم، بسبب تداول أخبار عن استعداد وزارة التعليم لتدريس العامية في المدرسة، وهو الخبر الذي فجر موجة غضب ضد وزيرة التعليم نورية بن غبريت، التي لم ينتظر خصومها معرفة حقيقة الأمر، فسارعوا لمهاجمتها، متهمين إياها بأنها تعمل على تصفية اللغة العربية، وكما جرت عليه العادة، كلما تعلق الأمر ب«المقدسات» تقوم الدنيا ولا تقعد. شرارة هذه القصة بدأت في ندوة عقدت حول التعليم، وفي ختام الندوة صدرت توصيات، وتناقلت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي تصريحا لمفتش بوزارة التعليم بخصوص تعليم العامية الجزائرية، وهي خليط من كلمات عربية وفرنسية وإسبانية، وهو كلام لم يتم التأكد من صدقيته والطريقة التي قيل بها والسياق الذي جاء فيه، لكن مجرد تناقله حوله إلى كرة ثلج، فأصبح القائل هو الوزيرة، وأصبحت التوصية قرارا اتخذ وسيطبق ابتداء من الموسم الدراسي المقبل، وأصبحت الوزارة متهمة بأنها ستحذف اللغة العربية من التدريس نهائيا، وكذا مادة التربية الإسلامية، وكما جرت العادة سل خصوم الوزارة و»حراس المعبد» سيوفهم وهاجموا الوزيرة بن غبريت، واتهموها بالعمل على تحطيم ثوابت الأمة، والسعي إلى تصفية اللغة العربية، وخرج أنصار نظرية المؤامرة ليعلنوا أن الأمر مدبر بليل من طرف أنصار اللغة الفرنسية، وتحركت أحزاب وجمعيات وشخصيات وأصدروا بيانات تنديد بالوزيرة. وزيرة التعليم وبعد أن تضخم الجدل وأصبح لا يطاق خرجت عن صمتها، مؤكدة على أن الكلام المنشور والمتداول والمنسوب إليها وإلى وزارتها لا أساس له من الصحة، وأنه لا توجد أي نية لتدريس العامية في المدرسة، ولا استبدال اللغة العربية بها، ولا إلغاء بعض المواد من التدريس مثل التربية الإسلامية، وشرحت أن التوصيات التي صدرت كانت في اتجاه التأكيد على ضرورة التعامل بمرونة مع التلميذ عند دخوله المدرسة أول مرة، والحديث عن التعامل مع التلميذ بلغته الأم سواء كانت الأمازيغية بمختلف أنواعها أو العامية، حتى لا تحدث صدمة بالنسبة للطفل عند دخوله إلى المدرسة، ولكن تكذيب وزارة التعليم لم يكن كافيا لإخماد «الثورة» التي قامت ضدها، واعتبر البعض أن الوزارة تراجعت تحت الضغط، والبعض الآخر أنها أطلقت بالون اختبار. من جهتها ساندت بعض النقابات وزارة التعليم في هذه الخطوة، إذ أكد مزيان مريان رئيس نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتقني أن قرار الوزيرة بن غبريت شجاع، لأن الطفل يجب أن يجد في المدرسة اللغة التي يتكلم بها في البيت وفي الشارع، وهذه الطريقة معمول بها في دول كثيرة، حتى يتمكن الطفل من التأقلم مع التعليم، ولا يحدث نفور يجعله يكره الدراسة منذ البداية، موضحا أن الأمر مطروح بالنسبة للأطفال الذين يدخلون المدرسة وهم لا يتكلمون العربية نهائيا، خاصة في منطقة القبائل أو بالنسبة للميزابيين، لذا من الضروري أن يكون المعلم أو المعلمة يتكلم اللغة الأمازيغية حتى يتمكن الطفل من تعلم اللغة العربية الفصحى والمواد الأخرى. وأثار تصريح منسوب لمسؤول بوزارة التعليم الجزائرية، حول وجود مقترح لتدريس اللهجة العامية لتلاميذ السنة الأولى الابتدائية، موجة انتقادات من أحزاب إسلامية في البلاد، وصفته ب»السابقة الخطيرة، التي تهدد انسجام المجتمع، وتخلق صراعا لغويا مستقبلا». وكانت وسائل إعلام محلية، نقلت مطلع الأسبوع الجاري، عن المفتش العام بوزارة التعليم، نجادي مسقم، قوله خلال مؤتمر صحافي عقده للحديث عن نتائج ملتقى لإصلاح منظومة التعليم، إنه «سيتم تدريس العامية خلال الفصل الأول (مدته نحو ثلاثة أشهر) من السنة أولى ابتدائي، مراعاة لبيئة الطفل القادم منها، قبل التدرج في تلقينه الفصحى ابتداء من الفصل الثاني من السنة نفسها». وقال بيان لتكتل الجزائر الخضراء، وهو تحالف برلماني معارض يضم 49 نائبا (من بين 466 نائبا بالبرلمان)، ينتمون إلى ثلاثة أحزاب إسلامية، هي حركات «مجتمع السلم»، و»النهضة»، و»الإصلاح الوطني»، إن «اعتماد التعليم بالعامية بدلا من الفصحى، يعد سابقة خطيرة في تاريخ التعليم في الجزائر». وأضاف البيان، الذي تلقت الأناضول نسخة منه، الخميس، أن «اعتماد هذا القرار من شأنه نسف الوحدة الوطنية وانسجام المجتمع الجزائري». وطالب التكتل النيابي «برحيل وزيرة التربية الوطنية (التعليم)، نورية بن غبريط، نظرا لتجاوزها الخطوط الحمراء، باستهداف مقومات الشعب الجزائري»، في إشارة إلى اللغة العربية. وتتواجد في الجزائر لهجات عدة، البعض أصلها عربي، والآخر أمازيغي، وهي لغة العامة والتواصل، لكن المنظومة التعليمية تعتمد اللغة العربية كلغة رسمية، وبعدها اللغة الفرنسية في تخصصات جامعية أخرى. وقال المفتش العام بالوزارة، نجادي مسقم، يوم الخميس، للإذاعة الجزائرية الرسمية، إن هذا الموضوع «أُسيئ فهمه، والحديث حول اعتماد اللهجة الدارجة، أو بما يسمى العامية بدلا من اللغة العربية الفصحى في المناهج التعليمية في الأقسام الابتدائية مجرد إشاعات مغرضة». بدورها، قالت وزيرة التربية، للإذاعة نفسها، إن «الإشاعة المتضمنة اعتماد العامية في التعليم الابتدائي، هي مجرد ضجيج غير مقبول”. وأضافت، أن «كل ما في الأمر هو أن اقتراحات الخبراء المشاركين في الندوة الوطنية حول تقييم تطبيق إصلاح المدرسة (ملتقى عُقد الأسبوع الماضي)، أكدت على ضرورة مراعاة، بصفة تدريجية، ما يحمله الطفل من رصيد لغوي معين (اللهجة العامية للطفل) مع دخوله المدرسة» . ونشر ناصر حمدادوش، النائب في البرلمان الجزائري، عن حركة مجتمع السلم، يوم الخميس تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك»، قال فيها «إن وزارة التعليم حذفت من صفحتها الرسمية مقطع فيديو للمؤتمر الصحافي، الذي عقده مفتشها العام، وتحدث فيه عن تدريس العامية». وتساءل حمدادوش «أهكذا تعالج الأزمة التي أحدثتها وزيرة التربية بحذف الفيديو فقط؟ سبحان الله!». من جهته، قال عبدالقادر فضيل، وهو مسؤول سابق بوزارة التعليم، للأناضول: »قرارات الوزارة يغلب عليها الارتجال، والاستعجال، والغموض، ومثل هذا القرار بتدريس العامية لا يطرح هكذا، فهو يوكل لخبراء من مختلف الهيئات المختصة قبل البت فيه». واعتبر فضيل، أن «تدريس العامية بدلا من العربية في الجزائر، معناه خلق جيل لا علاقة له بتراثه»، مشيرا إلى أن العامية »ليست لغة فكر، والأمر فيه رجوع لما قام به الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830/1962)، عندما كان يخير الجزائريين بين الدراسة بالفرنسية، أو اللهجة العامية لتكسير العربية».